إنه عالم ربانى صبور ومجاهد إسلامى غيور، غرة فى جبين الزمان، وقف أسدًا جسورًا فى وجه الطغيان، قاتلوه، حاربوه، سجنوه، فما لان ولا استكان ولا باع دينه أبدًا للطغاة ولا للطغيان. إنه فضيلة الشيخ الدكتور/ عمر عبد الرحمن. عالم فقيه، زاهد ورع، مجاهد مثابر، وأستاذ من أساتذة الأزهر الشريف وعلمائه الأجلاء.. تكلم حين سكت الناس وأظهر كلمة الحق حين أخفاها الناس، كان سيفًا على الطغيان وحربًا على علماء السلطان، وشامة ودُرَّة بين العلماء الشجعان، عانى الأمرَّين لإعلاء راية الإسلام، جاهد هنا وهناك، تركوه فى المساجد الكبيرة فدعى إلى الله، فلما التف الناس حوله نفوه إلى أقاصى صعيد مصر فى زوايا صغيرة فدعى إلى الله، فالتفت حوله القلوب النقية المتعطشة إلى الدين وشريعته. لا ترى مؤتمرًا إلا وفيه المجاهد عمر، ولا مناظرة إلا وفيها الشجاع عمر، ولا دعوة لله هنا أو هناك إلا وفيها المصابر والمثابر عمر. حاربوه قاصدين تكميم دعوته ومصادرة فهمه وعلمه، وضيقوا عليه فى لقمة عيشه، بل وحددوا إقامته فلم ينالوا من همته وعزيمته إلا كما ينال الذباب من ضياء الشمس فى رابعة النهار، وشتان الفارق بين الثَّرى والثُّريَّا!! كيَّلوا له التُّهم واحتالوا عليه، وألَّبوا كل قوى العالم للقضاء عليه، ولكنهم باءوا بالفشل والخسران، لأنه رجل أحب الله فأحبه ربه وحببه إلى خلقه. والآن أيها العالم الجليل.. عذرًا لقد كانت الأمة أسيرة حينما أسروك، قيدوها قبل أن يقيدوك، طوقوا حريتها قبل أن يطوقوك وأفسدوا عليها قبل أن يفسدوا عليك، واغتالوها قبل أن يغتالوا دعوتك، صادروها وساوموا عليها قبل أن يساوموا عليك، سلموها لأمريكا قبل أن يسلموك إليها!! لكنك كما عهدناك أنت كما أنت شامخ فى دعوتك، قوى فى عزيمتك، عظيم فى دينك، راسخ فى يقينك. أبدًا لن ننساك، وكيف ننساك وأنت تذكرنا بإمام أهل السنة أحمد بن حنبل الذى عاش المحنة فى أشد عصور الفتنة فما كبا ولا نبا ولا تلعثم ولا تردد فى قول الحق ولو كان الموت دونه.. وهكذا أنت.. أنت أيها الأسير الحر، كنت ولا زلت مثالاً للعالم العامل والمجاهد والمقاتل، ما سمعنا القرآن منك مرة إلا وبكت القلوب قبل العيون، فأنت تقرؤه وكأنما تنزل على قلبك.. لك فى الحق صولة، وفى الانتصار لدينك جولة. إذا اعتذرنا للشهيد مرة نعتذر إليك ألف مرة، فأنت صاحب الدعوة الحُرَّة ومِن أوَّل من فجَّر ينابيع الثورة. أيها الشيخ القانت الصبور لقد فجَّرت فى أرض الذل، ومن صخر الأسر والمهانة، ينابيع العزة والكرامة، وفى جوف صحراء الفقر والجوع حققت بصبرك سبيل العز والخلاص، وكتبت (ومعك إخوانك الأُسارى فى سجون الظالمين) لأجيال الحاضر بوعد الله خط سير الثورة المباركة وأوضحتم عمق قضية الدين والوطن، وباسم الله وبسلطان الله كانت ثورة الأحرار وهبَّة الثوار وكأنه وحى شعَّ من السماء، فنقل مصر من رمْضاء الظلم وجحيم البلاء إلى أنهار العزة ونعيم السمو والعلياء!! أيها العالم الغيور كان الإيمان بقلبك قوة ساحرة استمكنت من شعاب القلب وتغلغلت فى أعماقه فجعلت من المستحيل ممكنًا.. لقد حوَّل إيمانك بالله هذه السجون والشدائد التى عشتها وكابدتها إلى حدائق غَنَّاء، وقصور زاهرة من تحتها أنهار جارية ونعيم لا يوصف!! كنت إذا أوذيت احتسبت، وإذا حاربك عبيد الرجس من الأوثان لزمت الصبر والثبات، ويقينك الغالى بالله يثق بأن هذه الحرب الكذوب سينجلى غبارها يومًا ما، وستنكشف عن شهداء مؤمنين قائمين بأمر الله وعن هلكى ومجرمين مدحورين بإذن الله.