هاتفنى صديقى الأستاذ بجامعة القاهرة منزعجاً ناقلاً إلىَّ استياء زملائه فى الجامعة من تصريحات منسوبة لمسؤولين بارزين فى حزب النور طالبوا فيها بأحقية الحزب فى تولى حقائب وزارية فى التشكيل الوزارى الجديد إذ اعتبر الأساتذة فى جامعة القاهرة أن ذلك نوع من التكالب على السلطة وتوزيع الغنائم غير مطلوب فى الفترة الحالية. ومن جانبى، لم يختلف شعورى كثيراً عن شعور أساتذة الجامعة أو غيرهم عند قراءتى لهذه التصريحات، والتى تعكس نظرة حزب النور إلى التشكيل الوزارى الجديد واعتباره نوعاً من الفواتير الانتخابية واجبة السداد نظير وقفة الحزب بجوار د. مرسى فى جولة الإعادة وربما ومن باب الإنصاف يجب أن نتذكر أن هذا السلوك لم يكن حكراً على حزب النور وحده بل شاركه فيه قوى وتيارات ليبرالية ويسارية تطالب هى الأخرى د. مرسى ثمن تأييدها له فى معركته الانتخابية، بل إن المضحك الذى تتفرد به مصر وحدها أن القوى السياسية التى ناصبته العداء ووقفت سراً أو جهراً بجوار منافسه باتت هى الأخرى تطالب بحقها فى "التورتة". ولكن ما يهمنى هنا هو السلوك السياسى لحزب النور وهو أحد الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية - التى يهمنا شأنها دون شك - والذى كان عليه أن يترفع عن هذا السلوك فى لحظات التحول المثيرة للجدل التى نعيشها والتى تحتاج إلى كفاءات من نوعية خاصة يتمكنون من تحريك "دولاب" العمل الرسمى ورسم الخطط النهضوية والعمل وفق تطلعات الجماهير التى مازالت تنتظر بشوق بالغ الآثار الإيجابية لثورة يناير، والتى لم تشعر بها حتى الآن. وكان يجب على حزب النور أن ينشغل حالياً بمراجعة مجمل أدائه تحت قبة البرلمان والوقوف على مواطن الخلل سواء من حيث اختيار النواب من البداية أو من حيث الأداء الرقابى والتشريعى حيث تعرض الحزب لعثرات لم تكن خافية على أحد نتيجة سوء الاختيار الذى كلفه كثيراً من جماهيريته، كما أن محاولة الحزب التعجيل بالمناصب الوزارية سيؤدى دون شك إلى حرق الحزب فى الشارع نظرًا لعدم توفر الكفاءات الحزبية التى تتمكن من إدارة الوزارات. وإذا ما أراد الحزب أن يبدأ البداية الصحيحة فى التعرف على أجهزة الدولة العميقة فعليه أن يبدأ من أسفل لا من أعلى وأن يوجه كوادره للعمل فى المحليات حيث الالتحام الحقيقى بالجماهير ومشاكلهم من تعليم ومياه وصرف صحى وصحة.. إلخ كما فعل أردوغان فى تركيا. وعلى النقيض من موقف حزب النور كان موقف الجماعة الإسلامية وحزبها البناء والتنمية حيث ضربت الجماعة خلال أيام قليلة مثلاً رائعاً فى التجرد التام وتقديم مصالح الوطن الكلية على المصالح الحزبية الضيقة حيث تنازلت الجماعة قبل أسابيع قليلة عن حصتها فى الجمعية التأسيسية للدستور إنقاذاً لها من الانهيار لصالح شخصيات غير محسوبة على التيار الإسلامى ثم كان الموقف الثانى عندما صرحت الجماعة بأنها لا تتطلع ولا تشترط لنفسها أى مناصب وزارية رغم أن الجماعة لعبت دوراً بالغ الأهمية فى فوز د. مرسى الدرامى حيث قادت محافظات الصعيد – حيث الثقل التقليدى لها – للتصويت لمرسى فى الوقت الذى راهن فيه فلول النظام السابق على الصعيد لإحداث الفارق لصالح شفيق حيث وجود الكتل التصويتية المسيحية الضخمة وتمتع رموز الحزب الوطنى المنحل بقوة عشائرية ضخمة ولكن الجماعة الإسلامية استطاعت بفضل من الله أن تقلب المعادلة وأن تقود الصعيد لصالح مرسى فى مفاجأة من العيار الثقيل حيث بلغ الفارق فى بعض المحافظات (كالمنيا مثلاً) إلى أكثر 400 ألف صوت لصالح مرسى فى الوقت الذى صنعت محافظات الدلتا الكبرى الفارق لصالح شفيق رغم كونها مراكز تقليدية للتيار السلفى بل والإخوانى أيضاً وهذه مفارقة تستحق التأمل والدراسة. تعفف الجماعة الإسلامية وحزبها عن المناصب الوزارية يجب أن يكون نموذجاً ماثلاً أمام حزب النور يحتذى لأن أداء الحزب فى الفترة الماضية يفرض على أبنائه ضرورة التوقف ومراجعة الذات لا المطالبة بمزيد من المناصب لأن شأن حزب النور يهمنا بكل تأكيد. [email protected]