عزيزي جمال .. هذا هو الجزء الرابع والأخير من رسالتي المطولة التي أرجو ان تكون قد وصلت إليك كاملة .. ورأيت أن أختمها بنصيحة مخلصة وصادقة تبتغي النفع العام .. أتمنى ان يتفهمها عقلك وتمس شغاف قلبك .. عزيزي جمال .. أعرف أن طموحك إلى الحكم يستند بلا شك إلى قناعات تؤمن بها وأفكار تعتقد بصحتها وحجج تسوقها لنفسك ويرددها من حولك لتبرير هذا الطموح .. ولكن ما أود ان أنبهك إليه ، أن كل إنسان .. بل كل مخلوق على وجه الأرض ، حسنا فعل أم سيئا ، جميلا صنع أم قبيحا .. لديه قناعات وحجج يطلقها وكلام يقوله لتبرير كل الأفعال والأعمال بغض النظر عن الحكم الصحيح عليها .. حتى الشيطان الرجيم ، كانت لديه قناعة بعدم السجود لأدم ، وكانت لديه حجة في عصيان أمر الله (خلقتني من نار وخلقته من طين) .. وانظر إلى اللصوص والمجرمين ونساء الليل ، ستجد لديهم أيضا قناعة وحجة يبررون بها أفعالهم القبيحة والمذمومة ، من قبيل أنهم يأخذون حقهم من المجتمع الذي ظلمهم ، أو ان الظروف الصعبة هي التي دفعتهم إلى ذلك .. أقول لك هذا الكلام لمراجعة نفسك واختبار دوافعك وتأمل الموضوع من كافة جوانبه .. ثم تسأل نفسك : هل هذا الطموح يستند بالفعل إلى قناعات صحيحة وحجج منطقية يقبلها العقل الراشد والفطرة السليمة .. أم ان الأمر لا يعدو ان يكون سوى استجابة لشهوة السلطة وغريزة الحكم (وهي أقوى من شهوة المال وغريزة الجنس) ولا يخرج عن كونه رغبة بشرية محضة في الحفاظ على مكتسبات شخصية حققها (الأب) ويريد (الابن) استثمارها وضمان عدم ضياعها .. عزيزي جمال .. ان النصيحة الغالية التي أقدمها إليك عبر هذه الرسالة ، هي تذكيرك بأهمية مراجعة النفس والتفكير والتأمل العميق والوقفة مع النفس بعيدا عن المؤثرات المحيطة بك ، والتي تدفعك دفعا في هذا الاتجاه (وما أكثرها كان الله في عونك) .. وصدقني ، إذا قمت باختبار قناعاتك ومراجعة أفكارك بكل شفافية وصدق مع النفس وإخلاص لله وحب لهذا البلد ، ستصل بنفسك إلى القرار السليم والصحيح .. وستتغير نظرتك للأمور ، وستتبدل رؤيتك للأشياء وستعرف يا أخ جمال أن الاستبداد والفساد هما أكبر دعامتين يرتكز عليهما هذا النظام ، كما أنهما اكبر عقبتين يمنعان التقدم والتنمية ، وستكتشف كم المعاناة وحجم المآسي التي يعيش فيها الناس من فقر وغلاء وبطالة ومرض ، وستدرك كم المظالم التي ارتكبت في عهد نظام والدك من اعتقال وتعذيب وتشريد بحق عشرات الألوف من المضطهدين من غير ذنب ولا تهمة ، وستفهم ان عرقلة مطالب الحركة الوطنية في الإصلاح والتغيير وتعطيلها والالتفاف عليها ، هي بمثابة جرائم عظمى ترتكب بحق هذا الشعب المسكين المكتوي بنار المستبدين وحلفائهم من الفاسدين . وستوقن ان موالاة الخارج على حساب اغتصاب حقوق الداخل نتيجتها الخسران المبين . عزيزي جمال .. ان قناعاتك وأفكارك التي تكونت بعيدا عن الشارع وفي معزل عن الناس ، وبطانتك من رجال الأعمال المحتكرين وأركان الحكم النافذين .. منعت عنك إدراك الحقيقة وملامسة الواقع .. فكانت جدارا حديديا حبسك عن الناس وصد أصوات الشارع عن مسامعك فلم تصل مطالبهم وهمومهم إلى عقلك وقلبك ، واكتفيت بعقد اجتماعات وندوات داخل غرف مغلقة كل ما يجري فيها مرتب سلفا من قبل نخبة مستفيدة تكيل لك المديح والنفاق .. كما نافقوا والدك من قبل فسلم إليهم البلاد يعيثون فيها فسادا .. ويبدو انك تسير - حتى الآن - على الدرب نفسه وتسلم نفسك لبطانة لا يشغلها سوى نفسها ومكاسبها المادية .. فليس أسوا من الحرس القديم سوى الحرس الجديد .. وليس أسوأ من كمال الشاذلي وأمثاله سوى احمد عز وامثاله . عزيزي جمال .. كيف تقرب منك هذه العناصر المكروهة من الناس ، وأنت السياسي الطموح صاحب شعار الفكر الجديد ، ويغيب عنك استشارة حكماء الأمة أمثال : (طارق البشري ، وعزيز صدقي ، ويحيى الجمل ، وجلال أمين ، وعبد الغفار شكر ، وحازم الببلاوي ، وعاطف البنا ، ورشدي سعيد ، وسلامه احمد سلامه ، وفهمي هويدي ، وعبد الوهاب المسيري ، ومحمد سيد احمد ، ونبيل الهلالي ، وميلاد حنا ، ومحمد سليم العوا ، وكامل زهيري ، ومحمد عوده ، وعبد العظيم أنيس ، وسكينه فؤاد ، ويحيى الرفاعي ، وفاروق جويده ، ويونان لبيب رزق) .. أين هذه الأسماء من جدول أعمالك ؟ .. ولماذا لا ترجع إليهم وهم الرموز الوطنية الحقيقية التي لا يختلف عليها الناس ؟ .. عزيزي جمال .. إذا أردت النصيحة المخلصة من رجل مثلي من عامة الناس ليس له مأرب شخصي فيما يقول .. فعليك بتغيير بطانتك ومراجعة قناعاتك .. عليك الابتعاد عن جماعات المصالح والاقتراب من الناس .. عليك تنفيذ مطالب الحركة الوطنية في الإصلاح والتغيير .. عليك نصيحة والدك بإنهاء قانون الطوارئ والكف عن التنكيل بالناس اعتقالا وتعذيبا .. عليك العمل بحزم وقوة على رد الأموال المهربة في الخارج ووقف نهب البلاد وعدم التسامح مع الفاسدين .. عليك سماع أنات المسحوقين وشكاوى المظلومين .. تفعل خيرا إذا سمعت ووعيت .. وتعمل برا إذا قرأت وفهمت أدعو الله في ليلة القدر ان ينفعك بهذه النصائح .. وان يشرح قلبك لتقبلها وتفهمها .. وان تكون يا (جمال) في قلب الحركة الوطنية المطالبة بالإصلاح في المرحلة المقبلة .. اللهم آمين [email protected]