يبدو أن الحياة السياسية لن تستقيم لنا إلا بعد جهد مثابرة ولا يكفيها ثورة بل تحتاج إلى ثورات فما نكاد نخرج من حفرة إلا وانغرست أقدامنا فى أخرى أشد عمقاً وهذا مايؤكد ما قلته فى مقال الأمس أن هناك قوى كثيرة خارجية وداخلية تعلم أن الانتخابات القادمة هى البداية الحقيقية لتفعيل ثورتنا على أرض الواقع . فمع كل خطوة نستبشر بها دفعاً للأمام نكتشف أنها ولدت مفخخة لتأزيم الأمور وعدم السماح بخروجها من المربع " صفر " فبعد أن استجاب المجلس العسكرى لمطلب القوى الوطنية بتعديل توزيع المقاعد بين القائمة والفردى من 50% + 50% إلى الثلث لصالح الفردى والثلثين لصالح القائمة وهى نسبة مقبولة تفادياً للطعن بعد الدستورية فى المستقبل . ولكن جاءت المادة الخامسة من قانون الانتخابات المعدل لتفخيخ الوضع من جديد والتى جاءت مانعة دون ترشيح الحزبيين على مقاعد الفردى ، أو تحول المنتخب المستقل إلى حزبى بعد فوزه ، هذه المادة بهذه الصورة لم تطالب بها أى من القوى السياسية الفعالة ولم تطرحها على أجندتها فما الذى دفع المجلس العسكرى إلى محاولة تمريرها بهذه الصورة . لا يمكننا قراءة هذه المادة بمعزل عن مجمل التطورات على الساحة الداخلية والخارجية ، ففى الداخل اتضح للجميع أن هناك محاولات مستميتة تبذل من أجل استنساخ أعضاء " الحزب الوطنى " المنحل من جديد والدفع بهم ليشكلوا قوة مؤثرة على الساحة السياسية وذلك من خلال منح رخص لست أحزاب جديدة من قيادات وقواعد " الحزب الوطنى " على خلفية التعطيل المفاجىء لقانون الغدر بعد الحماس المفاجىء أيضاً لتطبيقه ، كما أنه لا يمكننا فصل تفعيل قانون الطوارىء عن مجمل هذه الأحداث خاصة وأنه حتى الآن لم نسمع عن حملة مكبرة لاعتقال البلطجية والذين لا يحتاجون إلا لأيام لمعدودة لجمعهم فى المعتقلات كما كان يفعل مع التيار الإسلامى والأمن المصرى صاحب خبرة طويلة فى هذا الشأن . ولكننا سمعنا بقانون الطوارىء فى استيقاف د./ عمرو الشوبكى فى مطار القاهرة وتعطيل صدور صحيفتين أحدهما قومية ( صوت الأمة وروزاليوسف ) . وعلى الصعيد الخارجى فلا يمكننا عزل التصريحات التى صدرت من أعضاء نافذين بالكونجرس الأمريكى عن احتمال توقف المعونة الأمريكية حال فوز الإسلاميين بأغلبية برلمانية كما يتوقع كثيرون ، كما لا يمكن عزلها عن الزيارات المكوكية التى شهدتها القاهرة لمسؤولين أمنيين وعسكريين بارزين فى الإدارة الأمريكية . وعليه فإن تمرير المادة بهذه الصيغة مطلوب منها فى المقام الأول أن تحد من سطوة الإسلاميين المتوقعة على مقاعد المجلس خاصة وأن قائمة التحالف الديمقراطى التى من المحتمل أن تضم معظم التيارات الإسلامية لن تشهد سيطرة مطلقة للأحزاب الإسلامية والتى يعلم المجلس العسكرى أنه قد تعوضها عن طريق دعم مرشحين على مقاعد المستقلين ولكنه لم يلتفت إلى أن هذا الحظر الشكلى لن يمنع التحالف التصويتى تحت قبة البرلمان إلا إذا كان من المقرر أن تذهب المقاعد الفردى للفلول كما يتوقع كثيرون . كما أن تمرير المادة الخامسة بهذه الصيغة يراد منه خلق توازنات داخل البرلمان تعمل على شل قدرته فى اختيار الحكومة ومحاسبتها وسحب الثقة منها كما أنه يعمل على خلق حالة من التوتر داخل المجلس نفسه قد تحول بينه وبين إتمامه لمهامه وقد تؤول به إلى الحل المبكر . هذه الهواجس تطرح ألف علامة استفهام على شعار تسليم السلطة لحكومة منتخبة وتفرض علينا توافقاً وطنياً شئنا أم أبينا لأن الأمور لن تستقيم بسهولة ويسر . [email protected]