عانى باب الرحمة في القدس من الكثير من الاعتداءات من قبل قوات الاحتلال ، ولا يعرف الكثيرين القيمة التاريخية لهذا الباب في الأديان الثلاثة، ويتناول هذا التقرير معلومات عنه وعن مكانته. بعد إغلاقه لستة عشر عاماً أعاد نشطاء فلسطينون وقيادات دينية فتح مصلى "الرحمة" الذي أغلقته السلطات الإسرائيلية عام 2003 بأمر قضائي بسبب استخدامه من قبل "لجنة التراث" التي اتهمتها إسرائيل بالتبعية لحركة حماس. وتحمّل وسائل الإعلام الإسرائيلية الحركة الإسلامية الجنوبية وجمعية الأقصى وجهات أخرى، مسؤولية التصعيد الأخير في القدس بالتعاون مع دائرة الأوقاف. ورد مجلس الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية، والهيئة الإسلامية العليا، ودار الإفتاء الفلسطينية، ودائرة الأوقاف الإسلامية على ذلك عبر بيان مشترك جاء فيه بأن "على الإحتلال أن يوقف الادّعاءات التضليلية بأن هناك منظمة إرهابية تدعى لجنة تراث المسجد الأقصى وتستخدم مبنى باب الرحمة كمكاتب لها، علما بأن الجميع يعلم بأن باب الرحمة مغلق منذ عام 2003 وتم حل اللجنة منذ ذلك الوقت". ومنذ إعادة فتح المصلى أبعدت الشرطة الإسرائيلية كل من يحاول الصلاة فيه عن الحرم الشريف وعلى رأس المبعدين الشيخ عبد العظيم سلهب رئيس مجلس الأوقاف وأكثر من مئة ذ40 شخصية منهم أعضاء في مجلس الأوقاف الى جانب نشطاء وحراس الأقصى العاملين لدى الأوقاف بسبب فتحهم للمسجد. الصراع حول منطقة "باب الرحمة" يتهم الفلسطينيون والوقف الإسلامي الحكومة الإسرائيلية بتصعيد تدخلها في شؤون الأقصى خاصة بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب القدس عاصمة لإسرائيل ومنها منع وعرقلة ترميم وتحسين البيت الداخلي وإغلاق القاعات الأثرية الكبيرة الملاصقة للباب. أما خارج الباب فقد شهدت المنطقة ومقبرة باب الرحمة المحيطة به تزايداً في أعداد اليهود المتشددين الذين قاموا بالصلاة عند البوابة. وتظهر تسجيلات مصورة تمائم في أوراق بين ثقوب السور المحاذي وهي الطقوس التي يؤديها اليهود عادة عند الحائط الغربي أو حائط البراق. كما نشرت "مجموعة الهيكل" العديد من الدعوات للطواف حول أبواب الأقصى وقد طبعت فوق صورة لباب الرحمة الذي يؤمنون بأنه كان أحد مداخل الهيكل. موقع مصلى "الرحمة" ومكانته يقع مصلى الرحمة داخل باحات الحرم وهو عبارة عن مبنى مرتفع يتم الوصول إليه عبر درج طويل من داخل المسجد الأقصى وهو المدخل الداخلي لبوابتي الرحمة جنوباً والتوبة شمالاً المغلقتين منذ قرون، وتشكلان بوابة تقع في بطن السور الشرقي للمسجد الأقصى أي أنها واحدة من بوابتين اثنتين فقط كانتا تستخدمان للوصول إلى المدينة من هذا الجانب الذي يوصل إلى باحات الحرم الشريف مباشرة من خارج أسوار المدينة وتبلغ إرتفاعها 11.5 م أما تاريخ بناء المصلى فمختلف عليه ولا يُسمح بأي عمل أثري في حجرته الداخلية، لكن معظم الآراء تشير إلى أنه بني في أواخر المرحلة البيزنطية أو أوائل المرحلة الأموية وتوافد المسلمون على هذا الباب باعتباره أقيم على باب "الجنة" مجازاً. يرجع المسلمون عموماً بناء الباب إلى العصر الأموي، كما يربطه بعض علماء المسلمين بسورة الحديد: "فضُرِبَ بينهم بسورٍ له بابٌ باب باطنُه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب". كما يشير كثير من علماء التفسير إلى أن المسلمين توافدوا دائما على هذا الباب باعتباره أقيم على باب "الجنة" مجازاً. يعتقد اليهود بأن المسيح المنتظر سيدخل من باب "الرحمة" وأنه كان المدخل الرئيس للهيكل. ويعرف الموقع باسم باب الرحمة أيضا في العقيدة اليهودية، وهناك اعتقاد بأنه خلال فترة الهيكل الأول (586 قبل الميلاد) كان المدخل الرئيسي لمنطقة الهيكل من الجهة الشرقية. كما يعتقد اليهود بأن المسيح المنتظر سيدخل منه إذ لا يؤمن اليهود بأن المسيح قد جاء منه. وهناك روايات تتحدث عن صلاة اليهود في العصور الوسطى عند البوابة طلبا للرحمة عندما لم يسمح لهم الصليبيون بالدخول إلى المدينة حيث يقع الحائط الغربي، ولهذا سمي بباب الرحمة. يعتقد المسيحيون بأنه المكان الذي دخل منه المسيح عندما جاء إلى القدس، ويحتفل بذلك في عيد "أحد الشعانين". ويطلق المسيحيون عليه اسم الباب الذهبي ويؤمنون بأن المسيح سيدخل منه في آخر الزمان ولا تختلف معتقداتهم كثيراً عن اليهود في ما يتعلق بباب الرحمة، ولكن نقطة الاختلاف الجوهرية بينهم وبين اليهود هي أنهم يعتبرون أن المسيح ظهر بالفعل، وأنه قتل صلباً وأنه سيعود في آخر الزمان للمرة الثانية. لمحة تاريخية يعتقد بعض المؤرخين بأن صلاح الدين الأيوبي هو الذي أغلق باب الرحمة إما دفاعاً عن المسجد أو لإجبار المصلين على المرور عبر أسواق القدس قبل الدخول إلى المسجد الأقصى وفي روايات أخرى يقال بأن الخليفة عمر بن الخطاب هو الذي أمر بإغلاقه. أما البناء الحالي للمصلى، فيقول باحثون أن الذي أمر ببنائه هو مروان بن عبد الملك ثم جُدد في عهد صلاح الدين الأيوبي. ويرى مؤرخون آخرون بأنه جرى إغلاقه على مراحل بدأت في الفترة العباسية أو الفاطمية حيث أوصدت الأبواب وتم تحويل بيت الباب الداخلي الى مصلى تجسيدا لآية قرآنية بأن إغلاق الباب سيفصل بين الجنة والنار حيث كسي الباب من الخارج بصفائح حديدية كناية عن الظلام وكسي من الداخل بصفائح نحاس صفراء كناية عن النور. وقام العثمانيون بإغلاقه بالحجر بسبب مخاوف الناس آنذاك من أن الفرنجة سيعودون ويحتلون القدس من خلال هذه البوابة في المنطقة الشرقية من المدينة. يذكر أن هذا الباب قد تعرض للتدمير في معظم الحروب وأعيد ترميمه، ودخل منه هرقل بعد انتصاره على الفرس عام 628.