رغم إعلان تشكيل الحكومة الذى تراوح بين المحاصصة وبين الترضيات الفجة لمختلف الأطراف وبين بعض ما يسمى بالتكنوقراط لذر الرماد فى العيون إلا أن مصر الدولة والكيان والمكان لن تخرج من أزمتها العميقة التى تحرسها (أى الأزمة) معالم الدولة العميقة. لن تخرج مصر من أزمتها بالحلول التقليدية التى أكل عليها الدهر وشرب ولن تخرج مصر من أزمتها العميقة بالتفكير التقليدى الذى تجاوزه الزمن. ولن تخرج مصر من أزمتها العميقة بالحلول التقليدية التى جربناها آلاف المرات وكانت النتيجة الفشل الذريع. مصر تعيش أزمة عميقة بعمق دولتها، والنظام الحاكم يعيش أزمة أعمق ما دام يفكر داخل الصندوق. المشكلة الحقيقية فى مصر أن أغلب الأطراف السياسية والاجتماعية الفاعلة تفكر داخل الصندوق، كل الاختيارات السياسية من رجال وسياسات مما تم تجريبه فى عهد مبارك وأغلبها إن لم يكن كلها يعيش على توجيهات الرئيس أو إن شئنا الدقة تعليمات المشير. ومن يفكر خارج الصندوق يشار إليه بالبنان على أنه مجنون أو حالم أو مثالى أو شخص لا يعيش على الأرض (فى أخف الاتهامات). مصر تعيش أزمة عميقة جراء كل تلك الاختيارات من داخل الصندوق وهى اختيارات (رجال وسياسات) جزء من المشكلة ولن تكون أبدًا جزءًا من الحل. فالرجال والسياسات التى تجاوزها الزمن لا يمكن أن تساهم فى الانتقال بمصر إلى عصر جديد بعد ثورة يناير التى اختطفت أو سرقت (سيان). فالحلول المقدمة ممن يمثل على الناس دور الحاكم وممن يمثل على الناس دور المعارضة وممن يحكم بالفعل هى حلول تقليدية (من داخل الصندوق) لا يمكن أن تشكل حلاً حقيقيًا. ولن تأتى الحلول الحقيقية إلا ممن يفكر خارج الصندوق تفكيرًا يطرح أشكالاَ نظامية للتعامل مع تلك الأزمة العميقة التى تحياها الدولة المصرية منذ أن علقت ثورتها فى الطريق فلا هى كانت انقلابًَا عسكريًا واضحًا ولا هى كانت ثورة شعبية صريحة. كانت حركة أو حراكًا يتناسب مع طبيعة الشخصية المصرية التى هى بين بين فلا هى قطعت رأس الذئب ولا هى قطعت رأس الحية ولا هى أكملت مشوارها. وعلى مدار أكثر من عام ونصف كانت أغلب الاختيارات السياسية بين بين وللأسف لم تشكل الاختيارات الحاسمة تيارًا اجتماعيًا يحملها أو يدافع عنها أو يتبناها وظل التفكير خارج الصندوق تفكيرًا فى الهوامش والحواف، وظلت أصواتًا نشازًا. وللأسف ستظل أزمتنا المصرية ما دام نظام التفكير الحاكم هو التفكير داخل الصندوق أيًا ما كان شكل الصندوق: رجالاً وسياسات وشبكات تحالف ومصالح وحسابات أو جماعات لا زالت تعلى مصالحها التنظيمية فوق مصلحة الوطن.