كانت الشاعرة تلقى شعرها على المنصة فى أحد الأماكن الثقافية التابعة لوزارة الثقافة، سمعت صوت الأذان يأتى عبر مكبر الصوت من المسجد المجاور، فتوقفت لتردد النداء، ولكى لا يشوش صوت المؤذن على إلقائها.. باغتها صوته المتغطرس: - اقرئى ، أو انزلى ! كان المسئول عن المكان الثقافى يتصرف بصلافة وعنجهية.. يعد نفسه صاحب المكان، وليس مجرد مسئول ضمن آخرين فى وزارة تابعة للشعب المصرى الذى ينفق عليها وعلى التابعين لها.. وكان موقفه الغريب المستفز دافعًا لإثارة الحاضرين الذين استهجنوا سلوكه باستثناء صبيانه وأتباعه الحظائريين الذين دافعوا عنه واتهموا الشاعرة بأنها ليست شاعرة! دائمًا عند ما يتورطون يتهمون الآخرين بأنهم غير موهوبين وغير أدباء وغير شعراء! المسئول المذكور يرفض كل من ينتمى إلى الإسلام بل إلى أية قيمة من قيمه.. وقبل سنوات رفض أن ينشر قصيدة لشاعرة محجبة فى المجلة الثقافية التى أُقطعت له من الحظيرة الثقافية. لقد طلب من الشاعرة المحجبة أن تخلع حجابها كى ينشر لها قصيدتها.. المعيار الذى يعتمده للنشر فى مجلته ليس هو المعيار الفنى الأدبى، ولكنه معيار آخر أيديولوجى استبدادى، إنه معيار يعتمد على مدى القرب أو البعد عن الإسلام، فمن يقترب من الإسلام ليس أديبًا ولا شاعرًا، ولا مكان له فى مجلته حتى لو كان الشعب المصرى المسلم هو الذى ينفق على المجلة والعاملين فيها ومنهم حضرته.. ومن يبتعد عن الإسلام شكلاً وموضوعًا فهو الذى يفوز بالنشر فى المجلة التى تصدر فى دولة إسلامية! الإقصاء والتهميش والتعتيم نصيب الإسلاميين وغير الموالين ولو كانوا فى منزلة المتنبى والجاحظ، أما الشيوعيون والماسون واليساريون وأشباههم فهم فى أرفع مكانة عند المسئول الحظائرى، ولو كانوا لا يحسنون الإملاء والنحو والصرف والبلاغة!. ولأن المسئول الحظائرى كان شاعرًا فى مقتبل شبابه ولديه مسحة من موهبة فنية، فقد تاجر بذلك، واستثمره فى تحولاته الغريبة بل المشينة على مدى عمره الطويل، فضلاً عن إحساسه بالدونية لأنه يحمل مؤهلاً دراسيًا متواضعًا.. لقد كان فى بداية حياته ضمن الإخوان المسلمين أوائل الخمسينيات، وعندما لم يجد لديهم مبتغاه من الشهرة والكسب المادى انتقل إلى الشيوعيين، فعينوه فى صحفهم وأتاحوا له قدرًا من الشهرة المحدودة، ثم وجد أن صحفيًا مصريًا بعثيًا مشهورًا قد يحقق له مزيدًا من الشهرة والكسب المادى؛ فشد الرحال إليه، وعرف طريقه بعدئذ إلى القيادة القطرية لحزب البعث فى دمشق، وعندما تمكن صدام حسين التكريتى دعاه إليه، وكانت عطاياه مغرية، فترك صاحبنا البعث السورى، وانضم للبعث العراقى الذى أغدق عليه وعلى بعض أقاربه، ويسر له منحة علمية لزوجه لتدرس فن الطرب والسماع فى عاصمة النور فى باريس، وكان ذلك موافقًا لما جرى فى عهد السادات وهجرة الشيوعيين واليساريين وأشباههم إلى أوروبا، وكانت فرصة ذهبية لكسب المزيد من الدولارات والفرنكات والإسترلينى من خلال العمل فى صحف المهجر التى مولتها دول النفط فى الخليج والشمال الإفريقى، فضلاً عن فرصة العمل فى تعليم اللغة العربية للهواة من غير العرب فى السوربون بفرنسا، حيث يستطيع مثله ممن يحملون دبلوم المعلمين أن يعلم الأبجدية ويقرأ بعض الشعر القديم والحديث على الدارسين!. كما كانت هناك – وهذا هو الأهم - فرصة لصاحبنا أن يقوم بمهمات أمنية خاصة، وأن يزور السادات أكثر من مرة فى استراحته بالقناطر الخيرية، وأن يغضب منه بعض زملاء المهجر اليساريين الذين كانوا يطلقون على أنفسهم (الطيور المهاجرة) التى "طفشت" بسبب تضييق السادات عليهم!. عاد المذكور إلى البلاد فى أوائل عهد المخلوع ليكون واحدًا من أبرز الحظائريين فى وزارة الثقافة المعادية للإسلام والمسلمين؛ وتفتح أمامه الصحف الكبرى وصحف الضرار، بالإضافة إلى الإذاعة والتلفزة، وليكون مقربًا من الحاكم الظالم المستبد وعونًا له فى محاربة الإسلام وعلمائه، على مدى ربع قرن أو يزيد!. هذا الشخص الذى يدعى الاستنارة والديمقراطية ظهر على شاشة قناة تليفزيونية طائفية بمناسبة اختيار رؤساء تحرير الصحف القومية، فأهان اللجنة ومجلس الشورى، وراح يفتح صدره مثل بلطجية الحارات، ويسب الإسلاميين الفائزين فى الانتخابات، ويصفهم بأنهم أنصاف متعلمين (رمتنى بدائها وانسلت!)، ويطالب بكنسهم من الحياة السياسية والمجتمع، وإقامة ديمقراطية على مزاجه ومزاج من يمثلهم فى الواقع السياسى الفاسد!. هل نستغرب بعدئذ أن يقوم حضرته بنهر الشاعرة التى وقفت احترامًا للأذان، وأن يطلق عليها صبيانه للتقليل من موهبتها وقيمتها الشعرية؟ لا ريب أن المذكور يتجاهل أن مصر المسلمة تغيرت بعد الخامس والعشرين من يناير 2011، وأنها تسعى إلى اقتلاع الفساد والفاسدين، وأنه واحد من عناصر الفساد والإفساد الثقافى على مدى ثلاثين عامًا، فقد نهب ما لا يستحق من أموال العزبة السايبة التى تسمى وزارة الثقافة، ووصل به الانحراف إلى منح نفسه جائزة مؤتمر الشعر وقدرها مائة ألف جنيه من أموال الفقراء الكادحين البائسين الذين كان يتكلم باسمهم فى يوم بعيد. أضف إلى هذا الفساد المعنوى المتمثل فى حملته المجرمة على الإسلام وتشويهه ومحاربته لكل من يدعو إلى الله فى أكثر الصحف والفضائيات انتشارًا! ترى هل يستمر الفساد الثقافى طويلاً!