هذا العنوان قد يثير التعجب لدى الكثير من المأخوذين بالشعارات الإيرانية الثورية والذين لا يعرفون حقيقة هذه المليشيات (حرس الثورة) المسلحة التى تأسست فى بداية الثورة الخمينية عام 19979م لحماية الشخصيات القيادية فى النظام الإيرانى الجديد، ولكنها سرعان ما تحولت فى ما بعد إلى جيش مجهز بمختلف أنواع الأسلحة الفتاكة لخوض الحرب الإيرانية مع العراق، تلك الحرب التى استمرت ثمانى سنوات وأكلت الأخضر واليابس, إضافة إلى ما أوكل إليها من مهام أمنية ومخابراتية داخلية وخارجية, وقامت على ضوئها بتجنيد عناصر عميلة لإيران من الطائفيين المتأثرين بالخطاب الثورى والأيديولوجى لنظام الخمينى, وشكلت منهم جماعات وحركات طائفية فى المنطقة العربية مارست العنف ونفذت العديد من عمليات الخطف والإرهاب والتجسس، وأحداث أعمال الشغب فى بعض البلدان العربية وغير العربية. ومع الزمن تطورت قدرات هذه المليشيات (الحرس الثورى) وتعددت وظائفها ومهامها حتى أصبحت تمسك اليوم بجميع مقاليد السلطة ومرافق الدولة الرئيسية , سياسية وأمنية واقتصادية وتجارية, وغدت اليد الحديدة للمرشد الأعلى (على خامنئى) ونظامه, وهى آلته الحديدة فى مواجهة معارضيه. ولعل خير دليل على ذلك ما قامت به هذه المليشيات من قمع للانتفاضة الإيرانية الشعبية التى خرجت عام 2009 ضد تزوير الانتخابات الرئاسية، وقبلها مجازر عديدة ارتكبتها مليشيات الحرس الثورى فى إقليم كردستان الإيرانى وفى مدينة المحمرة الأحوازية وفى إقليم بلوشستان ومحافظة تركمنستان الإيرانية، ناهيك عن مجازر الإعدامات و مجزرة تبيض السجون فى عام 1989م، والتى راح ضحيتها أكثر من 35 ألف سجين سياسي فى غضون شهرين فقط. وليس قمع انتفاضة الشعب الأحوازي فى عام 2005م التى راح ضحيتها المئات من عرب الأحواز عنّا ببعيد. هذا ناهيك عن جرائم الاغتيالات الإرهابية التى نفذت ضد قادة معارضين إيرانيين وأحوازيين وأكراد وبلوش, فى مختلف دول العالم. و حتى اللاجئين الأفغان فى إيران لم يسلموا من مجازر مليشيات الحرس الثورى, فكما هو معلوم للشعب الأفغانى قبل غيره أن إيران كانت وما زالت تحمل الحقد الطائفى والقومى لهذا الشعب الأبى وتسعى لأخذ ثأرها منه. فمعروفٌ أن الأفغان هم الذين أسقطوا الدولة الصفوية عام (1722-1729م ) بقيادة الأمير محمود الأفغانى. ولهذا فقد شهدت أحد مخيمات اعتقال المهاجرين الأفغان فى إيران يسمى مخيم "سفيد سنك" الواقع قرب مدينة مشهد فى إقليم خراسان فى عام 1998م انتفاضة أفغانية ضد الظروف القاسية والإجراءات السيئة التى كان يعيشها سكان المخيم لإجبارهم على التطوع فى قوات ما كان يسمى "تحالف الشمال" لمحاربة حكومة طالبان، وقد قامت مليشيات الحرس الثورى باستخدام القوة المفرطة لإخماد تلك الانتفاضة إلى حد استخدمت فيها الطائرات المروحية لضربهم مما أسفر عن مقتل أكثر من"2000" أفغانى بينهم العديد من النساء والأطفال وتم دفنهم فى مقبرة جماعية. وعن جرائم مليشيات الحرس الثورى وعملياتها الإرهابية الخارجية، فقد كتبت صحيفة "التلغراف" البريطانية فى عددها الصادر فى 22الشهر المنصرم تقريرًا مفصلاً عن جرائم الحرس الثورى الإرهابية, والتى وثقته الصحيفة بالأدلة والأسانيد العديدة. وقد تناقلت هذا التقرير العديد من الصحف ووسائل الإعلام العالمية. فمن جملة ما جاء فى التقرير المذكور: إن فيلق "القدس" أحد فرق الحرس الثورى، تلقى مؤخرًا أوامر مباشرة من المرشد الأعلى "على خامنئي" للقيام بتنفيذ سلسلة من الهجمات الإرهابية فى المنطقة وبعض الدول الغربية, ردًا على ما تسميه إيران بالتهديدات التى تطلق ضدها نتيجة تدخلها فى سوريا ودعمها المباشر لنظام بشار و تعنتها إزاء أى حل لمشكلة ملفها النووى. فقد جاء فى تقرير صحيفة "التلغراف" أن اجتماعًا أمنيًا خاصًا عقده "خامنئي" مع أعضاء المجلس الأمنى القومى الإيرانى، وقادة "فيلق القدس" وأبلغهم بضرورة الاستعداد لتنفيذ الهجمات ضد أهداف فى الغرب ودول المنطقة، حيث تتعرض المصالح الإيرانية العليا فى سوريا والمنطقة إلى خطر حقيقى, على حد وصفه. ويضيف قائلاً: "إن بقاء النظام السورى شريان حياة رئيسى للحفاظ على ديمومة حزب الله فى لبنان". وأشار "خامنئى" فى الاجتماع المذكور, إلى أن المصالح الإيرانية تتعرض للتهديد من جهتين, من جهة العقوبات الاقتصادية التى يفرضها مجلس الأمن على طهران, ومن جهة حماية الغرب للجماعات السورية المسلحة التى تحارب نظام بشار الأسد. وبحسب التقرير المذكور فإن إيران تعتقد أن دعم الغرب للجماعات السورية المسلحة يعرض مصالحها لخطر جدى من أهمه قطع خط التواصل البرى مع حزب الله فى لبنان, لذا يتوجب عليها أن تبين لأمريكا وبريطانيا وتركيا والسعودية وقطر, أن لديها مصالح فى سوريا تعتبرها خطوط حمر لا تسمح لهما المساس بها, وإذا ما فقدت مصالحها هناك فإنها لن تجعل الآخرين يهنئون بمصالحهم. ويربط تقرير صحيفة "التلغراف" بين المعلومات الاستخبارية التى أكدت قيام "فيلق القدس" بتكليف 400عنصر من عناصره المتخصصة للقيام بتنفيذ الهجمات الإرهابية, وبين عدد من الهجمات الإرهابية التى حدثت قبل أشهر فى بعض الدول, ومنها على سبيل المثال, محاولة اغتيال السفير السعودى فى واشنطن, ومحاولة تفجير حفل فنى فى جمهورية أذربيجان, وعملية اعتقال عنصرين من الحرس الثورى فى جمهورية كينيا كانا يحملان مواد متفجرة. وأمثلة أخرى. وليس خفيًا عن الأعين تواجد مليشيات الحرس الثورى الإيرانى فى سوريا إلى جانب قوات نظام الأسد ضد المعارضين السوريين. إن مليشيات الحرس الثورى بالنسبة للنظام الإيرانى ومرشده الأعلى, تمثل اليوم ما كان يمثله "فرسان الهيكل" و"فرسان مالطا" بالنسبة للصليبيين بالأمس.