يقيم مثقفو الحظيرة الدنيا ولا يقعدونها من أجل المشاركة فى اللجنة التأسيسية للدستور.. يظنون أنفسهم فوق العالم كله، ولذا يجب على العالم أن يصغى لهم ويستمع لما يقولون، ولو كان ترهات وأكاذيب وخزعبلات.. يظنون أن العالم يجب أن يتوقف عند أقدامهم، فقد تعودوا فى عهد النظام الفاسد البائد، الذى أدخلهم الحظيرة، وأتاح لهم ما لم يحلموا به من فتات السلطة وفضلاتها أن يجابوا لما يطلبون، فقد منحهم الظهور على شاشات التليفزيون وعبر الأثير فى محطات الإذاعة، وعلى صفحات الصحف العامة والخاصة، وأعطاهم ما لا يستحقون من جوائز ومنافع فى النشر والسفر والمؤتمرات والمحاضرات واللجان والوظائف والتفرغ وإنشاء الصحف والمجلات والمشاركة فى أنشطة الداخل والخارج الثقافية، وتشرفوا بحضور لقاءات رأس النظام ورموزه، وشاركوا فى تبرير جرائمه وممارساته الإرهابية ضد الأبرياء والمثقفين الحقيقيين، وكانوا فى كل الأحوال عناصر إقصاء للمثقفين الأحرار الشرفاء، واستبعاد كل من يريد أن يكتب كلمة حقيقية أو يفكر تفكيرًا خالصًا بعيدًا عن التملق والتبرير والتمييع! وزير الثقافة المحترم رشح خمسة أشخاص من أفراد الحظيرة الثقافية ليكونوا موضع اختيار لدى مجلسى الشعب والشورى، منهم ثلاثة كانوا من أبرز الموالين للنظام الفاسد البائد، وكانوا دائمًا فى صدارة لقاءات المخلوع بما يسمى المثقفين، ونعموا بجوائزه وعطاياه.. أحدهم كان يعانى من متاعب فى المسالك البولية، وجلس أربع ساعات محصورًا لينعم بلقاء المخلوع فى اللقاء الشهير يوم 30/9/2010م، وخرج من اللقاء ليشيد بالمخلوع وسياسته الحكيمة، وبعد سقوطه تحول إلى ثورى كبير. شخص آخر من أفراد الحظيرة رشحه وزير الثقافة للجنة التأسيسية، وكان من الحظيرة العميقة – إن صح التعبير - ومقربا من الوزير الفاسد الأسبق، وكان لا يكف عن مدح النظام الذى منحه منصب رئيس تحرير، وأغدق عليه الجوائز والبرامج التليفزيونية وهو لا يستحق، يعلن عن قبوله الترشيح للجنة التأسيسية، ثم يتمنع ويتحفظ على اللجنة، وفى الوقت ذاته لا يكف عن الهجوم على الإخوان ويصفهم بالفاشية ويشبههم بهتلر، ويسخر من رئيس مجلس الشورى، ويصفه متهكمًا بالصيدلى (!)، بينما سيادته لا يحمل غير شهادة الإعدادية الصناعية، وكان عامل نسيج حتى التقطه أحد الشيوعيين فعينه فى الصحافة، وهو لا يحسن القراءة ولا الكتابة، وكتبه ملأى بأخطاء الإملاء والنحو والصرف والبلاغة، فضلا عن سرقاته الأدبية وسطحية ما يكتبه! صاحبنا المتغطرس المتعجرف يتجاهل أن (الصيدلى!) رئيس مجلس الشورى الذى يسخر منه من العلماء القلائل فى مجال تخصصه، وشارك فى العمل العام الذى يدفع أصحابه ثمنًا باهظًا، لأنه لا يوجد خروشوف يخرجه من السجن، ولا حزب شيوعى موال للصهيونية يقف إلى جانبه! ثم تجد من يتهم الدولة بتجاهل المثقفين المصريين فى شأن مهم من شئون بلادهم.. فدائمًا– حسب الاتهام الحظائرى- المثقفون المصريون مهمشون فى مثل هذه الأمور الحيوية.. وينسى القوم أن الدولة تتعامل مع الحظيرة بما تستحق، فقد عرفت قيمة الحظائريين، وخاصة فى مرحلة ما بعد الثورة، ثم إن هناك مبدعين ومثقفين حقيقيين كثيرين لم يدخلوا الحظيرة، ولم يحصلوا على جوائزها ولا على الجوائز العالمية، التى تمنحها جهات استعمارية لأتباعها؛ وهؤلاء لا يتكلمون ولا يطالبون بالمشاركة فى لجان هنا أوهناك، ولا يسعون إلى الشهرة التى تجرى فى دماء أهل الحظيرة ومثقفيها. إن الثقافة لا تصنعها الدولة، وليست سبوبة يتحول من خلالها المثقفون إلى تجار يبغون الربح من ورائها، ولا توجد دولة فى العالم تنفق على الرقص والطبل غير دولتنا وحظيرتها العتيدة! الثقافة جهد فردى اجتماعى يبذله الموهوبون الحقيقيون ويعمل على الإفادة منه أفراد محبون للثقافة وجمعيات أهلية تعمل وفق إمكاناتها لنشر ما تظنه مفيدا وصوابا من نصوص وأفكار وتصورات، كما كان يجرى فى النصف الأول من القرن العشرين؛ حيث لم تكن هناك وزارة ثقافة ولا حظيرة ثقافة.. كانت هناك جهود ومبادرات ذاتية قدمت للأمة العربية أدباء حقيقيين ومثقفين حقيقيين، لم يذهب بهم الغرور أن يفرضوا أنفسهم بالصفاقة على نشاطات المجتمع السياسية والثقافية. لقد بذلت الحكومة المستبدة الفاشية من عرق الكادحين والفقراء مالا كثيرا أهدرته فى جيوب الحظائريين دون عائد يذكر، ومع ذلك لا يتورع بعض المنتفعين بالحظيرة الثقافية من اتهام الحكومة بالجهل والاستبداد وعدم إدراك أن "الثقافة" هى القاطرة التى تقود مشروعات التنمية! لقد تصارع مثقفو الحظيرة فيما بينهم على الغنائم والمنافع، وكان المثقف الحظائرى مثالا للمثقف الانتهازى الذى يبحث عن سبوبة بكل السبل، ولو جاء ذلك على حساب الأخلاق والدين والمستقبل. المثقف الحقيقى يظل بمنأى عن السلطة، ويتعفف عن مد يده إلى المسئولين، وهو الوحيد الذى يستطيع أن يقول كلمة الحق التى يمليها عليه دينه وضميره، أما المثقف الانتهازى فهو فى شوق دائم إلى المناصب والمغانم والمنافع، ولو كانت عضوية فى لجنة تأسيسية للدستور، لا يصلح لها ولا تصلح له. المثقف الحقيقى هو جموع علماء مصر وأدبائها ومفكريها الذين يعملون بعيدا عن وزارة الثقافة التى احتفلت بغزو نابليون لمصر، وأعلنت أنها لن تسمح بأسلمة الأدب, ولا تديين الفن! وتبا للانتهازيين!!