جريمة بشعة وقعت يوم الجمعة ( 5/ 4/ 2019) في أحد مساجد منطقة الهرم بالجيزة ،راح ضحيتها خطيب المسجد ،حيث طعنه شخص يقال إنه مريض نفسي بسكين وهو ساجد في الركعة الثانية من صلاة الجمعة . وأنا بالطبع لا أعرف هذا الإمام ، ولا سمعت عنه من قبل ، ولكني أظن أن أي إنسان سوي لا بد أن تهزه هذه الحادثة الأليمة كما هزتني ،فيأسى لهذا الشاب المغدور ، ويسأل الله تعالى له الرحمة ،وأن يربط على قلوب أهله وذويه ،ويلهمهم الصبر والسلوان . لكنَّ وزارة الأوقاف في مصر كان لها اهتمام آخر ، حيث أصدرت بياناً قالت فيه : (( إن المدعو محمد العدوي المعتدَى عليه بالقتل ،والذي كان يؤم الناس بزاوية الرحمة بمنطقة الهرم اليوم الجمعة ليس إماماً بالأوقاف ،ولا خطيب مكافأة بها ،وغير مصرح له من الوزارة بالخطابة ،ولا علاقة له بالوزارة على الإطلاق. كما أنه أدى خطبة الجمعة بالمخالفة لتعليمات الوزارة )) ، وبناء علي ذلك قرر الوزير إعفاء كل من وكيل وزارة أوقاف الجيزة ،ومدير إدارة الهرم ،ومفتش المنطقة من مواقعهم وإحالتهم للنيابة ،وذلك – كما جاء في بيان الوزارة - نظراً لتقصيرهم في واجبهم الوظيفي وعدم تنفيذ تعليمات الوزارة بعدم إقامة الجمعة في الزوايا ،وعدم السماح لأي شخص غير مرخص له بالخطابة باعتلاء المنبر . هذا كل ما أهمَّ الوزارةَ في هذه الحادثة الأليمة ، التي راح ضحيتها شاب في عمر الزهور ، فلم تجد الوزارة الموقرة إلا هذه الكلمات الجافة القاسية التي تركز على أن هذا الخطيب ليس إماماً بالأوقاف ،ولا مصرَّحاً له بالخطابة في مساجدها ، وأنها عاقبت المسؤولين عن ارتقائه المنبر دون تصريح خطابة . فلا اهتمام بجلال الموت وهيبته ،وما ينبغي أن يحدثه في النفوس من العظة والعبرة ، ولا كون هذا المتوفى قد قُتِل ظلماً دون ذنب أو جريرة ، وكأن هذا الشاب حين خالف تعليماتهم قد ارتكب إثما ً مبيناً وجرماً عظيماً يستحق معه أن لا يُترَحمَ عليه ،وأن لا يذكر اسمه إلا مسبوقاً بكلمة " المدعو" . يا وزراة الأوقاف : ما أكثر ما سمعنا في خُطَبِكم التي تُلزمون بها الأئمة حديثَ البخاري ومسلم الذي فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم مرت به جنازة فقام ،فلما قيل له : إنها جنازة يهودي قال : ( أليست نفساً )، مستدلين به على سماحة الإسلام وحسن رعايته لغير المسلمين ، فلِمَ لمْ تتسع سماحتكم لمثل هذا الشاب المسكين الذي لقي ربه تعالى وهو ساجد . أفما كان يمكنكم التغاضى في مثل هذا الموقف الرهيب –ولو مؤقتاً- عن كونه اعتلى المنبر دون تصريح منكم ؟ يا وزارة الأوقاف : إن هذا الشاب وإن كان قد أدى خطبة الجمعة بالمخالفة لتعليماتكم -التي هي بالمناسبة ليست بقرآن منزل – إلا أنه ليس بعيداً عن المجال العلمي والشرعي ؛فهو كما قرأنا طالب بكلية الشريعة. أي أنه -في الغالب - يملك من علوم الشرع واللغة ما يؤهله لاعتلاء المنبر . ونحن نعرف عشرات الخطباء ممن يحملون تصاريح خطابة منكم ،وهم يرفعون المفعول وينصبون الفاعل ، وكم رأينا من خطباء يخطبون بتصاريح من الأوقاف وهم لا يملكون شيئاً من المؤهلات العلمية ولا حتى شهادة الثانوية الأزهرية . يا وزراة الأوقاف :إن لهذا الشاب أباً مكلوماً ،وأماً ثَكْلى ،وأهلاً وأحبة ،كان ينبغي عليكم مراعاة مشاعرهم ،وأنتم تُدلون ببيانكم هذا الفظ الغليظ. أيها المسؤولون في وزارة الأوقاف: إن المناصب لا تدوم ،ولو دامت لغيركم ما وصلت إليكم ،وسيأتي عليكم يوم تتركون فيه تلك المناصب بغير اختيار منكم ، فلا تغتروا بهذه المناصب الزائلة ، ( واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون ) . عبد الآخر حماد عضو رابطة علماء المسلمين 1/ 8/ 1440ه- 7/ 4/ 2019م