ما أعجب ما يجرى على أرضك يا غالية يا بلدى مما يصيب قلوب المخلصين من أبنائك بالوجع والنزيف لكثرة المتناقضات، فكلما أتت نسمة أمل تبشر بالاستقرار إلا وتلاحقها عواصف التشكيك والسخرية والانتقاص من الآخر فى محاولة إلى التقليل منه أو إقصائه، تأملوا معى ما يحدث بالمحروسة الآن: 1- كم كانت فرحة الناس بقرارات الرئيس الدكتور مرسى فى ليلة القدر التى أكدت مدنية الدولة، وصححت الكثير من الأوضاع التى يراهن عليها فلول النظام السابق والصائدون فى الماء العكر والباحثون عن مغنم، وكان أولى بأولئك الالتفاف حول الرئيس لتوحيد الجهود والمرور من تلك المرحلة الخانقة التى نمر بها، وببساطة فالمتابع لفضائيات وبرامج توك شو الساحة الآن لا يجد فيها إلا التصيد والعمل بالمثل الشعبى "حبيبك يمضغ لك الزلط وعدوك يتمنى لك الغلط"، أولاً يعلم هؤلاء أن مصر تحتاج الجميع وتحتاج التآلف بدل الشقاق. 2- تتردد الآن بكثرة مريبة حقًا دعوات عدم إشراك الدين بالسياسة، وعدم استخدام دور العبادة للترويج لما هو سياسى، وأصبحت المقولة لبانة يمضغها المتنافسون السياسيون ومعهم مقدمو البرامج، فإذا ثبت هذا الفعل من على منبر أحد المساجد فقد أزفت الآزفة وليس لها من دون الله كاشفة، بينما نرى فرقاء من عينة السيد حمدين أو السيد حمزاوى ومن يطلق عليه أبو حامد وغيرهم تنطلق تصريحاتهم السياسية ونقدهم للسلطة المنتخبة فى بلادهم خلال زياراتهم للكنائس لنيل الرضا، والحصول على أصوات الأقباط الذين تتحكم الكنيسة فى توجهاتهم، ومع ذلك لم نر أى منصف منهم يفسر لنا ماذا نطلق على تلك الدعوات والتعهدات التى تطلق من داخل الكنائس إن لم تكن تلاعبًا بالدين والسياسة معًا. 3- نفس التساؤل يصيبنا بحيرة بالغة حين نتأمل الطريقة التى تم بها اختيار مجلس حقوق الإنسان والمجلس الأعلى للصحافة حيث تمت بمنطق التوافقات والاسترضاءات، ومنطق لابد من فلان لأنه منا بغض النظر عن مدى خبرته فى هذا الشأن أو اطلاعه على مجريات الأمور فى المنصب المرشح له بالرغم من حساسيته، وهى سقطة كبيرة للإخوان لم يكن يجب أن يسقطوا فيها، فمثل هذين المجلسين كان يجب أن يعتمد الترشيح لهما بناء على سابق الخبرة والممارسة فى هذا المجال بغض النظر عن الانتماء الحزبى أو الدينى بدءًا من رئاستهما إلى كل أعضائها، وصولاً إلى أن يكون كل منهما كيانًا قويًا مستقلاً فى قراراته، وستكون هذه القوة والاستقلالية فخرًا للإخوان أولاً ثم لنا جميعًا، ولو تم هذا الاختيار بهذه الطريقة العلمية ربما ساهم بقوة فى نزع أنياب التشكيك التى ما زال البعض يهدد بها وأشاعت جوًا أكثر احترافية وعدالة وطمأنة للجميع، فى وقت نحن أحوج ما نكون فيه إلى التوحد والسكينة لمواجهة تلك المرحلة الصعبة علينا جميعًا. 4- أن يستنكر أحد أو جماعة إشراك الدين فى السياسة فهذا جيد، ولكن أن يشعر الناس أن المقصود بالعبارة هو عدم إشراك الدين المقصود به فقط الإسلام وليس غيره، فالمتتبع للتصريحات والمقالات التى تتناثر حولنا من كره وتخويف من الدولة الدينية تشعرنا أن هذه المقولات رخيصة وكاذبة وأن المقصود بها التخويف من دولة إسلامية ولحساسية الناس لدينهم توهم البعض بأنه يمكن الالتفاف على ذلك بالتخويف من الدولة الدينية لاستحالة التصريح بالوقوف فى وجه الدولة الإسلامية التى تعنى فى أصلها منذ أسسها سيد الخلق عليه الصلاة والسلام أنها دولة مدنية، ولا ينسى هؤلاء المتحزلقون أن الدين الإسلامى هو الدين الوحيد الذى ليس به عصمة لبشر سوى المعصوم عليه الصلاة والسلام، وبالتالى ليس فيه رجل دين نقدسه كما فى الديانات الأخرى فلماذا إذًا التخويف من دولة مدنية فى أصلها؟، وما استجلاب التجربة الإيرانية للتدليل على فشل الدولة الدينية إلا من قبيل التلاعب الخبيث لأن مذهب الأمة المصرية هو مذهب أهل السنة والجماعة ولا عصمة فيه لبشر أو مرشد أو غيره وإنما مذهبنا أشقاء متساوون نتواصى بالحق ونتواصى بالصبر. 5- مقولة عقلانية يجب التحرك فى اتجاهها لرفع الحرج عن السيد الرئيس أولاً، وإعلاءً لقيمة الشفافية ثانيًا، وهى القيمة التى نصرخ جميعًا للمطالبة بها فحرى أن نبدأ بأنفسنا وحرى بجماعة الإخوان أن تبدأ وفورًا فى اتخاذ إجراءات فورية لإشهارها رسميًا والإعلان عن كل إيراداتها ومصروفاتها وإعلان موقف واضح من العلاقة بينها وبين حزب الحرية والعدالة، فقد انتهى العصر الذى كان يضيق فيه عليها وتخشى من الإعلان عن مصادرها، ولتبدأ الآن لتكون القدوة وحتى يصدر قانونًا مصريًا يعيد للبلاد سيادتها وتكون كل الجمعيات على أرضها قانونية معلومة مصادر تمويلها ومصروفاتها من إخوان مسلمين إلى كنيسة وغيرها من الجماعات المتواجدة على أرض مصر أسوة بالمتبع مع الأزهر الشريف، فلن تتحرر إرادة المصريين إلا بشعورهم بالانتماء إلى دولة مدنية قوية عادلة مصوغ كل فرد على أرضها أنه مصرى بغض النظر عن ديانته أو انتمائه السياسى، وأملنا فى السيد الرئيس مبشر فى نشر ربوع العدل فى أرجاء بلدنا التى تستحق ذلك بالتأكيد. أسأل الله لمصر الفلاح.. وللمصريين التوحد على قلب رجل واحد. تحياتى درويش عز الدين