في وقت بالغ الحساسية لمصر وبعض البلاد العربية الإسلامية أصدرت الخارجية الأمريكية تقريرها السنوي عن ما تسميه الحريات الدينية لعام 2005 والذي صدر أول أمس. وبالنسبة لمصر جاء التقرير في ذروة الانتخابات التشريعية التي تشهدها مصر الآن ، وأيضاً في أعقاب أحداث الإسكندرية الأخيرة التي احتجت فيها جموع المسلمين علي عرض كنيسة ماري جرجس بمنطقة محرم بك لمسرحية تسخر من الإسلام والمسلمين ومن الرسول محمد صلي الله عليه وسلم. التقرير يبدي اعتراضه علي أحكام الشريعة الإسلامية فيما يختص بالزواج والميراث الشرعي، كما يحتج التقرير أيضاً علي منع الكتب والكتابات التي تخص علي الفجور والتشكيك في عقيدة المسلمين ، ويستنكر أيضاً محاكمة أدعياء النبوة والذين يزدرءون الأديان. التقرير في نفس الوقت يبدي تعاطفاً مع المذهب البهائي ويطالب الحكومة المصرية بالاعتراف به. وكالعادة يتناول التقرير المسألة القبطية مردداً المزاعم والادعاءات القديمة بشأن الاضطهاد والقيود المفروضة علي بناء الكنائس وغير ذلك فيما اعتاد الأمريكان ترديده في كل مناسبة. ويستهل التقرير الأمريكي سطوره مؤكداً أن المادة 46 من الدستور المصري تنص علي حرية الاعتقاد والممارسة الدينية، لكن الحكومة المصرية تضع القيود علي التمتع بهذه الحقوق ، مشيراً إلي القيود التي تضغط بها الحكومة علي أعضاء المذهب البهائي وعدم الاعتراف به. ويقول التقرير إنه يلزم للاعتراف بأي جماعة دينية جديدة في مصر التقدم بطلب إلي الشئون الدينية بوزارة الداخلية لإبداء الرأي في هذه الجماعة فيما إذا كانت تهدد الأمن والسلم الاجتماعي والوحدة الوطنية أم لا ، ثم يحال الأمر إلي شيخ الأزهر وبابا الكنيسة الأرثوذكسية لإبداء رأيهم ، فإن جاءت بالموافقة يحال الأمر إلي رئيس الجمهورية لإصدار قرار جمهوري سواء بالاعتراف أو الرفض. ويقول التقرير إن أي جماعة أو مذهب ديني جديد في مصر يمكن أن يواجه أعضاءه بالمحاكمة طبقاً للمادة 98 من قانون العقوبات بتهمة ازدراء الأديان إذا حاول ممارسة شعائره الدينية دون الحصول علي قرار جمهوري بالاعتراف به. وأشار التقرير إلي أن آخر اعتراف حكومي بجماعة دينية جديدة كان قبل عام 1990 لجماعة التوراة المعمداني. وبالنسبة للشأن القبطي في مصر مازال التقرير الأمريكي " للحريات الدينية في مصر " يزعم أن الخط الهمايوني ما زال يحكم عملية بناء وإصلاح وترميم الكنائس رغم اعتراف هذا التقرير في فقرة لاحقة أن الرئيس مبارك كان قد أصدر عام 1999 قراراً جمهورياً رقم 453 تخضع بمقتضاه مسائل بناء وإصلاح الكنائس للقوانين المعمول بها في أعمال البناء والتشييد. وأشار التقرير إلي تصريحات وزير الأوقاف د. محمود حمدي زقزوق بشان أعداد المساجد في مصر مركزاً علي أن هناك 18 ألف مسجد أهلي لا تخضع للأوقاف من أصل 92 و 500 مسجد ، حيث ألمح التقرير إلي ضرورة إغلاق هذه المساجد حتى يتم ضمها للأوقاف ويكون أئمتها تحت السيطرة. وينوه التقرير برفض وزارة الداخلية تغيير البيانات المدنية للمسلمين المتحولين للمسيحية. كما تعرض التقرير إلي قضية وفاء قسطنطين ملقياً باللائمة علي الشرطة المصرية. ويشكك التقرير في الإحصائيات الرسمية لأعداد المسيحيين في مصر حيث تشير الإحصائيات الرسمية إلي أن أعدادهم تمثل 8 % من إجمالي سكان مصر البالغ 72 مليون نسمة في حين يقول التقرير أن أعداد المسيحيين بمصر 12 / 15 % حوالي 10.8 مليون نسمة مركزين في صعيد مصر والقاهرة والإسكندرية وطالب التقرير الحكومة المصرية بأن تدفع رواتب رجال الدين المسيحي وكذلك نفقات بناء وإصلاح الكنائس كما يحدث مع المساجد. وأستعرض التقرير أسماء بعض الكنائس في أسيوط والقاهرة والمنيا ومدينة العاشر من رمضان والباجور بالمنوفية التي تأخرت في الحصول علي تراخيص البناء، لكنها في النهاية حصلت عليها. وأستنكر التقرير صدور حكم قضائي في 31 مارس 2004 من محكمة جنح المعادي ضد إبراهيم أحمد أبو شوشة و 11 من أتباعه بالسجن لازدرائهم الدين الإسلامي واعتناقهم عقيدة دينية تنقص من الإسلام كما أنهم حاولوا ترويج معتقداتهم بين الناس. لم ينس التقرير أن يحرض الحكومة علي جماعة الإخوان المسلمين حيث يقول التقرير إن القانون المصري لا يسمح بقيام أحزاب سياسية تقوم علي أساس ديني ، ولكن الحكومة بالرغم من ذلك تسمح لجماعة الإخوان المسلمين بممارسة نشاطها السياسي والديني بشكل مفتوح وعلني كما أن الحكومة تسمح لبعض أعضاء وقيادات الجماعة بالسفر رغم وجود قرارات إدارية تمنع سفرهم ، حيث أعتبر التقرير أن هذا يعد تحيزاً لصالح الجماعة، علي عكس ما كانت تذكره التقارير الأخري. ومر التقرير مرور الكرام دون تعليق علي اعتقالات الحكومة لأعضاء الجماعة وكذا حادث وفاة طارق الغانم عضو الجماعة أثناء اعتقاله لدي مباحث أمن الدولة. وعن السامية ومعاداة السامية خص التقرير مصر بالجزء الأكبر بمعاداة السامية سواء في الصحافة المقروءة أو المسموعة أو المرئية. ويقول التقرير أن تبريرات الحكومة المصرية بشأن تزايد ظاهرة معاداة السامية إنما هي رد فعل للاعتداءات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين إنما هي تبريرات غير مقنعة. كما أعرب التقرير عن رفضه لقرار محكمة القضاء الإداري عام 2004 والمؤيد لقرار نفس المحكمة في 2001 الذي قضي بمنع إقامة احتفالات " مولد أبو حصيره " في مدينة دمنهور بالبحيرة. وحاول التقرير التشكيك في تنفيذ هذا القرار حيث زعم أن هناك تقارير أشارت إلي إقامة هذا الاحتفال في يناير 2005 هذا العام وعلي نفس السياق أدان التقرير منع الحجاج المسيحيين زيارة القدس وفقاً لفتوى من البابا شنودة بمنع الحجيج الأقباط زيارة القدس منذ توقيع اتفاقية السلام مع إسرائيل عام 1979 إلا أن التقرير زعم أن 735 قبطياً مصرياً زاروا القدس للحج العام الماضي وفقاً لإحصائيات وزارة الداخلية الإسرائيلية. ومن منطلق معاداة الإسلام والعقيدة الإسلامية نصب تقرير الحريات الدينية من نفسه مدافعاً عن كل كاتب يطعن في الإسلام أو ينشر كتاباً يشكك في ثوابت العقيدة ، أو تحاول الترويج للرذيلة أو إشاعة الرزيلة. التقرير ينتقد بشدة أحكام القضاء وقرارات مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر التي منعت نشر بعض الكتب التي تطعن في الإسلام وتشكك في ثوابت العقيدة. كما أنتقد التقرير وزير العدل الذي أصدر قرارا بمنح شيخ الأزهر سلطة مصادرة أي منشورات أو شرائط مسموعة أو مرئية أو أي مواد فنية تكون متناقضة مع الدين الإسلامي. وحاول التقرير التذكير بالدكتور نصر حامد أبو زيد ونوال السعداوي وهشام البحريني وإقبال بركة حيث منع نشر مؤلفات لهم كانت تسئ للإسلام ، كما أدان التقرير رفع دعوى قضائية علي الكاتبة إقبال بركة لمصادرة كتباها" نظرة متحررة للحجاب" وفصلها من نقابة الصحفيين ، كما انتقد التقرير وسائل الإعلام المصرية لعرضها البرامج الإسلامية التي تدل علي أسبقية الإسلام بين الأديان السماوية ،وطالب التقرير إلغاء الصفحات الدينية في الصحف المصرية خاصة " الأهرام". قال التقرير إن الصفحات الدينية غالباً ما تنشر تقارير عن المتحولين من المسيحية للإسلام موضحاً أن أحوال هؤلاء تحسنت وأنهم يعيشون في سلام واستقرار أخلاقي كانوا يفتقرون إليها في دياناتهم السابقة. وطالب التقرير أن تذاع برامج مسيحية علي القنوات التلفزيونية المصرية . وأستعرض التقرير بعض المزاعم القبطية بوجود تمييز ضدهم خاصة في التعيينات في الوظائف العليا في الجامعات والشرطة والجيش وأيضاً منع الأقباط من الالتحاق بجامعة الأزهر ، وعدم قبول الطلاب الأقباط في أقسام دراسة اللغة العربية بزعم أن الدراسة تتضمن دراسة للقرآن الكريم حسب زعم التقرير، وشن التقرير هجوماً شرساً على نصوص الميراث في الشريعة الإسلامية خاصة ما ينص علي حرمان الأرامل المسيحيات من ميراث أزواجهن المسلمين وكذا حرمان المرتدين عن الإسلام من كل حقوق الميراث. وحث التقرير القضاء المصري علي الاستجابة لمطلب النساء المطالبة بالخلع. كما أنتقد القانون المصري والشريعة الإسلامية التي تحرم زواج المسيحي من أمرأه مسلمة دون أن يعتنقوا الإسلام مطالبا بالمساواة التي تتيح للشباب المسلم أن يتزوج من المسيحية سواء أسلمت أم لم تسلم. وبإصرار غريب علي انتقاد أحكام القضاء المصري وفي محاولة رخيصة لتأجيج نار الفتنة الطائفية ينتقد التقرير حكم محكمة الاستئناف في يونيو 2004 بتأييد براءة 94 متهماً من أصل 96 متهماً في أحداث قرية الكشح حيث يذكر التقرير عدد ضحايا الأقباط بأنهم 21 قتيل ، كما يزعم بأن الحكم المذكور لم يترك أي خيارات قانونية لنشطاء حقوق الإنسان مما يعني أن القائمين علي أعداد التقرير كانوا يتمنون إدانة 94 بريئاً من المسلمين. وأيضاً ما زال التقرير ينتقد أحكام القضاء مشيراً إلي قضية وليام شيبوب الذي أتهم بقتل أقباط في قرية الكشح ، حيث يزعم أن القضاء أدان شيبوب لأنه مسيحي . ويدين التقرير فتوى مجمع البحوث الإسلامية بوصف البهائيين بأنهم مرتدون عن الإسلام. كما أنتقد احتجاز شخص يدعي محمد رمضان وحسين الدريني مسلم شيعي لمدة 15 شهراً دون محاكمة وصدور قرارات بالإفراج عنه ولا تنفذ مع إساءة معاملته كما تم احتجاز8 آخرين شيعة عام 2003 في رأس غارب بسبب مذهبهم الشيعي. وأيضاً اعتقال إبراهيم صالح متولي لوجهات نظره التقدمية في الإسلام ، ولم يذكر التقرير هذه وجهات النظر التقدمية التي يزعمها. ورغم إدانة أمريكا لكل المنظمات الإسلامية المعتدلة منها وغير المعتدلة إلا أن التقرير أدان اعتقال 26 شخصاً من بينهم أشخاص بريطانيون لعضويتهم في منظمة غير شعبية هدامة ( حزب التحرير الإسلامي) حسب وصف التقرير!!. ويؤكد التقرير مكذباً ادعاءات أقباط المهجر بأن الحكومة المصرية لم تمارس قط الضغط علي أي قبطي للتحول للإٍسلام ، أو أن هناك أي اختطاف قصري للبنات أو النساء لإجبارهن علي التحول للإٍسلام ، وإنما هناك حالات حب تنشأ بين فتيات قبطيات وشباب مسلمين تهرب علي إثره الفتاة مع الشاب لتتزوجه كما حدث مع وفاء قسطنطين في محافظة البحيرة 2004. وأشار التقرير إلي العديد من حالات التحول من المسيحية إلي الإسلام في عدد من محافظات مصر ومنها الإسكندرية مثل حالة الطالب فايد شمروخ الذي أدعت أسرته اختفاءه ثم أعادته الشرطة لهم وتعرض التقرير إلي مظاهرات عدد من الأقباط في فبراير الماضي بالفيوم حيث أكد أن التظاهرة قامت بزعم إجبار الفتيات علي التحول للإسلام لكن لم يثبت هذا. كما أشاد التقرير بموافقة وزارة الداخلية المصرية أن تعقد الكنيسة جلسات النصح والإرشاد مع المتحولين للإسلام لإعادتهم للمسيحية.