انشغل كثير من المؤرخين بشخصية فرعون موسى ...و قد ثار حوله كثير من الجدل الذي يمكن تلخيصه في النقاط التالية : هل كلمة فرعون اسم أم لقب ؟ هل هو فرعون واحد ؟ أم هناك فرعونان ..فرعون الاضطهاد و فرعون الخروج؟ متى حدث خروج بني إسرائيل من مصر ؟ و هناك (شبه إجماع) بين المؤرخين ( العلميين أو العلمانيين )على رفض فكرة أن تشير كلمة فرعون إلى اسم ملك مصري .. فهو مجرد لقب لم يعرف في الدولة المصرية القديمة ..بل ظهر في فترت لاحقة . وعلى الرغم من أن هيرودوت المؤرخ اليوناني الشهير قد أشار في كتابه التاريخ ( الجزء الثاني ) إلى وجود ملك مصري قديم يحمل اسم فرعون pheron و باليونانية Φηρ?ν ..فإن المؤرخين يرفضون و جود ذلك الاسم على وجه الحقيقة ..معتبرين أن تلك (الحكايات ) و الفلكلور في كتاب هيرودوتس لا يمكن أن يعول عليها . و على الرغم من أن ما قصه هيرودوتس في كتابه عن فرعون يشبه الأساطير ...و بخاصة إصابته بالعمى ..و أن علاجه يكون بتناول بول امرأة لم تخن زوجها ...لكن بعيدا عن تلك الحكاية ..يظل ذكر اسم "فرعون" على لسان مؤرخ يوناني أمرا مثيرا يشي بأن هذا الاسم يمكن أن يحمله بعض الملوك المصريين ... و هو ما يعضد وجهة نظر (اللغويين) الذين يرون أن اسم فرعون في القرآن و التوراة لا يمكن أن يكون لقبا ..بل هو اسم صريح ..و هو الرأي الذي يرفضه المؤرخون (العلمانيون ). أما ما يتعلق بالنقطة الثانية و هي :هل هما فرعونان أم فرعون واحد ؟ فإن التوراة تذكر صراحة أنهما فرعونان ..(بينما) يشير (ظاهر ) القرآن إلى أنه فرعون واحد ..على الرغم من أن الآيات لا تنفي قطعيا وجود فرعونين . وفي كل الأحوال فإن هناك خلافا كبيرا بين المؤرخين حول شخصية فرعون ..لكن تظل (أشهر الآراء) محصورة بين تحتمس الثالث(1479- 1425 ق.م) (الأسرة الثامنة عشرة) .. ورمسيس الثاني(1279- 1213 ق .م )( الأسرة التاسعة عشرة ) .. مع وجود آراء أخرى منها أنه الملك أحمس .. وأن طرده للهكسوس إنما هو طرد لبني إسرائيل .و بعيدا عن ذكر أدلة كل الأطراف منعا من التكرار ..فإن السؤال عن شخصية فرعون موسى يظل غير محسوم ..فهل يمكن الاعتماد على رؤية جديدة مغايرة للأبحاث السابقة التي تدور حول الحساب الزمني التوراتي أو أسماء المدن المذكورة أيضا في التوراة و التي اعتمد عليها المؤرخون (الدينيون) في تحديد شخصيته ؟ الرؤية الجديدة تنطلق هذه المرة من القرآن ...من خلال قوله تعالى : و أورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض و مغاربها التي باركنا فيها .. وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ..ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون . فهل هناك مرحلة ما في تاريخ مصر تعرضت فيها الدولة لانهيار مفاجئ في (جيشها و قادتها و نخبتها )..و هو المعنى الذي يمكن أن يستنبط من هذه الآية ..حين غرق فرعون و جنوده ..مع حدوث ما يشبه الزلزال (وفقا لتفسير ابن عاشور ) و الذي يدل عليه قوله تعالى : (ودمرنا ما كان يصنع فرعون و قومه و ما كانوا يعرشون ) ..فالصناعة تشير إلى الأبنية و السلاح .. والعريش يشير إلى المنتج الزراعي و غيره ..فهناك انهيار في السلطة و القوة الاقتصادية و هو الأمر الذي يثير أطماع القوى المناوئة و خصوصا الشعوب التي كانت خاضعة للإمبراطورية المصرية في ذلك الوقت ..و التي تعرضت للاستعباد ( و فرعون ذو الأوتاد الذين طغوا في البلاد )... هل هناك شعوب غير بني إسرائيل كانت تتعرض للظلم .. وورثت مع بني إسرائيل (مشارق الأرض و مغاربها ) ؟... يرى جمهور المفسرين أن ( القوم الذين كانوا يستضعفون ) هم بنو إسرائيل .. و أن قوله : وتمت كلمة ربك الحسنى على بني إسرائيل بما صبروا ..إنما هو من باب عطف الخاص على العام (القوم الذين كانوا يستضعفون ) ...لكن ظاهر الآية مع غيرها من الآيات يشير إلى أن القوم الذين كانوا يستضعفون ليسوا بني إسرائيل وحدهم ..و أن ثمة شعوبا ورثت تلك المناطق التي كان يحتلها فرعون و قومه ..فهل هناك في التاريخ ( العلمي ) ما يشير إلى أن هناك مرحلة في تاريخ مصر تحتوي على بعض الحلقات المفقودة و التي تتعلق بانهيار مفاجئ للسلطة في مصر القديمة؟ الأمر المدهش أن هناك دراسات تتحدث عن غزو مفاجئ تعرضت له مصر حتى وصل إلى الدلتا من خلال حوالي تسعة أنواع من الشعوب .. أطلق عليهم عالم المصريات الفرنسي إيمانويل دي روجيه Emmanuel de Rougé .. (شعوب البحر) أو peuples de la mer في الفترة من (1200- 900 ) قبل الميلاد وفق بعض التقديرات . وقد نشأت عدة نظريات مختلفة تحاول تفسير هذا الانهيار المفاجئ في تلك الإمبراطورية الكبرى التي امتدت حدودها حتى منطقة بلاد الشام في ذلك الوقت . و قد خاض الملك مرنبتاح بن رمسيس الثاني ثم الملك رمسيس الثالث معارك ضارية ضد تلك الغزوات المفاجئة ..وقد سجل كل منهما انتصاراته على بعض الألواح و المقابر . لكن العجيب أن الحضارة المصرية أخذت في الأفول التدريجي منذ ذلك الوقت حتى تعرضت للاحتلال الفارسي و اليوناني و الروماني .. ولم يقم لها قائمة ... فهل يمكن أن يكون غرق فرعون و جنوده و التدمير الذي أشار إليه القرآن ..بداية أفول الحضارة المصرية القديمة ؟.. وهل يؤكد ذلك أن فرعون موسى يمكن أن يكون هو رمسيس الثاني (ت : 1213ق. م ) آخر الملوك الأقوياء في الأسرة التاسعة عشرة .. وفي تاريخ مصر القديمة على الرغم من أن تشريح جثته لم يثبت أنه مات غرقا وفقا للرؤية ( العلمية ) .. لكن تشريح الجثة يمكن أن يفسر من خلال قوله تعالى : فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية .