يغدو المشهد السياسى والانتخابى فى مصر حاليًا شبيهًا بلوحة الفسيفساء التى تم تشكلها من الأحجار والصخور الرخامية والحصى والفخار، وأحيانًا الزجاج والصدف. فمع قرب الاستحقاقات الانتخابية البرلمانية الجديدة، تشهد دوائر العمل السياسى والحزبى حالة من الغزل العفيف أو العذرى وأحيانًا الغزل الفاحش، حالة من التوحد بالاندماج أو التحالف السياسى تارة، وأخرى بالتنافر أو الانفصال، وثالثة بالظهار والملاعنة فالطلاق أو الخلع، وصار فى المحروسة شركاء متشاكسون! ولغة الحوار تحولت جمرًا! وتذكرت نظم ابن مالك صاحب الألفية الشهيرة، إذ يصف الخلاف والاختلاف فى العمل والإعمال لبعض الأدوات النحوية (كان وأخواتها وإن وأخواتها)، فيقول: ل إنَّ أنَّ لَيْتَ لَكِنَّ لَعَلْ / كأَنَّ عَكْسُ ما ل كان مِنْ عَمَلْ ولم يتفتق ذهن ابن مالك ولم يخطر بباله أن يظهر "الطريق الثالث" لفتح باب الاختلاف، وهو طريق "حمدين" وأخواتها، وبعيدًا عن لغة الشروح والحواشى والتعليقات والتقريرات، أقول –واللهَ أسأل التوفيق والقبول-: إن الطريق الثالث أشبه بما ورد فى الأغنية الشعبية:"لِفِّي بينا يا دنيا، دوخينا يا دنيا، مرجحينا يا دنيا، خدينا شمال شوية، هاتينا يمين شوية". وطريقة "حمدين" وأخواتها تعتمد النسخ، والنسخ -بصرك الله بعيوبك- الإزالة، والإزالة تحتاج إلى ترخيص، والترخيص يحتاج إلى مجلس، والمجلس منحل، ولا أحد عنده حل، ومصر سداح مداح، فلا عيب أن تخرج علينا "حمدين" وأخواتها بتيار جديد أو ائتلاف غير سديد، ثم ما يلبث هذا التيار أن يفقس تيارات صغيرة، والأخيرة بدورها ومن فورها تكبر، ثم تتعاظم وتنتفخ، فتصير فراخًا ذوات أجنحة، تتنكر لأولياء نعمتها، وتتنكب طريقتها، وتعلن عن ائتلافات جديدة، على نحو عجيب من التكاثر اللانهائى، تارة فى الكنائس، وأخرى فى أفخم الفنادق؟! والتيار الثالث-يا رعاك الله- ليس الطرف الثالث أو الرابع أو الخامس، وإنما هو أخلاط غير مؤتلفة ولا متجانسة، من تكتلات تسمى نفسها "ليبرالية" كانت من قبل متناحرة متشاكسة، ناصبت بنى وطنها "التيار الإسلامى" الخصومة والاستعداء. وعليه، فالتيار الثالث أو التيار الشعبى أو أى حاجة تطلع يومين وتختفى، هى أدوات تعمل ضد أخرى، وسيذكر التاريخ ويشهد أن أول من غرس وبذر هذه السياسة الخبيثة فى جناين المحروسة، هو الرفيق "ساءورث" الذى امتطى الجمل، الذى كان فى عهد المخلوع كالحَمَل؛ وكلاهما من رابطة (ألتراس) حكيمى حكماء حوكمة حكومة مصر، والتى تضم إبراهيم...وجمال...وعبد العظيم...وحمدى...وعمرو...وأيضاً الواد النسناس، ويا جمال يافهمى ...حيرت فهمى! ويذكرنى حمدين بكثرة تصريحاته المسموعة والمرئية، فلا يكاد يرى سوى نفسه، بقول المتنبى -مع الاعتذار للمتنبي-: أَنامُ مِلءَ جُفوني عَن شَوارِدِها / وَيَسهَرُ الخَلقُ جَرّاها وَيَختَصِمُ وأدرك أحدهم الفرق بين التيار الإسلامى والتيار الليبرالى وأحيانا العلمانى، فقال: الفرق بينهما كالفرق بين العجين والطنين، وقد صاغها العربى فى المثل القديم: "أسْمعُ صَوْتاً ولا أَرَى فَوْتاً" وصاغها الآخر: "جَعْجَعَةً ولا أَرَى طِحْنا". هل عرفت؟! فالزم. الباحث بمجمع اللغة العربية [email protected]