من المنطقي أن تقاوم إيران محاولات الغرب حرمانها مما يحق لغيرها من الدول أن تقوم به: تخصيب اليورانيوم لأغراض سلمية. فليس من العدل كما يقول هاشمي رافسنجاني أن "70 إلى 80 في المائة من الدول المتقدمة تستخدم الطاقة النووية للتزود بالكهرباء ، في حين تُمنع إيران ، التي إكتسبت هذه التكنولوجيا وحدها ، من ذلك" ، علما بأن مخزون النفط لديها سينفذ بعد عقود قليلة. وليس من العدل عدم تمكين إيران من تكنولوجيا يمكن مستقبلا إستخدامها لردع أي أعداء محتملين عن التفكير في العدوان على إيران ، وهي محاطة بقوى نووية من جميع الاتجاهات : الهند شرقا وروسيا شمالا وإسرائيل غربا والولاياتالمتحدة حولها في العراق وأفغانستان والخليج. وليس من العدل إن تُمنع إيران من أداة محتملة للردع ، وهي الدولة الوحيدة في المنطقة التي تعرضت لعدوان بسلاح دمار شامل إبان الحرب مع العراق . إن الطرف الذي يتجاهل هذه الأمور المنطقية ويصر على حرمان إيران من حق توليد الطاقة النووية ومن حق ردع الأعداء عن العدوان عليها ، هذا الطرف المفروض أن يكون هو المتهم بالتعنت وبإضمار نيات سيئة تجاه الطرف الآخر. غير أن ما يفعله الأمريكيون بتعاون أوربي وثيق في هذا الصدد لا يختلف مع ما ارتكبوه بحق مبدأ مقاومة الإحتلال : شيطنة أصحاب الحق لتبرير العدوان عليهم. تدرك الولاياتالمتحدة أنه لاحرب بدون تمهيد لها بقرار مجلس أمن ، وأن هذا القرار يتطلب تنسيقا مع أوربا وإقناعا للصين (ربما بإلغاء حظر السلاح المفروض عليها بعد أحداث ميدان تيانانمن عام1989) وتلويحا لروسيا، في حال هددت بالفيتو، بمفاقمة مشاكلها الداخلية ، والتي عزف بوش على أوتارها خلال قمته مع بوتين في براتيسلافا منذ شهور. ويأتي تعيين المتطرف جون بولتون سفيرا في الأممالمتحدة كإشارة إلى يقين الإدارة الأمريكية على أن إحالة الملف الإيراني في وكالة الطاقة إلى مجلس الأمن صار مسألة وقت لا أكثر. غير أن أهم شرط يجب إستيفاءه، لإنجاز إحالة الملف وإصدار قرار مجلس الأمن ، هو شيطنة إيران وإظهارها في صورة الطرف المتعنت الذي يضمر نيات سيئة تهدد السلام العالمي . والمؤكد أن تصريح الرئيس الإيراني الأخير عن محو إسرائيل من الخريطة أيا كانت مبرراته سهل بكثير على الصهاينة مهمة شيطنة إيران. وكل ما نرجوه هو أن يكون أحمدي نجاد قد تعلم درسا من العاصفة التي قامت عليه ، وهو أنه لا مكان في السياسة للعواطف ولا لكشف النيات والأوراق على الملأ. يقول جوزيف يوفي أستاذ العلوم السياسية في معهد هوفر بجامعة ستانفورد (واشنطن بوست) أن "هناك أجندة مشتركة تنادي الطرفين الأمريكي والأوربي للمشاركة في وضعها. فالمصالح المشتركة كثيرة إلى درجة أنها تتوسل إلينا لأن نضمها معا في أجندة واحدة." والواضح أن الطرفين إتفقا على تغيير تكتيك " الشرطي القاسي الشرطي اللين" (الذي تناولته من قبل في واحدة من المقالات عن إيران)، حيث إتفق بوش مع قادة الترويكا (بريطانيا وألمانيا وفرنسا) على "تكتيكات تفاوض جديدة" طبقا لنيويورك تايمز تظهر من خلالها أميركا (الشرطي القاسي) وكأنها تقدم تنازلات ، بينما ترفض إيران تقديم أي شئ ذو قيمة. فقد إتسم الموقف الأمريكي الأول من إيران بالتشدد على أساس أنها تستحق العقاب ، وليس المكافأة ، على إخفاء برنامجها النووي عن الوكالة الدولية للطاقة. أما الآن فإن إدارة بوش "ستتنازل" وتقبل مشاركة الأوربيين في تقديم حوافز إقتصادية وتقنية وسياسية مقابل تخلي إيران عن برنامجها النووي بالكامل ، ووقف (وليس مجرد تعليق) تخصيب اليورانيوم . ولأنه من المنطقي أن ترفض إيران هذا العرض ، فإنها ستظهر في موقف المتعنت . أيضا ترفض إدارة بوش الإنضمام إلى المفاوضات كما يطالب الأوربيون لأن ذلك سيكون "بمثابة مكافأة لإيران على سلوكها السئ ، ولأن الكونجرس سيحتج بشدة على قبول الإدارة الجلوس مع ممثلي دولة مارقة". وهذه ورقة أخرى يمكن أن يستخدمها الأمريكيون في الوقت الملائم لتأكيد الإنطباع بأن إيران هي الطرف المذنب والمتعنت . [email protected]