تمر بعد غد الاثنين، الذكرى ال 66 لثورة 23 يوليو 1952، التي أنهت حكم الأسرة العلوية في مصر، ودشنت لتأسيس نظام جمهوري. ومع كل عام يتجدد الجدل حول الثورة التي قادتها مجموعة "الضباط الأحرار"، وفي القلب منهم الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، وعلاقة الأخير بجماعة "الإخوان المسلمين". ويقول باحثون، إن الجماعة التي تأسست في عام 1928 شاركت ببعض الضباط المحسوبين عليها في الإطاحة بحكم الملك فاروق، وكانت على علاقة طيبة بعبدالناصر، في مرحلة ما قبل الثورة والفترة الأولى التي تلتها. ومرت العلاقة بين "الإخوان" و"الضباط الأحرار" بعدة مرحل منذ ثورة 23 يوليو 1952 حتى حادث المنشية في 26 أكتوبر 1954، وكانت الوحيدة المستثناة من قرار حل الأحزاب والجمعيات، إلى أن حدث الصدم الشرس بين ناصر والجماعة والذي استمر حتى رحيله الناصر في مطلع سبعينيات القرن الماضي. وفي مقال سابق له، يقول الدكتور عماد أبوغازي وزير الثقافة الأسبق، إنه استمرت العلاقة الودية بين الجماعة و"الضباط الأحرار" ظاهريًا على الأقل في الشهور الأولى التالية لنجاح ثورة يوليو، وإن كانت البيانات التي صدرت بعد ذلك تشير إلى محاولات الإخوان فرض وصايتهم على ضباط يوليو. إذ يشير إلى أن "الإخوان" طالبوا بضرورة عرض القرارات الكبرى عليهم قبل إعلانها، ورفض مجلس قيادة الثورة هذه المحاولات دون أن تنقطع حبال الود بين الطرفين. وأوضح أبوغازي، أنه عندما شكل محمد نجيب – أول رئيس لمصر بعد ثورة يوليو - وزارته الأولى في 7 سبتمبر 1952 خلفًا لوزارة علي ماهر، ضمت الوزارة الشيخ حسن الباقوري وزيرًا للأوقاف. وأضاف: "كان مجلس قيادة الثورة على استعداد لأن يمنح الإخوان ثلاث حقائب وزارية، إلا أن الخلاف حول الأسماء أدى إلى الاكتفاء بالشيخ الباقوري فقط، الذي سارعت الجماعة بفصله بعد دخوله الوزارة". وتابع: "استمر مجلس قيادة الثورة على علاقة طيبة مع الإخوان، وفي 11 أكتوبر 1952 صدر عفو خاص عن المحكوم عليهم من جماعة "الإخوان المسلمين" في قضية اغتيال المستشار الخازندار وقضية اغتيال النقراشي باشا وقضية قنابل المدرسة الخديوية، وجميعها قضايا وقعت في العصر الملكي، وقد خرج المسجونون من السجن إلى دار الإخوان المسلمين، كما صدر العفو عن المتهمين في قضية قنابل الإسكندرية". وذكر أبوغازي أنه "عندما تم تشكيل لجنة لصياغة دستور جديد للبلاد، ضم التشكيل ثلاثة ممثلين للإخوان في اللجنة هم: عبدالقادر عودة وصالح عشماوي وحسن عشماوي، في الوقت الذي كان فيه حزب الأغلبية الذي يحظى بالشعبية، حزب الوفد ممثلًا بأربعة أعضاء فقط، وكل من حزبي الأحرار والسعديين بعضوين لكل منهما". ولفت إلى أنه "عندما صدر في 18 يناير 1953 مرسومًا بحل الأحزاب ومصادرة أموالها واستمرارًا لمحاباة مجلس الثورة للإخوان تم استثناء جماعة الإخوان المسلمين رغم تقديمهم إخطار تكوين حزب عندما صدر قانون الأحزاب في 9 سبتمبر 52 لوزارة الداخلية". وفي نفس السياق، تمت محاكمة إبراهيم باشا عبد الهادي رئيس الوزراء السابق، وعدو الإخوان اللدود أمام محكمة الثورة، وحكم عليه بالإعدام ثم خفف الحكم إلى المؤبد، ومن ضمن التهم التي وجهت إليه تيسير قتل حسن البنا، مؤسس جماعة "الإخوان المسلمين". ومضى وزير الثقافة الأسبق في روايته: "جاء الصدام الأول المكشوف بين "الإخوان" ومجلس قيادة الثورة في يناير 54، وعلى وجه التحديد في يوم 12 يناير، يوم الاحتفال بالشهداء في الجامعة، فقد أعد طلاب الإخوان للاحتفال بهذا اليوم وقرروا أن يفرضوا سيطرتهم على الاحتفال، ووقعت اشتباكات بين الطلاب من الإخوان وطلاب منظمة الشباب الموالين لمجلس الثورة، واتهم الإخوان يومها بالتآمر لزعزعة استقرار البلاد". وذكر أبوغازي، أنه "في يوم 14 يناير 1954 أصدر مجلس قيادة الثورة قرارًا بحل جماعة الإخوان المسلمين لتآمرهم مع السفارة البريطانية على قلب نظام الحكم، وتم اعتقال المرشد و450 عضوًا من أعضاء الجماعة، وقد أصدر مجلس قيادة الثورة بيانًا مطولًا شرح فيه تطور العلاقة بين الجماعة والمجلس منذ البداية حتى صدور قرار الحل، أي منذ صبيحة يوم 23 يوليو 1952 حتى 14 يناير 1954، وقد حوى البيان ثلاثة عشر نقطة". ومضى أبوغازي قائلاً: "عند هذا الحد انضم الإخوان المسلمون إلى الأحزاب والقوى الديمقراطية في مساندة الرئيس محمد نجيب في مواجهته مع مجلس قيادة الثورة، وذلك بالاشتراك في مظاهرة 28 فبراير 54 التي أعادت نجيب إلى السلطة بعد إبعاده في المرة الأولى، بل إن الإخوان لعبوا الدور الأكبر في هذه التحركات الشعبية، فطوال عام ونصف تلقت فيه الأحزاب والقوى الديمقراطية واليسارية الضربة تلو الضربة كان الإخوان بمنأى عن هذه الضربات حتى صدر قرار الحل وما أعقبه من اعتقالات، وقد شارك في هذه المظاهرات الشعبية إلى جانب الإخوان كل من الوفديين والشيوعيين والاشتراكيين، وقبض على 118 من المشاركين من بينهم 46 من عناصر الإخوان". وأشار أبوغازي إلى أنه "سرعان ما عادت المياه إلى مجاريها عندما اتصل عبد الناصر بقادة الإخوان المعتقلين في السجن الحربي في نهاية مارس لاستمالتهم إلى جانبه في صراعه مع نجيب، وقد نجح بالفعل في تحييد موقفهم مقابل عودتهم للنشاط بحرية في الشارع، وقد كان؛ لكن إلى حين". وأكد أبوغازي أنه "في صيف عام 1954 بدأ الصدام بين الإخوان ومجلس قيادة الثورة في يوم الجمعة 27 أغسطس 1954، ففي ذلك اليوم، وفي حي منيل الروضة وعقب صلاة الجمعة اعتلى القيادي الإخواني حسن دوح المنبر بمسجد شريف، وألقى خطابًا هاجم فيه سياسات مجلس قيادة الثورة وما تقوم به من إجراءات وخرج بمظاهرة من المسجد اشتبكت بها قوات الشرطة ووقعت إصابات في الجانبين، وفي نفس اليوم خرجت مظاهرات بقيادة الإخوان المسلمين في طنطا اشتبكت هي الأخرى مع الشرطة". "يومًا بعد يوم كانت الأمور بين الطرفين تسير من سيء إلى أسوأ، إلى أن كانت القطيعة النهائية مع حادث المنشية يوم 26 أكتوبر 1954، كان عبد الناصر يخطب في ميدان المنشية بالإسكندرية في احتفال شعبي بتوقيع اتفاقية الجلاء، وأثناء إلقاء جمال عبدالناصر لخطابه أطلق عليه شاب ثمان رصاصات، وتصور الحضور أن عبد الناصر أصيب، وحاول الحرس الخاص إخراجه من موقع الحدث، لكنه رفض وواصل إلقاء خطابه قائلًا: “أيها الرجال فليبق كلٌ في مكانه، حياتي فداء لمصر، دمي فداء لمصر، أيها الرجال، أيها الأحرار، أتكلم إليكم بعون الله بعد أن حاول المغرضون أن يعتدوا علي، إن حياة جمال عبد الناصر ملك لكم، عشت لكم وسأعيش حتى أموت عاملًا من أجلكم ومكافحًا في سبيلكم، سيروا على بركة الله، والله معكم ولن يخذلكم، فلن تكون حياة مصر معلقة بحياة جمال عبد الناصر، إنها معلقة بكم أنتم وبشجاعتكم وكفاحكم، إن مصر اليوم قد حصلت على عزتها وعلى كرامتها وحريتها، سيروا على بركة الله نحو المجد نحو العزة نحو الكرامة"، كما نقل أبوغازي. عقب ذلك، يشير إلى أنه "تم القبض على الشاب الذي أطلق الرصاص وكان اسمه محمود عبد اللطيف، كان يعمل سمكري بإمبابة وينتمي للإخوان المسلمين حسب الرواية الرسمية، ووفقًا لرواية المؤرخ عبد الرحمن الرافعي في كتابه "ثورة 23 يوليو 1952" فإن محاولة اغتيال عبد الناصر قد رفعت من رصيده شعبيًا وساعدت في التفاف الجماهير حوله، وبغض النظر عن مدى صحة تقدير الرافعي الذي كتب كتابه سنة 1959 فالمؤكد أن النظام قد استفاد من الحادث استفادة سياسية كبيرة". من جانبه، قال سامح عيد، الباحث في الحركات الإسلامية، إن "أعضاء جماعة الإخوان كان لهم دور لا يمكن إنكاره في ثورة 23 يوليو 1952، حيث إن بعض الضباط الأحرار الذين قاموا بالثورة كانوا علة علاقة طيبة بالجماعة وشارك بعض الضباط المحسوبين عليها في الثورة أيضًا". وأضاف عيد ل "المصريون": "الزعيم الراحل جمال عبدالناصر القائد الفعلي لثورة يوليو كان على علاقة طيبة مع الإخوان في الأيام الأولي لثورة يوليو، ولكن حدث الصدام بين عبد الناصر والإخوان بسبب إن الإخوان أرادوا أن يحكموا مصر من خلف الستار وأن يكونوا هم الحاكم الفعلي لمصر، ولكن عبد الناصر رفض ذلك وأصر أن يحكم منفردًا بعيدًا عن سيطرة الإخوان، ومن هنا كان الصدام بين عبد الناصر وجماعة الإخوان". وأشار عيد إلى أن "جماعة الإخوان تحالفت مع اللواء محمد نجيب أول رئيس جمهورية لمصر، وأحد كبار ضباط ثورة يوليو ضد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، وهذا كان من ضمن الأسباب التي أدت إلى خلافات جوهرية بين نجيب وناصر انتهت بعزل نجيب من حكم مصر وتولية عبدالناصر السلطة بمباركة أعضاء مجلس قيادة الثورة". ولفت إلى أن "الصدام بين عبد الناصر والإخوان بلغ ذروته في حادث المنشية بالإسكندرية عام 1954وما نسب للجماعة من محاولتهم اغتياله، وكان هذا الحادث نقطة التحول الصدامي بين الجانبين حتى رحيل عبد الناصر في عام 1970".