اعتبر أحد أبرز الصحفيين، الاستاذ ياسر رزق رئيس مؤسسة أخبار اليوم، والذي يوصف دائما بأنه مقرب من الدوائر العليا، أن عام 2019 سيكون عام الإصلاح السياسي. كان واضحا أنه يتجنب الدخول في صلب الموضوع من البداية، وحتى من العنوان. في الواقع كلنا ننتظر إصلاحا سياسيا هدفه تطبيق الدستور تطبيقا دقيقا، واحترام مواد وآليات تداول السلطة التي حددها تحديدا عصريا يتوافق مع النظم الديمقراطية الحديثة. أما أن يكون هدف الإصلاح السياسي هو تعديل الدستور فلا معنى له على الإطلاق. من المقال نستنتج أن التعديل المطلوب، هو تفصيله على مقاس الرئيس الحالي بمبرر الخوف على مصير البلاد بعد عام 2022 حين تنتهي مدته الثانية والأخيرة. يقول رزق ""إذا سارت الأمور في اتجاه الاكتفاء بزيادة سنوات المدة الرئاسية - كنص انتقالي- إلى 6 سنوات، وعدم توسعة مدد الولاية عن مدتين، أو حتى إذا رُئي -وهو ما أستبعده- الإبقاء على النص الحالي، فإنني أرى أن المصلحة العليا للبلاد التي أحسبها مهددة اعتباراً من شتاء 2021/ 2022، تقتضى إضافة مادة إلى الدستور تنص على إنشاء مجلس انتقالي مدته 5 سنوات تبدأ مع انتهاء فترة رئاسة السيسي، هو مجلس حماية الدولة وأهداف الثورة". وأضاف رزق: "على أن يترأس المجلس عبدالفتاح السيسي بوصفه مؤسس نظام 30 يونيو/ حزيران ومطلق بيان الثالث من يوليو/ تموز، ويضم المجلس في عضويته الرئيسين السابق والتالي على السيسي، ورئيس مجلس النواب، ورئيس مجلس الشيوخ (إذا أنشئ المجلس)، ورئيس مجلس الوزراء، ورئيس المحكمة الدستورية العليا، والقائد العام للقوات المسلحة، ورئيس المخابرات العامة، ورؤساء المجالس المعنية بالمرأة والإعلام وحقوق الإنسان". وحدد رزق اختصاص المجلس، بقوله: "يتولى المجلس كمهمة رئيسية له اتخاذ التدابير الضرورية عند تعرض الدولة لمخاطر تستهدف تقويضها أو الخروج على مبادئ ثورة 30 يونيو/ حزيران". كان واضحا تحرجه من الطرح في هذا التوقيت الذي يسبق ذكرى ثورة 25 يناير بأكثر قليلا من 3 أسابيع، فالثورة التي تجاهلها المقال، متحدثا فقط عن ثورة 30 يونيو، كان مطلبها الأساسي الذي استجاب له الرئيس الأسبق حسني مبارك قبل تخليه عن السلطة، هو تحديد المدد الرئاسية بفترتين فقط، كل منهما أربع سنوات. ثار الشعب لأن مبارك بقي 30 سنة في الحكم تكلست فيه الدولة وشاخت أعلى مؤسسة لصناعة القرار، فلماذا نريد العودة إلى المربع الأول. المقال تجنب ذلك باقتراح أن يكون التمديد فترة انتقالية خاصة بالسيسي حتى لا نكرر تمديد السادات على دستور 1971 الذي استفاد منه مبارك، أما إذا تعذر ذلك فتشكيل مجلس برئاسته، فهل المقترح يهدف إلى رئاسة جماعية أو مجلس يشبه مجلس قيادة الثورة، تكون سلطته فوق سلطة رئيس الجمهورية الجديد المنتخب؟! المقال أثار "دوشة" في أوساط الرأي العام بسبب التوقيت غير المناسب، والاقتراحات التي تبحث عن مقاس معين. كان من الأجدى أن يستهدف الإصلاح إطلاق عمل الأحزاب السياسية وتنشيطها، ومنح الحكومة والبرلمان مهامهما الدستورية كاملة، فيصبح رئيس الحكومة مسئولا مباشرا يمنحه الدستور الحالي صلاحيات تقترب من صلاحيات رئيس الدولة، خصوصا إذا كان ممثلا لحزب الأغلبية. لا خوف على مصر في ظل مؤسسات قوية ودستور يمنح صلاحيات كبيرة للبرلمان والحكومة. الخوف فقط سيكون من ربط مصيرها بفرد واحد أيا كانت مواهبه وعبقريته وحكمته. القول بأن المصلحة العليا للبلاد مهددة اعتباراً من شتاء 2021/2022 وأن هناك جماعتين تتأهبان للانقضاض هما جماعة الإخوان وجماعة ما قبل 25 يناير، والمقصود بالأخيرة نظام مبارك، أحسبه يعبر عن فقدان الثقة في المؤسسات لصالح شخص واحد فقط مع أن المصلحة العليا لم تتهدد طوال تاريخ مصر الحديثة بغياب أي رئيس أو ملك، حتى في مرحلة عصيبة تلت هزيمة يونيو ووفاة زعيم فذ وكاريزمي وشعبي هو الرئيس جمال عبدالناصر. مقترحات تعديل الدستور من أجل التمديد أو فتح مدد الترشح هو إعادة عزف لإحياء القديم الذي خرجت غضبا عليه ثورة 25 يناير وظننا أننا تركناه إلى الأبد. السيسي يمكنه صناعة تاريخ متفرد لا ينسى إذا لم يسمح بالاقتراب من الدستور خلال فترته الثانية، ثم خرج من الحكم بانتهاء فترته الأخيرة، وبالتالي تشهد مصر أول عملية تداول سلطة دستورية منتخبة. [email protected]