سنحتاج لسنوات لإزالة شبح مبارك وزحزحته عن الواقع المصرى وعن حياة المصريين وذاكرتهم الجمعية؛ فشبح الديكتاتور لا يزال مهيمنًا فى ممارسات النخبة والعامة، ولا يزال يطارد الديمقراطية المصرية الوليدة محاولاً خنقها فى المهد. عجوز شرير كاره للمصريين سلبهم ثرواتهم وسعادتهم وإنسانيتهم، ليس هذا هو الوصف الدقيق، إنما نقابل يوميًا آلاف الأشرار ممن يعيقون التطوير ويقفون أمام التغيير، وممن يكرسون للديكتاتورية واغتيال كل خطوة فى طريق النهضة، وخنق كل محاولة لإعلاء صوت الجماهير واحترام اختياراته.. بالأمس فقط بعد الاتفاق مع الأجهزة التنفيذية فى المدينة التى أقطنها وخروجهم مع القوى الشعبية لتنفيذ خطة مرورية مبتكرة للحد من الزحام فى الميادين الرئيسية خرجت أشباح الرجل الشرير تطارد بقوة وبجاحة الساعين للتطوير، لكى لا يشعر الناس أن خيرًا لهم تحقق على أيديهم، وفى كل مدينة من مدن مصر يخرج أشباح مبارك بمجرد أن يشتموا رائحة حماسة الشباب واشتياقهم لواقع مختلف، وفى الغالب تتنصر إرادة الأشباح لتساهل الأجهزة التنفيذية وسلبية رجال الشرطة المتعمدة. سكتوا عن كل ما كان فى عهد مبارك من ظلم وفساد دستورى وسياسى واجتماعى، واليوم يتطاولون على الشرفاء ابتداءً من رئيس الجمهورية وحتى أصغر شاب خرج حاملاً بجسده النحيل حجرًا ليضعه فى بناء النهضة.. ألا يستحون؟ قبلها بأيام جاءنى صديق يهاجم باستماتة الرئيس مرسى وتساءل نفس السؤال الذى سأله أشباح مبارك، الذين خرجوا يطاردون تنفيذ خطة تطوير ميدان المدينة، فقال: ماذا فعل مرسى؟ قلت له: مرسى فعل فى شهر واحد ما لم يفعله مبارك فى ثلاثين عامًا؛ ففضلاً عن اختيار الشعب له بإرادة حرة فى انتخابات نزيهة، فقد تواصل مع الناس وفتح قنوات الاتصال بهم وصار بإمكان الواحد منا عرض همومه ومظلمته على رئيس الجمهورية كما لو كان يتحدث مع صديق له، فى حين كانت مقابلة موظف بدرجة محافظ فى عهد مبارك من النوادر والمستحيلات، وجاء مرسى نازعًا عنه عباءة جماعة الإخوان مرتديًا قميص رئيس كل المصريين، متخففًا من مظاهر العظمة مقدمًا راحة المواطن على كل شىء، ومخاطبًا المصريين كما يخاطب الخادم سيده. هنا يظهر شبح الرجل الشرير فى أصوات النخبة والعامة معاً التى لا تقبل بديمقراطية تدفع بالإسلاميين إلى السلطة أو تصل بأحد رموز الإخوان إلى سدة الرئاسة؛ فالإخوان مكانهم الطبيعى فى السجون وليس قصور الحكم! إنه صوت مبارك نسمعه منطلقاً من حناجر سياسيين ومثقفين اتهموا الشعب بالغباء والنفاق ووصفوه بأحط الصفات لمجرد أنه انتخب خصمًا لهم رئيسًا، لدرجة أن إحداهن طالبت بمنح صوتين للمتعلمين وصوت للأميين، فالمصريون لا يفهمون الديمقراطية ولا يستحقونها! نفس الأصوات سمعتها من العامة فى الميدان عندما نزلنا ننفذ خطة التطوير إياها، فالخطة "وحشة" لأنها فكرة الإخوان، بدون نقاش ولا قبول للجدل فى الإيجابيات والسلبيات!! أشباح الرجل الشرير تدس أنفها فى كل شىء وفى كل قرار، ولا شىء على الإطلاق يمر دون نزع صلاحياته وبركته وفتيل نوره، ولا شىء على الإطلاق عائد للشعب وإرادته، إنما لإرادة الأشباح المتربصة، فهى التى تفكر وتوجه وتنفذ وهى التى تشرع وتضع الدستور والقوانين. سنحتاج بلا شك لسنوات طوال حتى نتخلص من هذه السموم، وهذا الإرث الثقيل الذى ورثناه من الرجل الشرير.