في سباق مع الزمن يحاول مجلس الشورى أن ينجز هيكلة عدد من المؤسسات المرتبطة به وبسرعة فائقة وقبل أن تصدر المحكمة الدستورية حكمها المنتظر بحل المجلس ، لأن ما ينطبق عليه ينطبق بالكامل وحرفيا على انتخابات الشورى ، فمن تحصيل الحاصل معرفة حكم المحكمة مسبقا ، وأمس قام المجلس الذي يمثل الإخوان المسلمون غالبيته وقيادته بإنجاز حزمة تغييرات مهمة جدا ، مثل تغيير رؤساء مجالس إدارات الصحف القومية ، وتشكيل المجلس القومي لحقوق الإنسان وتشكيل المجلس الأعلى للصحافة ، ولم يخل تشكيل هذه المجالس كلها من اعتراضات وتحفظات ، بعضها له وجاهة فعلا ، وأنا من حيث المبدأ أرى ضرورة التغيير ، وأن التشكيلات التي كانت قائمة في عصر المخلوع لا ينبغي لها تحت أي معنى أن تستمر ، ولا يمكن أن تكون المجالس التي كانت تدير المؤسسات الصحفية القومية مثلا في عصر مبارك هي ذاتها التي تدير المؤسسات في عصر الثورة ، ولكني لا أخفي تضامني مع بعض التحفظات على الاستعجال في التشكيل وربما المجاملات الواضحة والتي تضر أكثر مما تنفع ، وتعطي مؤشرا سلبيا في المستقبل عن طريقة إدارة الدولة وتوزيع المسؤوليات والمهام فيها ، وإذا كان القانون الحالي يعطي مجلس الشورى الحق في تشكيل تلك المجالس فإن المنطقي أن تكون هناك معايير معروفة ومعلنة للاختيار ، حتى يطمئن الناس إلى أن الاختيار كان للكفاءات وأهل الاختصاص فعلا وليس المجاملات أو الهيمنة المقصودة لتدجين تلك المؤسسات ، أنا لا أتصور مثلا في تشكيل المجلس الأعلى للصحافة أن يتم اختيار "ناجي الشهابي" من بين كل خبراء المهنة أو المشتغلين بها أو حتى الشخصيات السياسية المحترمة ، ما هو تاريخ ناجي الشهابي المشرف والعطر الذي جعل الإخوان المسلمين يختارونه من بين الآلاف لكي يكون عضوا في المجلس الأعلى للصحافة ، رقيبا وحكيما وأمينا على أعلى سلطة إعلامية حقيقية على الصحافة والصحفيين ، والإخوان وكل القوى السياسية تعرف تاريخ الشهابي وعلاقاته بأجهزة مبارك والدور الذي كان يؤديه منذ كان في حزب العمل ، أعتقد أن الرأي العام من حقه أن يعرف ، لا أعرف أيضا ما هي المعايير التي تم على أساسها اختيار الصحفي "خالد صلاح" رئيس تحرير صحيفة "اليوم السابع" عضوا في المجلس الأعلى للصحافة من بين آلاف الصحفيين أو رؤساء تحرير الصحف الحزبية أو المستقلة ، على الرغم من الجدل الشهير حول تلك الصحيفة والقائمين عليها وهو حديث لا يخفى على الإخوان قادة وقواعد ، أليس من حق الرأي العام أن يعرف حيثيات تميز وحكمة ونزاهة وشفافية وكفاءة "خالد" لكي يتم تفضيله على مئات أو آلاف غيره من الصحفيين ورؤساء تحرير الصحف ، أتصور أيضا أن اختيار الشاب "نادر بكار" القيادي بحزب النور عضوا في المجلس وهو الذي لا صلة له بالصحافة من بابه ، أتصور أنه يدخل في باب المجاملات الصريحة والفجة ، وربما لذلك السبب توقف عند اسمه كل من علق على تلك الاختيارات أمس مبديا دهشته الشديدة ، وأظن أن الاختيار أحرج نادر نفسه وسيسبب له متاعب أخلاقية ، أيضا لم يكن من المناسب الزج بكل هذا العدد من الأسماء من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين في تشكيل المجلس سواء كانوا زملاء صحفيين أو سياسيين ، فالملاءمة في تلك الفترة المبكرة تقتضي الحذر والتعامل بحكمة وعدم إعطاء الانطباع بحضور شهوة الهيمنة على مؤسسات الدولة ، أعتقد أن الاستعجال أيضا تسبب في لغط حول تشكيل المجلس القومي لحقوق الإنسان ، خاصة استبعاد المستشار المهدي في اللحظات الأخيرة من رئاسة المجلس ومحاولة تبرير الأمر بأن وراءه مسؤوليات أخرى ، رغم أن المستشار الغرياني وراءه مسؤوليات أعظم ، كذلك عدد كبير من أعضاء المجلس الذين تم اختيارهم هم من المعادين لحرية الرأي والتعبير ومشهور عنهم مواقفهم ، وبعضهم متورطون في رفع قضايا ضد إعلاميين وصحفيين لسجنهم وإسكاتهم ، كما أن عددا منهم لا معنى لوجودهم سوى أنهم أعضاء في جماعة الإخوان ، كذلك تعمد تجاهل ترشيحات حركات إسلامية كبيرة وقفت بكل نبل بجوار الإخوان وعانت الكثير على المستوى الحقوقي طوال عصر مبارك من أجل إتاحة الفرصة لترشيحات شيوعيين وعلمانيين متطرفين ، أتصور أن الاستعجال كان وراء هذا الارتباك والاختيارات التي بدت مقلقة للرأي العام ، وفي كل الأحوال معظم هذه الهياكل لم يعد لها وجود حقيقي في المرحلة الراهنة ، ويحتاج الأمر إلى إعادة نظر جذرية في هيكلة كل ما يتعلق بالإعلام والصحافة وحقوق الإنسان وفق المبادئ والأشواق التي ولدتها ثورة يناير .