لا يكاد يختلف أحد على أن أكبر تحد يواجه الرئيس اليوم هو تفكيك الدولة العميقة، التى تعمل منذ اليوم التالى لخلع مبارك على إفشال الثورة المصرية وإجهاضها والتوقف بها عند مشهد رحيل مبارك دون أن يتعدى ذلك إلى بقية مفاصلها والوصول إلى تجريف تربتها وهدم قواعدها. فيخطئ من يظن أن الدولة العميقة ستعلن استسلامها بمجرد تغيير وزير ومجىء آخر حتى ولو جاء من قلب ميدان التحرير، لأن هذه الدولة لديها القدرة الفعلية على إفشال أى وزير والوقوف ضد آماله وطموحاته وإدخاله فى متاهة كبيرة من العنت والمشقة والقضايا والشكاوى والامتناع عن تنفيذ العمل .. إلى آخر هذه الوسائل التى يجيدها مارينز الدولة العميقة وتمرسوا عليها عبر عقود من العمل فى جهاز بيروقراطى صعب المراس. وبقدر ما كانت الفرحة غامرة وعمت كل المصريين بعد سلسلة التغييرات التى قام بها الرئيس مرسى، وطالت رئيس جهاز المخابرات العامة وقائد الحرس الجمهورى والشرطة العسكرية وآخرين، إلا أن التحدى الذى يقابل الرئيس هو قدرته على النفاذ إلى قلب الدولة العميقة وتفكيكها والنجاح فى الإطاحة بالعناصر غير الصالحة ( وما أكثرها ) والتى وصلت إلى ما وصلت إليه عبر الارتباط بالحزب الوطنى المنحل، فقد كان كارنيه ( الحزب ) جواز المرور للمناصب القيادية فى الجهاز الإدارى بغض النظر عن الكفاءة اللازمة لشغل مثل هذه المناصب وكان رضا أمين" الحزب" فى كل محافظة هو أهم ما يحرص عليه أى قيادى فى الإدارات الحكومية، إضافة إلى رضا أعضاء المجالس المحلية . لذا وصلنا اليوم إلى كارثة حقيقية وهى أن معظم القيادات المرشحة اليوم للتصعيد فى الجهاز الإدارى للدولة قد نموا وتربوا فى " حضانات " الحزب الوطنى وأمثال هؤلاء يمثلون العمق الحقيقى للدولة العميقة وأحد أهم أدوات الثورة المضادة . والتحدى الملقى اليوم على عاتق رئيس الجمهورية وحكومته أن يحاول جاهدًا أن يتخلص من كل هؤلاء فهم عبء عليه وخصم من رصيده وليست لديهم المواهب ولا الملكات التى تمكنهم من تنفيذ برنامج النهضة إذ غالبيتهم لم يترب على نهضة ولا خلافه بل نشأوا على عبادة القوانين والتبتل للوائح والانسحاق تحت أقدام المحافظين وقيادات الحزب الوطنى المنحل فلن تسعفهم ملكاتهم الشخصية فى التحرك من على الكراسى العتيقة والمساهمة فى بناء رؤى استراتيجية من أجل بناء نهضة حقيقية من خلال المشروع العام الذى انتخب على أساسه الرئيس مرسى . ولا يجب أن نستهين بهذه الدولة العميقة أو نقلل من ِشأنها فلديهم ترسانة ضخمة من القوانين واللوائح والقرارات الوزارية التى تمكنهم من إحداث شلل داخل الجهاز الإدارى للدولة كما أن تضخم عددهم الذى وصل إلى حوالى ستة ملايين موظف فى الجهاز الإدارى للدولة ينبئنا أننا أمام كتلة ضخمة بوسعنا أن نستفيد منها شريطة أن نحسن إدارتها وأن نختار لها قياداتها أو بعبارة أخرى نحن نحتاج اليوم وبشدة إلى ثورة إدارية ضخمة تقتلع المفاهيم القديمة والشخوص القديمة والآليات البالية لتجعل من هذا العد الضخم قيمة مضافة للناتج القومى بدلاً من كونه – حتى الآن – خصماً منه . والخطوة الأولى هنا هو اختيار الكفاءات للمناصب الإدارية للمناصب العليا والوسيطة دون النظر إلى اعتبار السن أو الأقدمية بل الكفاءة هى المعيار الأول والمهم ثم الإيمان بثورة الشعب المصرى فى يناير 2011 وأهدافها العليا ( حرية – كرامة – عدالة اجتماعية ) . تفكيك الدولة العميقة هو أهم تحد يواجه الحكومة اليوم فلا ينبغى لها أن تتردد فالأيدى المرتعشة لا تبنى نهضة ولا تقيم دولة، ولا تتعلل بالخوف من اهتزاز الأوضاع داخل الجهاز الإدارى للدولة لأنه فى حالة موت إكلينيكى منذ زمن طويل ويحتاج إلى صدمات قوية لإفاقته وإعادته إلى مساره الصحيح كقيمة مضافة فى الناتج القومى، كما أسلفنا من قبل . [email protected]