السؤال الذي بات مطروحاً داخل مراكز الأبحاث السياسية والاستراتيجية في الولاياتالمتحدة وأوروبا الغربية لم يعد كما كان من قبل يدور حول " هل " تتم التضحية بالأنظمة وبشكل متدرج في منطقة الشرق الأوسط ؟ بل بات السؤال " متى " وكيف سيحدث ذلك ؟ وحقيقة الأمر فالفرق كبير ، ولا يعتقد مراقب ان السلطة في مصر ترغب – أو حتى تستطيع - تجاهله، فقد تبدلت أولويات الغرب والولاياتالمتحدة إلى حد كبير فيما يخص الربط بين الاستراتيجيات في المنطقة والأنظمة " العاملة فيها - وعليها - ، ولم يعد هناك شك في أن واشنطن لن تعد ترغب في تأجيل بعض ما يجب إنجازه في منطقة الشرق الأوسط، الى ما لا نهاية وخاصة بعدما تشابكت الخيوط بشكل كبير، واتسع الملف العراقي في بعض أجزائه، وتعقدت الصورة أكثر فيما يخص طهران وسوريا . ولذا فواشنطن مضطرة قبل انتهاء ولاية الرئيس بوش لإحداث تغيير في المنطقة. ما سبق هو ملخص سريع لما طُرح في الندوة التي عقدها اتحاد الصحفيين الألمان في السابع والعشرين من أكتوبر الجاري في برلين بالمشاركة مع المعهد الأوروبي لسياسات الشرق الأوسط. تساءل المشاركون في الندوة عن جدوى و محددات الحركة الأمريكية في مصر، وهل تمتلك بالفعل إحداث تغيير نوعي في الوقت الذي تريده، أم ان التوجه الشعبي العام المعادي للولايات المتحدة يحد من قدرة الأخيرة على الفعل في مصر، بالرغم من حالة السخط الشعبي الشديد السائدة والرغبة العارمة في التغيير. اعتقد كثير من المشاركين في الندوة ان هناك ثلاث محاور محددة باتت تحكم حركة الولاياتالمتحدة في مصر. أولها - ان التغيير كضرورة – بغض النظر عن رأي السلطة في مصر في ذلك – يجب ان يتحكم في حركته عناصر غير معادية " بطبعها " للغرب، هذا اذا لم تستطع واشنطن التأثير بشكل محدد في خلق اطار يقبل العمل وفقاً للطريقة والمشورة الأمريكية، كذلك فإن واشنطن لا تستبعد على الإطلاق – بشأن ذلك – التعامل مع " الجناح " المعتدل داخل تيار الأخوان المسلمين في مصر ، في إطار التعامل مع كل القوى الليبرالية الأخرى، أي انه لا يوجد فيتو محدد على هؤلاء، وخاصة وان واشنطن تعتقد ان الإخوان المسلمين هي القوة السياسية العربية الوحيدة – وليست المصرية فقط – التي تستطيع تغيير المزاج الشعبي العدائي العام ضدها، كذلك فقد جاءت الاتصالات الاولى معها مبشرة ويمكن البناء عليها. وثاني تلك المحاور حسبما خلصت الندوة - ان واشنطن قد تكون مضطرة في لحظة ما لدعم طرف محلي لديه قدرة على الفعل والتأثير للسيطرة على مجريات الأمور في مصر ولو لفترة انتقالية ، وحتى لو أدى الأمر للتضحية بالسلطة الحالية بحلفائها الحاليين، بشكل جزئي أو حتى بشكل كامل ، وذلك لان واشنطن لن تسمح بفقدان السيطرة على ما يجري في مصر، وخاصة وان حالة الحراك السياسي سريعة في وتيرتها، ولم يعد من الممكن الاستمرار مصرياً في انتهاج نفس السياسات المستمر طيلة ربع قرن، كذلك فقد ثبت في بلدان عديدة من قبل ان المفاجأة قد تشل القدرة على الفعل الصحيح مثلما حدث في إيران في نهاية السبعينات ، ولذا – وبالرغم من ان الوضع في مصر لا يشبه ما حدث في ايران في تلك الفترة الا ان هناك قناعة في الغرب مفادها ان واشنطن تستطيع الاجابة بثقة على السؤال المتعلق بموقف الجيش في مصر، بل وربما هي الوحيدة التي تستطيع الإجابة على هذا السؤال اذا ما تعلق الأمر يتغيير هيكل يداخل السلطة يأتي بجمال مبارك . أما ثالث تلك المحاور المحددة لحركة واشنطن في مصر حسبما ارتأى المراقبون هنا ، ان التغيير في مصر من وجهة نظر واشنطن يجب ان يسبقه الاختبار العملي لقدرة السلطة على الاستمرار في الاستجابة لطلبات واشنطن، والخاصة بجانبي السياسة الخارجية والاقتصاد المصري، حيث تعتقد واشنطن ان السلطة في مصر مهيأة تماماً الآنً للعب دور " مفيد " في الملفات الفلسطينية والسورية والعراقية على السواء ، بل ولاحقاً في الملف السعودي ايضاً، حيث برهن الواقع العملي حتى الآن على ذلك ، ولهذا وبالرغم من ارتفاع بعض الأصوات داخل الإدارة الأمريكية تطالب بالتريث كيلا يُستنفذ كل ما يمكن لنظام الحكم القائم تقديمه ، إلا أن الأمر في النهاية سيحكمه التطور في مجريات الأمور ليس في مصر فقط بل وفي العراق ايضاً ولذا يعتقد الكثيرون هنا ان هناك اتفاقاً " مؤقتاً " غير مكتوب بين الإدارة الأمريكية والنظام الحاكم في مصر يقضي بضرورة تعميق الخطوات الديموقراطية – بما فيها إجراء انتخابات " مقبولة النتائج " في الغرب ، مع اتاحة الفرصة لقوى المعارضة المصرية بما فيها حركة لإخوان المسلمين للتمثيل داخل البرلمان، والاتفاق قدر الامكان مع تلك القوى على اولويات ما يجب داخليا. النقطة الأخيرة التي تعرضت لها الندوة كانت متعلقة بما يقبله الغرب في السيناريو المتعلق بجمال مبارك ، حيث تداول الكثيرون هنا معلومات مفادها ان الولاياتالمتحدة والغرب قد ابلغا جمال مبارك بأكثر من وسيلة – حتى اثناء زيارته الأخيرة في المانيا قبل عدة أشهر – ان صيغة التوريث لن تكون مقبولة على الاطلاق وان علي النظام في مصر البحث عن وسيلة أخرى، حيث لا يمانع الغرب في مجيء جمال مبارك اذا تم ذلك عبر السبل الديموقراطي، وربما هذا ما حدا بجمال مبارك للتصريح أكطثر من مرة بأنه لن تحدث عملية توريث للحكم في مصر. كذلك تسود القناعة هنا ان " التغييرات والاصلاحات " التي سيستهدفها نظام الحكم في مصر في الفترة المقبلة ستركز بالدرجة الأولى على اعادة هيكلة الحزب الوطني الديموقراطي بحيث يصبح جمال مبارك هو مرشح الحزب الأقوى وربما الوحيد في اية انتخابات قادمة، وليس فقط عقب انتهاء الولاية الحالية لحسني مبارك – بل ربما قبل ذلك لأسباب عدة ومنها وفاة الرئيس مبارك مثلاً ، او استقالته لأسباب صحية، وهو ما يرجحه الكثيرون، وخاصة بعد ان اتضح ان لجنة السياسات قد مدت اذرعها في كل الاتجاهات وفي كل المواقع من الجيش والأجهزة المختلفة، مروراً بالصحف واجهزة الاعلام وحتى النوادي الرياضية