ما جرى في قرية دهشور امتداد تاريخي طبيعي، حدث في الماضي وسيحدث في المستقبل، ولا علاقة للوحدة الوطنية به إلا رغبة البعض في تسييس مثل هذه الحوادث وتحويلها إلى شماعة لقصف الرئاسة أو الحكومة رغبة في الانتقام. مكوجي قبطي أحرق قميص كهربائي مسلم فاشتبك معه الثاني، وتطورت المشادة بعد ذلك إلى مولوتوف ألقاه المكوجي على أقارب الكهربائي المتجمعين أمام منزله..إلى آخر القصة التي قتل خلالها شاب مسلم كان يمر بالصدفة، فهجر الأقباط منازلهم خوفا من الثأر. لو سألتني كصعيدي لأجبت أنه شيء معتاد أن يفر البعض من بيوتهم وأماكنهم، مسلمين أو مسيحيين، في حالة تسببهم في قتيل من الطرف الآخر، وهي مسألة يحلها العرف عادة بتنازل أهل القتيل بالطريقة التقليدية المعروفة. لكن في جميع الأحوال، سواء تنازلوا أم لا، يعود الخائف إلى بيته عقب أن تهدأ النفوس وتبرد المشاعر الملتهبة. في أحداث الزاوية الحمراء في عهد الرئيس الراحل أنور السادات، لخص السبب أيامها في ماء غسيل من ملابس في بلكونة سقط على ملابس في بلكونة بالطابق الأسفل! ليس في ما قيل أي استخفاف، لكنه الواقع البسيط لمشاكل التي يرغب بعض السياسيين المعارضين في تحويلها إلى أسلحة بأيديهم يرجون بها لما يعتبرونه اضطهادا للأقلية وحرمانا من حقوقها. لقد كتبوا وصرحوا غاضبين من إجبار مواطنين مسيحيين على ترك منازلهم، وقالوا إن الأقباط امهلوا الدولة 48 ساعة،فإذا لم يعودوا خلالها سيعتصمون أمام مديرية أمن الجيزة. في المقابل وزع والد القتيل منشورات خلال صلاة التراويح يحتسب ابنه شهيدا داعيا إلى عدم الانتقام. المسألة ستنتهي سريعا لو ابتعد الطامعون في اثارتها واستغلالها من خلال وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي وقلبها إلى قضية طائفية بين أكثرية مسلمة وأقلية مسيحية، وفي ذلك يلعبون على وتر التحريض ضد الرئيس مرسي باعتباره إسلاميا، ويجدونها فرصة في الحديث عن الدولة الدينية التي يتوهمونها، ورفض الدستور الذي يزعمون أنه يكتب لتكريس تلك الدولة، مع أن مناقشات الجمعية التأسيسية تنبئ بدستور غير مسبوق في مجال الحريات والمساواة بين المواطنين. المجتمع المصري بمسلميه ومسيحييه اعتاد الالتئام السريع بعد كل مشكلة بين الطرفين، ففي النهاية هي مشاكل اجتماعية بين مصريين ومصريين، بعضها يكون عود الكبريت فيه حدث بسيط كالذي حدث بين المكوجي والكهربائي. الذين يطالبون محمد مرسي بالذهاب إلى القرية وإعادة الأقباط إلى منازلهم بنفسه، يرغبون استهلاكه في مشاكل صغيرة متكررة، لا يعالجها سوى سيف القانون العادل والحازم والبتار، كما جاء في كلمة الرئيس القصيرة عقب صلاة الجمعة بمسجد الشيخ عبدالرحيم القناوي بقنا. التحقيقات السريعة وصدور حكم عادل بخصوص قتلة الشاب وأولئك الذين خربوا وحرقوا المنازل، من شأنه اشعار الجميع أنه لا فرق بين هذا وذاك. الكل سواسية والكل مواطنون، وبهذا لن نسمح لتسييس معارك يومية في الشارع ومشادات لا تخلو منها الحارات، سعيا من المتربصين إلى حريق طائفي يطفئ شهواتهم المريضة. [email protected]