وقعَّ الرئيس الأمريكي ترامب مؤخراً مرسوماً رئاسياً يعترف فيه بسيادة ( إسرائيل ) على هضبة الجولان السوربة المحتلة منذ عام 1967م ، ضارباً عرض الحائط بالقرارات الدولية الصادرة عن الأممالمتحدة والتي تنص صراحةً على أن الجولان أرض محتلة ، وهو ما يمثل استخفافاً بالعرب والمسلمين وبخاصة أنه حرص على أن يوقع ذلك المرسوم - الذي شبهه بعضهم بوعد بلفور في إعطاء من لا يملك وعداً لمن لا يستحق- في حضور رئيس الوزراء الصهيوني نيتنياهو ، وفي نفس الوقت الذي كانت فيه الطائرات اليهودية تشن عدواناً غاشماً على قطاع غزة ممطرة إياه بوابل من النيران . إننا نهدي هذا الاعتراف لأولئك المخادِعين والمضلِّلِين من بني جلدتنا من الإعلاميين وغيرهم الذين ملأوا الدنيا صياحاً وضجيجاً مرحبين مستبشرين حين فاز ترامب في الانتخابات الرئاسية علم 2016م ،زاعمين أن سبب فرحتهم أن منافسته ( هيلاري كلينتون ) وحزبها ( الحزب الديمقراطي ) كانوا يؤيدون التيارات الإسلامية ،وما زالوا يرددون تلك الأكذوبة حتى أقنعوا بها كثيراً من العامة والدهماء . على كل حال فإني أود أن أعلق على هذا الموضوع في نقاط سريعة أجملها فيما يلي : أولاً : إنني أعتقد اعتقاداً جازماً أن هذا المرسوم ما هو إلا حلقة من حلقات سجل طويل حافل بالعدوان والاستهانة الأمريكية بالأمة العربية والإسلامية ومقدراتها . وأن مبدأ الانحياز الأمريكي المطلق لدولة الصهاينة هو مبدأ مستقر عند الإدارات الأمريكية المتعاقبة لا يخالف فيه رئيس جمهوري ولا ديمقراطي . ثانياً : ومع ذلك فإنه لا بد من الاعتراف بأنه إذا كان بعض الشر أهون من بعض فإن التاريخ الأمريكي القريب يشهد بأن مواقف الحزب الديمقراطي كانت بالنسبة لقضايا العرب والمسلمين أقل سوءاً من مواقف الحزب الجمهوري ( حزب ترامب ) . ولعلنا نتذكر أن الإدارة الأمريكية في آخر عهد أوباما الديمقراطي قد سمحت بتمرير قرار مهم في مجلس الأمن الدولي يطلب من إسرائيل أن " توقف فوراً وفي شكل تام كل الأنشطة الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها القدسالشرقية " .ويعتبر أن المستوطنات الإسرائيلية "ليس لها أي أساس قانوني " . وقد سمحت إدارة أوباما في أيامها الأخيرة بتمرير ذلك القرار بأن امتنعت عن التصويت عليه ، فصدر القرار بأغلبية أربعة عشر صوتاً . لكن لما جاء ترامب انقلب على ذلك الموقف ، وكانت قمة انقلابه تنفيذه لوعوده بنقل سفارة بلاده إلى مدينة القدس . ولذا نقول إن هؤلاء الذين رحبوا بفوز ترامب لو كانوا وطنيين حقا ًكما يزعمون لاعترفوا بهذه الحقيقة ،حقيقة أن ترامب وحزبه أشد عداءً للأمة العربية والإسلامية من غيرهم ، أو على الأقل لخففوا من شماتتهم في خسارة الديمقراطيين ،وبخاصة أن تصريحات ترامب أثناء حملته الانتخابية كانت واضحة في ذلك أشد الوضوح في الانحياز للصهاينة ويكفي أنه كان يَعِد بنقل سفارة بلاده في إسرائيل إلى القدس -وهو ما تم بالفعل كما أسلفنا - ولكنها المكايدة السياسية وتغليب المصالح الحزبية والأهواء الشخصية على مصالح الأمة وثوابتها . ثالثاً : لا يمكن بحال إغفال البعد الديني في مواقف الجمهوريين من ساسة أمريكا ورؤسائها ، فهم لا يُخفون نزعتهم الدينية ، ويؤكدون أنهم إنما يؤيدون إسرائيل تنفيذاً لمعتقدات أصولية توراتية ، وهل ننسى إعلان الرئيس الأميركي بوش بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2011م من أن حربه على أفغانساتان حرب صليبية ، وقوله : إن الرب هو الذي أمره باجتياح أفغانستانوالعراق . وفي كتاب صدر بعنوان : ( لو كررت ذلك على مسامعي فلن أصدقه ) للصحفي الفرنسي (جان كلود موريس ) يذكر المؤلف أن الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك قد ذكر له أنه قد تلقى مكالمة هاتفية من الرئيس بوش في مطلع عام 2003 ، وأنه فوجئ بأن الرئيس بوش يطلب منه الموافقة على ضم الجيش الفرنسي للقوات المتحالفة ضد العراق مبرراً ذلك بتدمير آخر أوكار "يأجوج ومأجوج" ،مدعياً أنهما مختبئان الآن قرب مدينة بابل القديمة ،وأصر على الاشتراك معه في حملته الحربية، التي وصفها بالحملة الإيمانية المباركة ،ومؤازرته في تنفيذ هذا الواجب الإلهي المقدس الذي أكدت عليه نبوءات التوراة والإنجيل. ومنذ أيام صرح وزير الخارجية الأمريكي بومبيو بأنه لا يستبعد أن يكون الرب قد رقى ترامب ليكون رئيساً لأمريكا في هذا الوقت لحماية اليهود مما يسميه بالتهديد الإيراني ،كما أُرسلت الملكة إيستر قديماً لإنقاذ اليهود . إلى غبر ذلك من التصريحات والأقوال التي لو صدر مثلها عن بعض المسلمين لسارع الكل باتهامهم بالتخلف والتطرف والإرهاب . رابعاً : يجب أن يعلم أن موقفنا ثابت من الطاغية "بشار" فهو الذي أذل شعبه وتسبب في قتل مئات الألوف من أهلنا في سوريا الحبيبة ، كما تسبب في تشريد الملايين منهم ، ولكن دفاعنا إنما هو عن أرض عربية مسلمة يجب علينا الحفاظ على عروبتها وإسلامها ، إذ لا بد من التفرقة بين الأنظمة والشعوب ،فالأنظمة مهما طال بقاؤها إلى زوال ،وتبقى الأمة بتاريخها وأرضها وأجيالها المتعاقبة . وأخيراً فإنا نتساءل :متى يفيق العرب والمسلمون من سُباتهم ؟ومتى يعلم ساستهم وأولو الرأي فيهم أن العدو لا يمكن أن يتحول إلى صديق ؟ وبخاصة إذا كان ذلك العدو يبني عداوته على أساس من الدين ،كما قال بعضهم : كل العداوة قد ترجى مودتها ... إلا عداوة من عاداك في الدين. عبد الآخر حماد عضو رابطة علماء المسلمين