عن أبي هريرة، رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير. احرص علي ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز. وان أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا وكذا لكان كذا وكذا، ولكن: قدّر الله وما شاء فعل، فان لو تفتح عمل الشيطان." رواه مسلم. بيّن رسول الله صلي الله عليه وسلم، في هذا الحديث الجامع، أن الله سبحانه لا يرضي الضعف للمؤمن، بل القوة هي التي تليق بمن لايخشي إلا الله. وقوة المؤمن تكون في كافة أحواله، فهو قويّ في الفقر والمرض بالصبر، قويّ في الغنى والعافية بالشكر، قويّ في مواجهة الباطل بالوقوف ضده، قويّ في نصرة الحق بالإقامة عليه. المؤمن قويّ قوة تأتي من داخله، من أنوار التوحيد التي تجمع شتات همه في هم واحد، ألا وهو إرضاء الله سبحانه، والاجتماع له قوة لا تتأتى للافتراق. (والإيمان هنا قد ورد بمعني الإسلام، فالمؤمن، في هذا الحديث ، هو المسلم، والعكس، عملا بقاعدة أن لفظيّ الإيمان والإسلام إذا اجتمعا افترقا في المعني ، وان افترقا اجتمعا في المعني). لذلك وجب علي المسلم أن يتميز ،أنّي وجد، عمن حوله ممن ليسوا علي دين الحق. فهو عامل قويّ، وطبيب قادر، وتكنولوجيّ محنك، ومهندس مجرب. وبالتبعية، فالمسلمة قوية في أداء واجباتها العائلية، قوية في مناصرة زوجها والوقوف من وراءه تشدّ من أذره حيال الدنيا وأزماتها. والمسلم، أو إن شئت، المؤمن الضعيف لا يزال فيه خير، هو الخير المتعلق بالإيمان، ولكن أين يقع الأصل من الفرع، وكيف يقاس العنب بالحصرم وان كان كليهما مما يحتاج إليه الناس؟ ثم يعرّج الحديث الشريف على فائدة جليلة تحسبها مما يستقر في العقل الإنساني أصالةن وهي أن يحرص الإنسان على ما ينفعه، ولكن ويا حسرتا على الإنسان الذي لا يعرف في غالب حاله ما يضرّه مما ينفعه، فتراه يحكم على المنفعة بمقياس زمنىّ محدود ومعايير أرضية مخلوطة فيرى ما يضره نافعا وما ينفعه ضاراً، ذلك لإختلاط المعايير، فيحذرنا رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم على أن نحرص على ما ينفعنا في ديننا وهو ما سينفعنا في دنيانا بطريق اللزوم، فالقوة تنفع المؤمن وحيازة مستلزماتها ضرورة يجب الحرص عليها، وطريق ذلك هو الإستعانة بالله مع أخذ الأسباب كما بيّن الحديث الشريف، مع الإلتزام بقوة الإرادة والتصميم والحزم التي عبّر عنها الحديث بعدم العجز، فالعجز هو الضعف عن المتابعة وخَوَر الإرادة، وهو ما يقتل العمل في مهده. درس عظيم في فنّ الحياة ومواجهة المصاعب يجدر بالمسلمين اليوم أن يأخذوا به أفرادا وجماعات، العزم الماضي والإرادة الصارمة كما قال تعالى "فإذا عزمت فتوكل على الله" وهو مدار الحديث وروحه. ثم يتابع الحديث الشريف في أمر من كبريات أمور العقيدة وهو الرضا بالقضاء، فإلى الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى.