من أهم أهداف ثورة25 يناير تطوير المؤسسات الصحفية؛ وإعادة هيكلتها ووضع المعايير والضوابط لاختيار قياداتها؛ على أساس الكفاءة والنزاهة والحيادية؛ خاصة أن هذه المؤسسات المملوكة للشعب ينبغى عليها أن تعمل لصالحه؛ بعد أن كانت تعمل لحساب الحكومة وحزب الأغلبية؛ ولكن يبدو أن الأمر لم يتغير كثيرا بعد الانتخابات البرلمانية الجديدة التى حل فيها حزب الحرية والعدالة محل الحزب الوطنى؛ كما يبدو أن الحزب الجديد حل محل القديم فى الأماكن والأفكار فلم نجد تغييرا حقيقيا إلا فى الأشخاص؛ ويبدو أيضا أن المؤسسات الصحفية لن تخرج من كبوتها وخضوعها لسيطرة أحزاب الأغلبية عليها إلا بوقفة جادة من أبنائها الذين يعانون الكثير من المشاكل التى بسببها ضاعت المهنية واختفت؛ ومن حزب إلى حزب يا «صحافة لا تحزنى». ورفضت رموز وقيادات العمل الصحفى تقرير مجلس الشورى حول آليات اختيار رؤساء تحرير وآليات الترشيح التى تضمنها هذا التقرير.
∎ (حقل ألغام)
الكاتب الصحفى مكرم محمد أحمد نقيب الصحفيين السابق يرى أنه ليس صحيحا أن مجلس الشورى هو الذى كان يقوم بتعيين رؤساء التحرير، مؤكدا أن شخصا واحدا هو الذى كان ينهض بهذه المهمة هو الرئيس السابق حسنى مبارك.
وأضاف مكرم إن حزب الحرية والعدالة بات موجودا على الساحة المصرية ولا يمكن تجاهله، وهو يسعى الآن لما كان يقوم به مبارك؛ وأبدى النقيب السابق سخريته من المشروع الذى قدمه المجلس واعتبر أنه يعكس حرص تيار بعينه هو «جماعة الإخوان» للهيمنة على الصحف.
وأضاف إن ملف الصحافة القومية ملف شائك، وبدخول حزب الحرية والعدالة لمناقشة هذا الملف فى هذا الوقت بالذات فإنها بذلك تدخل حقل ألغام خطير؛ واعترف بأن الصحافة القومية فى حاجة إلى دراسة وإعادة نظر، لأن هناك مشاكل ضخمة ومتراكمة داخل المؤسسات القومية أهمها غياب الهياكل المالية الصحيحة، والمديونيات المتراكمة على جميع المؤسسات، سواء مؤسسات الشمال والتى يقال عنها المؤسسات الغنية، أو مؤسسات الجنوب التى يقصد بها المؤسسات الفقيرة، وهذه الهياكل تختلف من مؤسسة لأخرى؛ وبالرغم من محاولات وضع الحلول لمعالجة هذه المشاكل إلا أن أغلب هذه المعالجات كانت معالجات سطحية وغير كافية ولم تصل إلى الجذور الحقيقية للمشكلة.
وأعلن نقيب الصحفيين السابق اندهاشه من إصرار حزب الحرية والعدالة على الاقتراب من هذه الملف برغم صعوبته فى هذا التوقيت بالذات الذى لا يملك فيه الحزب رؤية متكاملة لحل المشكلة، وقال أخشى أن يستشعر حزب الحرية والعدالة بأن أصدقاءه فى الصحافة القومية قليلون ولذا يريد تغيير هذا الوضع، وهذا معناه خطير جدا، وإما أنه يُقدم على مشكلة ضخمة دون أن يدرس كل أبعادها، وهذا أخطر؛ وبالنسبة لما يثار حول وجود فساد ضخم فى هذه الصحف، قال مكرم إنه لم يتم حتى الآن تقديم شخص واحد للمحاكمة، وهذا ليس معناه عدم وجود فساد، لكنه لم يكن أخطر صور الفساد، حيث كان هناك تحالف بين السلطة والثروة، وكان القطاع العام يكاد يكون منهوبا؛ وأضاف أن الصحف القومية كانت خاضعة لتأثيرات حكومية، وكانت صبغتها الأساسية صبغة حكومية، وكان هدفها إرضاء الرئيس فقط، ولكن مع ظهور الصحف الخاصة والمعارضة لمحنا تقدماً فى الصحف القومية، لأن وجود مساحة من الحرية للصحف الخاصة وصحف المعارضة ساعد على زيادة مساحة الحرية الممنوحة للصحف القومية، والتى سعت بكل قوة لأن تصبح صحفاً قومية بالفعل.
وأضاف إننا ننتظر من مجلس الشورى باعتباره المالك للمؤسسات الصحفية القومية، وضع التشريعات التى من شأنها دعم حرية الصحافة والإعلام.
∎المعايير المهنية
فى حين أكد الكاتب الصحفى صلاح منتصر وكيل المجلس الأعلى للصحافة أن أعضاء الشورى لا يعرفون طبيعة العمل الصحفى؛ مؤكدا أنه ستحدث فتنة وفوضى جراء هذا التدخل؛ وأوضح أن هناك تخوفا من استخدام هذه المعايير لسيطرة التيار الإسلامى على المؤسسات الصحفية.
وطالب منتصر ببحث علاقة الملكية؛ والوضع الاقتصادى للمؤسسات؛ وفى ذات الوقت رفض وكيل المجلس الأعلى للصحافة مبدأ الانتخاب لما فيه من تشتيت للمؤسسات والصحفيين؛ وقال لا يمكن اعتبار مقياس الأقدمية هو عامل الترجيح فى الاختيار، لأن الصحافة تعتمد على الموهبة وتصقل بالدراسة، واقترح أن يقوم الصحفيون بتسمية أكثر من اسم داخل المؤسسة على أن يتم إرسالها للجهة المكلفة بالاختيار، بالإضافة إلى إمكان تكوين لجنة من الحكماء المنتمين للجيل القديم لاختيار أو ترشيح عدد من الأسماء.. كما طالب بأن تكون الأولوية لأبناء الصحيفة لما فى ذلك من ترابط، ودعا منتصر رؤساء التحرير الحاليين بضرورة تكوين صفوف ثانية وثالثة؛ وانتقد منتصر طول فترة تولى رئاسة التحرير التى كانت مستمرة منذ النظام السابق، وعن ماهية المعايير قال هى «الكفاءة والنزاهة والشخصية القيادية».
∎ موازنات سياسية
وقال الكاتب الصحفى صلاح عيسى أمين عام مساعد المجلس الأعلى للصحافة هناك عدة نقاط جوهرية ينبغى على مجلس الشورى أخذها فى الاعتبار والعمل على تطويرها؛ حتى نشعر بالتطور الحقيقى داخل المؤسسات الصحفية القومية؛ وحتى تكون قادرة على المنافسة؛ إحدى هذه النقاط؛ الالتزام بالمواعيد التى يحددها القانون لإجراء حركة التغييرات الصحفية؛ وذلك بعد ثلاث سنوات؛ حتى لا يعود إجراء هذه التغييرات طبقا للموازنات السياسية ووقت أن يرغب رئيس مجلس الشورى الذى يمثل رئيسا للأغلبية فى المجلس؛ وثانيهما وضع معايير موضعية ومهنية يتم على أساسها اختيار رؤساء تحرير الصحف؛ وذلك بعيدا عن آلية الانتخاب لأن انتخاب رؤساء تحرير الصحف يعد مهزلة بكل المقايس المهنية؛ كما أنه لن ينتج رئيسا للتحرير متميزا فى الكثير من الحالات؛ وقال مبدأ الانتخاب، جائز فى تمثيل الأحزاب السياسية والنقابات وليس لإدارة صحف. وأضاف عيسى ما يحدث حاليا داخل مجلس الشورى تصرفات خاطئة حيث كان الأولى بالمجلس الموقر حاليا وضع تصور لكيفية التصرف فى الإمبراطورية الصحفية التى تملكها الدولة وتحديد شكل ملكية الصحف؛ وهل ستظل هذه الصحف مملوكة لمجلس الشورى؟؛ أم ستنتقل ملكيتها لمجلس قومى للإعلام؟ أم ستتحول لشركات مساهمة تملك الدولة معظم أسهمها؟؛ وقال كنت أتمنى أن يتم التوافق على هذه الصيغة أولا؛ ثم بعد الاتفاق يقوم المالك بوضع معايير الاختيار؛ وأوضح أن التفكير فى إجراء حركة تغييرات؛ وتجاهل رؤساء الصحف الحاليين الذين لم يكمل بعضهم مدته التى حددها القانون بثلاث سنوات؛ هذا الأمر يخلق شكوكا فى أن حزب الحرية والعدالة الذى يحوز الأغلبية سيُبقى على الصيغة الحالية للصحف؛ وهى ملكية الشورى للمؤسسات الصحفية؛ ويقوم هو بتعيين رؤساء مجالس الإدارات ورؤساء التحرير؛ كما فتح الباب لشكوك مثل أن الحزب يسعى للهيمنة والسيطرة على المؤسسات القومية من خلال الاحتفاظ بسلطة التعيين فيها. .واستطرد قائلا «أخشى أن يقوم حزب الحرية والعدالة بالسيطرة على الصحف القومية ويقوم بتخريبها مثلما كان يفعل الحزب الوطنى، ومن كان يتصدى لهم كانوا يقولون نحن حزب الأغلبية ونفعل ما نشاء؛ مؤكدا أن المعايير التى وضعها مجلس الشورى ناقصة وتنم عن عدم إلمام أعضاء المجلس بقواعد المهنة؛ كما ذكر عيسى أن التقرير يحتوى على بعض الأمور التى ينص عليها فى ميثاق الشرف الصحفى؛ ومن ثم لم نكن فى حاجة لتكرارها مرة أخرى فى مثل هذا التقرير، وأوضح أن تشكيل اللجنة المختصة باختيار رؤساء التحرير لا يغلب عليها الطابع المهنى أو الصحفى وهو ما يعنى أن الاختيار سيكون من مجلس الشورى ولعل أغلب نوابه لا يعرفون طبيعة العمل الصحفى؛ وأشار إلى أن وجود النقيب بين أعضاء اللجنة وهو يخوض انتخابات وله أنصاره ومعارضوه؛ قد يضعه فى حرج مع الصحفيين؛ ولذا كان الأولى أن يكون باللجنة النقيب السابق؛ أو أقدم عضو فى لجنة القيد.
∎ التقييم
أما الدكتورة ليلى عبدالمجيد الأستاذ بكلية الإعلام جامعة القاهرة فقد انتقدت المعايير التى وضعها المجلس، مؤكدة أنها بلا آلية لقياس كيفية تحديدها؛ وأنها بلا مؤشرات لقياسها وتساءلت كيف تقاس الكفاءة وهى غير محددة، وأضافت إنه من المهم أن تكون هناك معايير معلنة وشفافة ودقيقة ومحددة لكل من يرغب فى العمل بالمجال الصحفى حتى لا يكون ذلك خاضعا للأهواء الشخصية.
وأضافت إن تقييم الصحفى ينبغى أن يبدأ منذ بداية عمله الصحفى لا وقت أن يصل لرئاسة التحرير؛ لو تم اتباع هذا النظام لن نجد صحفيا غير مهنى؛ ومن ثم يصبح التقييم مستمرا، وعند اختياره لرئاسة التحرير ستكون الجماعة الصحفية داخل المؤسسة التى ينتمى إليها متوافقة عليه وهذا سيحل مشكلة اختيار القيادة.
وتساءلت لماذا يوجد عضو إدارى واقتصادى فى اللجنة المشكلة لاختيار رئيس التحرير؛ قد يكون هذا ملائما فى اختيار رئيس مجلس الإدارة؛ وقالت كان يفترض طرح هذه المعايير على المؤسسات لمعرفة آرائهم فيها؛ ومن ثم يتم تحديد المعايير المتفق عليها وتطوير المعايير الأخرى، بدلا من طرحها بهذا الشكل المهين وكأنه أمر واقع ومفروض على الجماعة الصحفية.
وتساءلت أيضا عن وجه الاستعجال فى التغييرات الصحفية قائلة نحن فى انتظار عمل دستور جديد، قد يتغير الأمر كاملا بعده ، وقد يتغير نمط الملكية نفسه، ولذا كان من الأولى أن يستمر الأمر كما هو عليه فى هذه الفترة الانتقالية وإعادة النظر فى القوانين التى تحدد نمط الملكية، وبناءً على ذلك يكون لدينا هيئة أو مؤسسة أو شركة مساهمة تتبعها الصحف، ومن ثم تقوم الجمعية العمومية باختيار رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير؛ ولا يكون الأمر متروكا لجماعة أو مجلس عمله أبعد ما يكون عن العمل الصحفى.
وفى النهاية أوضحت أن الأمر يحتاج إلى دراسة أكثر حتى تكون معايير الاختيار أفضل؛ بعد أن كان الاختيار عن طريق مجلس الشورى ووفقا للولاء السياسى.