كنا فى سنين ماضية ومنذ أكثر من عشرين عامًا نقول، إن الأمر يحتاج فى ليبيا إلى "هزة عرجون" قوية لتسقط "التمور"، الفاسدة الميتة (الخربة) ولا تنقل خرابها لبقية الثمار. والعرجون يعرفه كل العرب ومتفق عليه بعرجون التمر أو البلح أو الدقلة. وهذه الاستعارة، التى هى عادة العرب، الذين دائمًا ما يستعيرون فى رؤاهم الاجتماعية والسياسية بالنبات أو الأرض أو السماء أو الحيوان، وبالتالى كانت استعارة "هز العرجون" تعبيرًا عن الحاجة لثورة تصحيح قوية لقلع الفساد من جذوره وإبقاء الثمار الصالحة وإيقاف انتشار الفاسد منها لبقية الثمار الطيبة. نعم إن ثورة 17 فبراير هزت العرجون هزًّا عنيفًَا، فاقتلعت من خلال هذا الهز رأس النظام وأعوانه من السلطة، واستمرت العملية لأن عرجون الطاغية، كان صعبًا مقارنة ببقية الطغاة الآخرين، وكافح الشباب كفاحًا حقيقيًّا من أجل اقتلاعه، وكان لهم- بعزيمتهم ونصرة الله لهم- ما أرادوا وفرحنا جميعًا وحتى "الجرابيع" القذافية، اختبأت فى جحورها فى أيام الأمواج الشعبية العارمة فى فتوحات توالت من طرابلس إلى سرت إلى بنى وليد حتى الانتهاء من الطاغوت الأكبر. نعم كانت أيام جميلة وحس وطنى مرهف بديع، هو- حتمًا- نتاج عن إرادة شعبية لن تموت أبدًا، وليعلم الجميع أن من هزوا العرجون يوم 17 فبراير قادرون على هزه مرات أخرى حتى يتم تنظيف كل الشوائب، وفى هذا المقال يتطلب الأمر التطرق إلى بعض النقاط، التى بدأت تطفو على السطح، وبظهورها وجدنا زيادة فى التمور الفاسدة فى العرجون الليبى. النقطة الأولى: التكالب على المال والجشع الغريب، الذى ظهر هذه الأيام، وهو أمر فى واقعه يدل دلالة كاملة على نقص كبير فى الإيمان وانحدار فى السلوك السوى عند البعض، منهم قلة ممن كانوا فى ميادين الثورة المختلفة، فما رأيته ولمسته من مقايضات لأعوان وأتباع النظام لتقديم العون والحراسة لهم، خاصة الرأسماليين "المحاسيب"، بل واستغلالهم فى أخذ أموال طائلة منهم من أجل تهريب الأموال، وكذلك وضع حماية مسلحة على بعض ممتلكاتهم، وكل ذلك عمل مقيت مهين يجعلنا بكل قوة نقول: إن هؤلاء ثمار فاسدة تسلقت فى عرجون ليبيا النقى ولا بد من إسقاطهم. الثانية: الأسلوب العقيم المركزى المقيت المتعفن فى إدارة شئون الدولة التنفيذية الانتقالية، أظهر لنا تمور طحالبية متعفنة تنكد كل يوم على الشعب بعدم دفع المرتبات أو التوجه إلى الإدارات العامة المركزية دون أى خطوات جادة من أجل حل هذه المشاكل المحلية، التى تمس المواطن ودون الاهتمام بتغيير نوعية وأسلوب الإدارة المحلية، وهى الأهم بالنسبة للناس، هذا الأسلوب أظهر للأسف تسيّبًا فى إدارة الأموال وبعثرتها، والأمثلة كثيرة ولا يمكن لنا أن نسمح لهؤلاء بأن يستمروا فى الحكومة الجديدة، وهنا علينا أن نعترف بأن هناك جهودًا مبذولة مشكورة من قبل بعض الوزارات يعرفها كل الليبيين والليبيات، وهى نتاج لحكمة وإخلاص الوزير المسئول وكفاءته وأمانته وليس سياسة عامة للحكومة بدليل أنها لا تتعدى الخمس وزارات. الثالثة: الشللية.. عندما قام الشعب بثورته قام حقيقة ضد الشللية والأسرة والمجموعة الحاكمة المتعفنة المستبدة، وضد الوساطة والمحسوبية؛ ولكن لم يعتبروا الإخوان فى إدارة ليبيا الجديدة بهذا، بل إن الحكومة المؤقتة بحجة تكوين فريق من المستشارين جمعت فريقًا من الأصحاب والأحباب والمعارف والأقارب من الإخوة وأولاد العم وأصبحوا يتصلون، بل يقترحون على الناس مواقع وحقائب وزارية، وليبيا لن تكون يا سادة مرة أخرى مقاطعة لأحد بدون ذكر الأسماء، والجميع يعرف جيدًا من يقوم بذلك وإن كان يعتقد هو وشلته أن الليبيين لا يعلمون ذلك فهو مخطئ، ونحن نقول ذلك ونورده هنا، حتى يتعظ القادمون فى المؤتمر الوطنى الجديد والحكومة القادمة من ذلك ولا يقعوا فى الأخطاء نفسها. الرابعة: العمولات والمشروعات، فمن خلال تواجدى فى بعض الدول الأوروبية شاهدت الصورة القديمة بدأت تخرج علينا من جديد، وللأسف بنفس الأشخاص من أصحاب الرأسمال المسروق من أموال ليبيا، بدأت تظهر الاتصالات والسفريات والعطاءات (الدكنونية) والشركات ال"أوف شور" والعمولات، بدأت كظاهرة تعمل بشكل خطير عن طريق أصحاب النفوس المريضة المتسلقون مرضى المال، وهم فعلا طحالب بمعنى الكلمة سواء من كان لهم علاقة بالنظام السابق أو طحالب ما بعد التحرير، ولا أتجاوز إن قلت طحالب الثورة، مصاصو أموال ليبيا، هؤلاء سيسقطون لأن العرجون سوف يهتز بقوة وبفعل القانون، وهنا لا مجال لنا إلا أن نصدر وبسرعة قرارًا جريئًا بأن اقتصاد ليبيا اقتصاد حر، وإن الشركات العربية والدولية لها أن تعمل فى ليبيا وتشارك فى العطاءات دون وسطاء، وكسر هذا الجدار لا يتم إلا بإنهاء هذه القوانين التى تغدى فى إمكانية التحايل وإرغام المصنعين والشركات على دفع العمولات. فلنجعل العمل حرًّا، ونجنى الضرائب، ونشترط تعيين الليبيين للعمل فى هذه المؤسسات، كى لا يستفيد عدد قليل من الوسطاء المؤثرين بتحايلهم لجنى أموال ليست من حقهم، بل هى حق الشعب، وبذلك ستقوم هذه الشركات بالعمل دون تشغيل الليبيين بل يسهلون عليها استجلاب العمالة من الخارج. الخامسة: عدم السماح لأى فرد كان أو جماعة، بأن تتصرف فى شأن عام بدون رأى الدولة ومنع هذه التجاوزات ولو بالقوة، ولا يجوز لنا أن نسمح لأى كان أن يجمع ناسًا لكى يعتصموا من الموظفين لإزالة رئيس المصلحة، وعلينا أن ننظم الآلية المعروفة عالميًّا بالنقابات ولجانها النقابية للدفاع عن الحقوق، ونرسخ أن من حق العامل والموظف المطالبة بحقوقه؛ ولكن ليس هو من يختار رئيسه. [email protected]