الحرية ليس معناها أن تفرض إرادتك على الدولة والمجتمع، وأن يكون لك قانونك الخاص الذى تطبقه على الجميع. كثير من التجمعات صارت مثل نبات "العاقول" العشوائى تتكون فى جلسة أو من خلال اتصال هاتفى أو بتغريدة على تويتر ورسالة على فيس بوك. المضيفون أضربوا عن العمل، فكلفوا الدولة الفقيرة 30 مليون دولار، وعندما عادوا للعمل، علقوا فقط الإضراب بشروط معينة. جماهير الكرة التى يطلق عليها "الألتراس" تمارس التشبيح ضد المجتمع، بحجة القصاص لشهداء استاد بورسعيد، ولا أعرف كيف يأتى القصاص بدون محاكمات وهى الجارية حاليا، وهل يجب إعطاء القانون إجازة، ثم انتقاء 74 شخصا من الطرف الآخر وقتلهم على طريقة ثأر الصعايدة، حتى لو لم يكونوا من مشجعى الكرة أو لم يسمعوا بها فى حياتهم! المسألة فيها شكوك كبيرة بشأن الهوية الحقيقية لمن يطلقون على أنفسهم الألتراس، فليس معقولا أن الكتلة التى قامت على أساس تشجيع ناد معين، تتحول إلى دولة سرية تمارس الفتونة والتشبيح، وترسل التهديدات التى تحذر من استئناف الدورى العام وإقامة مباراة السوبر. بل تؤكد أنها ستمنع تلك المباراة بالقوة. هيبة الدولة تقف عاجزة مرعوبة ولا تحرك ساكنا. ودفعها الرعب إلى تأجيل الدورى شهرا.. وعلى ما يبدو سيجر التأجيل شهرا وراء شهر إلى أن ينسى الجميع أن هناك كرة وبطولات وإلى أن تصبح تلك الرياضة أثرا من الماضى! المسألة ليست فى جدوى كرة القدم من عدمها، ولكن فى أن تفرض مجموعات معينة قانونها وتشبح الناس، فيما تفقد الحكومة قدرتها على الردع وتقضى الأيام والليالى فى التفاوض مع ممثلى تلك المجموعات. والمثير للعجب أن يخرج من ينادى الرئيس محمد مرسى بالجلوس مع هؤلاء "الشبيحة" وبحث طلباتهم والاستجابة لها، ومن يقول إنهم عانوا التجهيل والتبخيس والإهانات من نظام مبارك ومن وزارة الداخلية، ناصحا الشرطة بأن تولى الأدبار ولا تحرس المباريات لأن وجودها سيثير الألتراس الذين لهم ثأر كبير على "الداخلية"! كأن مرسى تبوأ الرئاسة ليتفاوض مع إلهام شاهين وفسطاط الفنانين الذين يحنون لزمن مبارك، ومع شباب صغير باسم "الألتراس" لا يمكن لأى عاقل أن يظن حاليا أنهم مشجعو كرة قدم، ومع مضيفين قرروا فى طرفة عين فصل مصر عن العالم الخارجى! أين القانون وهيبة الدولة. الألتراس لم يكونوا فى عهد مبارك سوى مشجعى كرة متعصبين، والأصل أنه إذا تعطلت الكرة فلا يجب أن يظل ما يسمى "الألتراس" وكفى كذبا وتدليسا بأنهم كانوا قوة سياسية ضد النظام المخلوع! القيادات التى توجه هؤلاء معروفة بالاسم لدى الأجهزة المعنية ويمكن "لمهم" فى ساعة وبأسهل كثيرا من قيادات الجماعات الدينية الذين زُج بهم فى السجون والمعتقلات فى عهد مبارك بتأشيرة من أصغر ضابط مباحث! المضيفون الذين حرضوا على الإضراب معروفون أيضا، وكل منهم ممكن أن يشيل 15 سنة سجنا. القانون يقول ذلك، لكن الحكومة ترد بأنها لن تقبض عليهم لأنهم قاموا بتعليق الإضراب.. إذن ماذا عن الثلاثين مليون دولار التى خسرناها خلال ساعات قليلة، أليس أولى بها سكان العشوائيات ومرضى الوباء الكبدى؟! [email protected]