دائمًا ما سمعنا عن كلماتٍ و عباراتٍ كانت تتردد على ما يُسمى اللوبي اليهودي أو اللوبي الصهيوني، الذي يفرضه اليهود على صناع القرار السياسي في الولاياتالمتحدة، و المنظمة التي أُنشئت في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق دوايت إيزينهاور عام 1953 خيرُ مثالًا يُضرب في هذا الشأن، إلا وهي لجنة الشئون العامة الأمريكية الإسرائيلية "أيباك"، التي تتألف إلى جانب اليهود من أعضاء جمهوريين وديمقراطيين بالكونجرس الأمريكي. منظمة إيباك التي توهجت في مؤتمرها الذي عُقد قبل أحد عشر عامًا، عام 2006، والذي اُعتبر المؤتمر الأكبر للجماعات المناصرة لإسرائيل في الولاياتالمتحدة، بحضور نحو نصف أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي "السيناتورز" البالغ عددهم مائة عضو، و نحو ثلث أعضاء مجلس النواب البالغ عددهم 435 عضوًا. واليوم يُفتح المجال من جديدٍ للحديث عن الدور الذي تلعبه الجماعات اليهودية في توجيه دفة الأمور للقرار السياسي الأمريكي، وتحديدًا الخاص بوضعية اليهود وإسرائيل، بعدما أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأربعاء الماضي 6 ديسمبر الاعتراف بالقدس عاصمةً لإسرائيل، ومن ثم نقل سفارة الولاياتالمتحدة لدى إسرائيل من تل أبيب إلى القدس، حسبما وجه ترامب وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون. بداية الفعالية من 1995 ويرى مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق ،حسين هريدي، أن الدور الذي تلعبه منظمة "أيباك" ظهر دورة جليًا منذ عام 1995، وبالتحديد حينما أقر الكونجرس الأمريكي مشروع قانون بنقل سفارة الولاياتالمتحدة لدى إسرائيل من تل أبيب إلى القدس، مع ترك المجال للرئيس الأمريكي بتأجيل عملية النقل لمدة ستة أشهر قابلة للتجديد حفاظًا على الأمن القومي للولايات المتحدة، وهو ما اعتادت عليه الإدارات الأمريكية المتعاقبة بدءًا من بيل كلينتون ومرورًا بجورج بوش الابن وانتهاءً بباراك أوباما قبل مجيء ترامب. ويؤكد هريدي أن منظمة أيباك قامت بدورها هذه المرة وساهمت في دفع الرئيس الأمريكي للاعتراف بالقدس عاصمةً لإسرائيل، وهو ما يبين قوة الدور الذي يلعبه اليهود في توجيه القرار السياسي في الولاياتالمتحدة. صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية ،التي تحفظت على قرار نقل السفارة، كشفت عن أن أحد الأثرياء اليهود ،ويدعي أديسون، قد دفع مبلغًا ماليًا للرئيس الأمريكي دونالد ترامب من أجل الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ، ومن ثم البدء في إجراءات نقل السفارة الأمريكية هناك من تل أبيب إلى مدينة القدس. ومن جانبه، يقول الأمين العام المساعد السابق للبرلمان العربي ،طلعت حامد، إن الدور اليهودي في أمريكا قائمٌ على اللوبي اليهودي، وهو لوبي قوي لصالح الصهيونية العالمية، ودور منظمة أيباك فيها قويٌ، فرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حينما يقوم بزيارةٍ للولايات المتحدة أول شيءٍ يفعله هو زيارة هذه المنظمة. ويضيف حامد أن ترامب أتى بقرار نقل مقر السفارة بناءً على تلك الضغوطات اليهودية الممارسة في الولاياتالمتحدة، فقد اتخذ قرارًا لجأ رؤساء أمريكا السابقون له لتجنبه، وهو بذلك ينسف عملية السلام التي كان ينوي تحقيقها من أساسها. شواهد تقرب ترامب لليهود قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كان مفاجئًا بعض الشيء في ظل تكهناتٍ مسبقةٍ لتأجيله نقل السفارة ستة أشهر أخرى مثلما فعل في الفاتح من شهر يونيو الماضي، إلا أن الرئيس الأمريكي خالف بعضًا من هذه التوقعات، بيد أن السفير حسين هريدي يخالف تلك الترجيحات. حسين هريدي يعتبر قرار ترامب بنقل سفارة الولاياتالمتحدة لدى إسرائيل من تل أبيب إلى القدس ليس مفاجئًا، بغض النظر عن الترجيحات المسبقة التي كانت تتوقع تأجيله قرار نقل السفارة. وأكد هريدي، في تصريحات خاصة أدلاها ل "أخبار اليوم" أنه كانت هناك شواهدٌ على ذلك، فترامب أول رئيس أمريكي يزور حائط البراق اليهودي، إضافةً إلى تعينيه صهره اليهودي جاريد كوشنر ،المؤيد لعملية الاستيطان التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلي، مبعوثه الخاص الذي يتولى المفاوضات حول عملية السلام بين الفلسطينيين و الإسرائيليين. وأمضى الدبلوماسي المصري السابق قائلًا إن ترامب بهذه الخطوة سيكون قد نفذ وعدًا انتخابيًا قطعه على نفسه، في ظل ظروف صعبة تعيشها إدارته في الولاياتالمتحدة جراء التحقيقات الجارية حول تورط أعضاء بحملته الانتخابية في عملية التواطؤ مع روسيا أثناء الانتخابات الرئاسية السابقة. ورأى مساعد وزير الخارجية الأسبق إلى أن ترامب كان يريد أن يبيع للعرب صفقة القرن، لكن هذه الصفقة الآن لن تخرج عن سلام اقتصادي، و إنشاء محور ضد إيران و حزب الله و حركة حماس، معتبرًا أن المحور الذي يجمع الرئيس الأمريكي برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية. وعلى جانبٍ آخر، يرى الأمين العام المساعد السابق للبرلمان العربي ،طلعت حامد، أن منظور نقل السفارة الأمريكية أبعد بكثير من مجرد خطوة رمزية قام بها الرئيس الأمريكي، متساءلًا عن سبب أن يكون هذا الإجراء في هذا التوقيت بالتحديد بعد أقل من يومين من مقتل الرئيس اليمني علي عبد الله صالح، وبعد أيامٍ من إعلان القضاء على تنظيم ما يُعرف بالدولة الإسلامية "داعش" بسوريا والعراق. ولم يستبعد حامد من أن تكون هناك مؤامرةً تحاك ضد مصر، في ظل أحاديث عن إمكانية توطين الفلسطينيين بسيناء، مؤكدًا أن الواقع المرير يحتم علينا أن ننتبه لتلك المخططات الأمريكية، مشيرًا إلى أن هذا القرار يظهر لنا كعربٍ ومسلمين أن الإدارة الأمريكية تحابي إسرائيل على حساب الدول العربية. مسلسلٌ لا ينتهي من التدخلات اليهودية في صناعة القرار السياسي في البيت الأبيض يدفع ثمنه شعبٌ آخر، وأرضٌ لا تزال تعيش الأمرين على مدار مائة عام حصرت بينهما وعدين ينالان من عروبتها، أولهما من بلفور وثانيهما من ترامب.