الجنة تحت أقدام الأمهات، حديث شريف شغل فكري كثيرا، لما الجنة تحت أقدامهن ولن يقول الرسول الحبيب صلى الله عليه وسلم أنها بين أيديهن أو عند أقدامهن، لما الجنة تحت الأقدام، ولكن ليس أي أقدام إنها أقدام الأمهات. ولعل العدل الآلهي هو الذي يُقدر حقا ما تعيشه المرأة في رحلة حياتها الزوجية وخاصة مع كونها أم، فمنذ أن يأذن الله سبحانه وتعالى بأن يتكون الطفل بداخل رحم أمه، وهي تعد رحلة مشقة وعذاب لها، ففي البداية لا تستطيع الأكل كما كانت، وتلاحقها الروائح لتجعلها وكأن روحها تغادرها، فلا تستطيع تحملها، خلاف الهزال الذي يصيبها ويجعلها تحتاج للنوم فترات أكبر. ولعل النوم يكون ممكنا مع الطفل الأول، ولكن الأم التي لديها أطفال سابقين تتحمل أعباء الأسرة كاملة مضافاً إليها متاعب الحمل، لتضحى براحتها من أجل خدمة أسرتها، ومع مرور الحمل تنتفخ بطن الأم لتجد نفسها قرب الولادة، وهي قد لا تستطيع النوم أو الحركة من ثقل بطنها وتتمنى الولادة كل لحظة حتى تنعم بلحظات نوم مريحة، ولكن هيهات، فمع مجئ طفل إليها تودع النوم والراحة معا. قلنا أن الأم في لحظات تتمنى الولادة، وهي أصعب الآلام التي قد يتحملها بشر، فخروج روح من روح ليست بالأمر الهين ولا باللحظة الواحدة التي تمر وانتهى الأمر، لكنها عملية قد تمتد لأيام ولحظات المخاض لا تُوصف، كما أن الأم لا تتعافى بعد الولادة مباشرة، إلا أنها تظل في ضعف إلى أن يريد لها الله الشفاء التام، والخروج من هذه المرحلة الصعبة، التي تتحمل فيها آلام في غاية الصعوبة، وكذلك مسئولة عن مخلوق جديد، ليس بالأمر الهين، وهو ما يصيب نسبة ليست بالقليلة من الأمهات باكتئاب الولادة. ونأتي لمرحلة مجيء جزء منها جديد إلى العالم، ذلك الصغير الذي لا يعلم أحد كيف يرضيه؟! فهو كائن أضعف ما يكون، ولكنه شديد الإزعاج، لا ينام ولا يسكت عن البكاء، لتجد الأم نفسها في غاية القلق والتوتر، لأنها تريد الراحة وهي مع هذا الصغير ضربا من الخيال، وهو الأمر الذي قد يستمر لفترات طويلة قد تصل لستة أشهر ومع بعض الأطفال قد تصل لعام كامل. وبالطبع كل مرحلة من مراحل نمو الطفل لها اشكالياتها الخاصة، التي تجعل الأم تضع عينيها وسط رأسها فهو مع مشغالها اليومية يسببان لها الدوار ويجعلاها تتحين الفرصة لتضع رأسها على الوسادة بأية طريقة لحين بدء متاعب يوم جديد، وهكذا يستمر الحال، لتغادر مرحلة الصغير إلى مرحلة المدرسة والمذاكرة والتربية ومحاولة زرع القيم والأخلاق ضمن عالم متخبط، قليلا ما نرى فيه أخلاق، كما نتمناها، وهو ما يشعر الأم بأنها في حالة حرب لتخرج رجلاً صالحاً يرضى عنه الله وينفع مجتمعه. وكما نرى تنتقل الأم مع أطفالها من صعوبة إلى أخرى لتصل في النهاية إلى مرحلة الشيخوخة، وتجد نفسها وقد أصبحت وحيدة بعد أن اختار كلا من أولادها طريقه وحياته بعيدا عنها، وتبدأ معها آلام من نوع خاص وهي آلام الوحدة، كفانا الله وإياكم هذه الآلام، وبالطبع توصيات ديننا الحنيف ورسولنا الكريم بالآباء ما يجعل هذه النقطة معدومة، لأن بر الوالدين وخاصة الأم من كمال الإيمان، وهو ما يأتي بعد التوحيد، حيث قال سبحانه وتعالى في كتابة العزيز"وقضى ربك إلا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر(5) أحدهما أو كلاهما ....". ووصى الحبيب صلى الله عليه وسلم بالأم خاصة في حديثه حين جاءه رجل فقال: يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال :"أمك"، قال: ثم من؟ قال :"أمك"، قال: ثم من؟ قال :"أمك"، قال: ثم من؟ قال:"أبوك"، أحمد الله سبحانه وتعالى أن ديننا لم يغفل حق هذه المخلوقة التي تغادر راحتها من أجل أولادها وأسرتها وتتحمل الآلام الجسدية والنفسية من أجلهم دون أن تنتظر مقابل، فيجازيها الله الجنة ويجعلها تحت أقدامها. جعلنا الله وإياكم من البارين بأمهاتهم وآبائهم وجعل أولادنا من البارين بنا. [email protected]