لا شيء جديد على المنطقة العربيَّة، فمنذ عهد الصَّفويين والقاجريين، مروًا بعهد الشَّاه، ووصولًا لدولة الخميني، ونحن لا نرى إلَّا كراهية فاسدة من جميع الأنظمة الإيرانية والأطماع التَّوسعية لهم في المنطقة العربيَّة عامة والخليجية خاصة. وإذا كانت دولة الشَّاه والخميني تكرهان المنطقة العربيَّة، فقد كانت الدَّولة الصَّفوية ثمَّ القاجرية هما العدوَّيْن اللَّدوديْن للخلافة الإسلامية، فكراهيتهم لدولتنا الإسلامية كراهية لا يمكن لقلم أن يصفها، حيث لم يتركا مجالًا ولا مخططًا لهدم الأُمَّة العربيَّة إلَّا وكانتا في مقدِّمة الممولين لإسقاط الإسلام والعروبة. بل لم يتورعا عن ضربنا خلال الفتوحات الإسلامية في أوروبا، وذلك بالتَّعاون مع الأعداء حتى تفشَّت الرُّوح العدائية التَّوسعية عندهم يتوارثها نظام بعد نظام حتى وصلنا إلى ملالي إيران الحاليين. ولمَن لا يعرف تاريخ الدَّولة الصَّفوية، فهي نسبة إلى إسماعيل الصَّفوي، الذي ظهر مطلع القرن العاشر الهجري، واستطاع إقامة دولة شِيعية في إيران ليُنصِّب نفسه ملكًا، ويستبدل المذهب الشِّيعي مكان الدِّين الإسلامي الحنيف والمذهب السُّنِّي، ثمَّ أخذه غروره فاستولى على العراق، وأرسل دُعاته لنشر المذهب الشِّيعي في الأناضول، ليقف أمامه السُّلطان سليم الأول ويُعلن الحرب على الصَّفويين في صِدام قوي بينهما، وقد انتهى بمعركةٍ فاصلة في منطقة وادي جالديران بإيران في عام 920 ه، الموافق 24 أغسطس لعام 1514م، وتحسم المدفعية العثمانية المعركة ليلوذ الصَّفوي بالفرار ، ومن ثَمَّ يتمزق جيشه. وما أشبه اللَّيلة بالبارحة، فالكثير مِنَّا لا يعلم أنَّ الخميني ظهر في البداية عام 1979م، وهو يُعلن أنَّ ثورته إسلامية وضدّ كافة أشكال الظُّلم، و تتلخص بنودها في رفع المظالم، وعودة العلاقات الإيرانية مع الشُّعوب الأخرى، ودول الجِوار، إلى علاقات طبيعيَّة، مع حلِّ المشاكل العالقة بين إيران ودول بعينها، وذلك وفق (المفاهيم الإسلامية)، ولكن ما لبثت أن عادت الأمور إلى سابق عهدها فلم ترد الجُزر الإمارتية " طنب الكُبرى، طنب الصُّغرى، أبو موسى" حتى الآن، وبات كلام الخميني منذ قدومه إيران كلامًا معسولًا يخفي في طياته نوايا عدوانيَّة ناعمة، لا تقل خطرًا عن الصَّفوية القديمة، لتبدأ جولات الثَّورة الإسلاميَّة في تصديرها للمشاكل والأزمات والصِّراعات، بل ويتحول أصل أعمالهم إلى جوهر العمل السِّياسي، والمخابراتي، والاقتصادي، والدِّيني، لتحويل الجميع إلى وجهةٍ واحدة، وهي التَّأكيد على فارسية الخليج، فلماذا كلّ هذه الكراهية والضَّغينة التي تحملها الأنظمة الفارسية للعالم العربي بكلِّ وجوه العنصرية المقيتة. لقد تحملت جميع الأنظمة العربيَّة وبخاصة الخليجية منها كافة الاستفزازات الإيرانية التي يطلقها أنظمة طهران من حينٍ لآخر، فتارة يُعلن الخميني أنَّ الطَّريق إلى القدس يمرُّ عبر إيران، وتارة نرى النِّظام الإيراني يدعم كلّ أشكال الفوضى، وإشاعة الفتنة في دول الجِوار، وحتَّى حَرَم الله – تعالى -الذي جعله الله مثابةً للناس وأمنًا وأمانًا، لم يَسلم من فتنتهم، فرأينا العديد من مشاهد الفِتن والأحقاد الدَّفينة، وذلك خلال مواسم الطَّاعات في الحج، وصلت أعتى مشاهدها إلى إزهاق الدِّماء الطَّاهرة، وترويع الآمنين وإرهابهم في جِوار بيت الله المعظَّم. والحديث عن التَّدخلات الإيرانية في الشُّئون العربيَّة مليء بالمواقف التي تنم عن عدائية وكراهية غريبة، وربما يكون الباعث الرَّئيس لها هو كراهيتهم للإسلام السُّنِّي في الأساس، بالإضافة لرغبتهم الحثيثة في السَّيطرة الدِّينية عبر مراجعهم الدِّينية، والسَّطو على الاقتصاد والدِّين والسِّياسية في المحيط الخليجي. وخير دليل على الأطماع الإيرانية والرَّغبة في التَّدخلات المستمرة ما حدث في أزمة الجُزر الإمارتية – كما أشرنا آنفًا -، ففي الثَّلاثين من ديسمبر لعام 1971م، قامت إيران بأعمالٍ عسكرية ضدّ ثلاث جُزر عربية (طنب الكُبرى، طنب الصُّغرى، أبو موسى)، واحتلتها ورفعت العلم الإيراني على سفح جبل "الحلوى"، كما أقدمت على تشريد سُكان الجُزر وتهجيرهم إلى ساحل عمان. والطَّريف في الأمر أنَّ هذا الاحتلال جاء بعد ثلاثة شهور من تنازل إيران عن المطالبة بضمِّ البحرين إلى أراضيها، وهو ما يُشير بجلاء لأطماعهم ورغبتهم في ضمِّ أيَّة منطقة عربية وأنها استبدلت منطقة بأُخرى، حيث جاء الاحتلال الإيراني قبل انسحاب بريطانيا من الخليج العربي ب 48 ساعة فقط، ممَّا يشير إلى تواطئ بريطاني مع بلاد فارس الشِّيعية خاصة، والأهم أنَّ هذه الجُزر في غاية الأهمية لِمَا تمتاز به من مساحةٍ، وموقعٍ إستراتيجي بوقوعها عند مضيق باب السَّلام (هرمز)، والذي يمرُّ منه حوالي 75% تقريبًا من إجمالي النّفط العالمي. وعلى المسار الدِّيني والصِّدامات الفارسية مع بلاد الحَرَمين، فلن يُطمس تاريخ المؤامرات الإيرانية التي حِيكَت لإيذاء مشاعر المسلمين تجاه مقدساتهم سواء في البيت الحَرَام أو المسجد النَّبوي، فخلال سبتمبر لعام 1982م، تظاهر مجموعة من الحُجاج الإيرانيين أمام المسجد النَّبوي في المدينةالمنورة، ورددوا هتافات بعد صلاة العصر، رافعين صور الخميني، فيما تدخلت قوات الأمن ومنعت المسيرة. ثمَّ أقدمت الحكومة الإيرانية على فعلةٍ "خسيسة"، وهي إصدار أوامر لحُجاجها بحمل كميات من المتفجرات والأسلحة البيضاء، خلال الحادث الكبير الذي شهدته الكعبة المشرفة عصر الجمعة وقبل بدء الحج بيومين عام 1986م، إضافة إلى تشكيل مسيرة صاخبة أشاعت الفوضى والاضطراب بين حُجاج بيت الله وأوصدت المسيرة منافذ الطُّرقات وعرقلت مسالك المرور، ممَّا اضطر رجال الشرطة آنذاك للتعامل مع المسيرة وفضِّها وإعادة الأمور إلى مجراها الطَّبيعي. وجاءت حادثة منى عام 2015م، لتظهر إيران وجهها القبيح وكراهيتها المقيتة للمشاعر الإسلامية السُنية ، فخلال هذه الحادثة التي وقعت أول أيام عيد الأضحى وراح ضحيتها ما يقرب من 2000 حاج تقريبًا، لتُصَّعِد إيران لهجتها الهجومية على المَملكة وتتهمها بالسَّعي إلى قتل الحُجاج الإيرانيين، في الوقت الذي كشف فيه دبلوماسي إيراني مُنشق عن وجود سِت ضباط من الحرس الثَّوري الإيراني هم الذين افتعلوا الحادث، تنفيذًا للرغبة الإيرانية بتنفيذ مخطط يهدف إلى: "سقوط أكبر عدد من الوفيات وقيام مظاهرات كبيرة تتخللها أعمال عنف" في موسم الحج، حتى تتمكن بعدها من المطالبة بتدويل الحج، بحيث تتولى دولة إسلامية تنظيمه كلّ عام، وهو ما رفضته على التَّوِ معظم الدِّول الإسلامية والعربيَّة متمسكين بتنظيم المَملكة السُّعودية لموسم الحج. ويكفي للإشارة إلى كم الحقد الإيراني الدَّفين على بلاد الحرمين ما ذكره الخميني ذات مرة، معلِّقًا على أحداث مكةالمكرمة عام 1987م، جاء فيه: " قد نتنازل عن القدس ونسامح صَدام ونغفر لكلِّ مَن أساء لنا، أهون علينا من الحجاز (السُّعودية)، لأنَّ مسألة الحجاز هي من نوع آخر، هذه المسألة هي أهم المسائل، علينا أن نحاربها بكلِّ طاقاتنا وأن نحشد كلّ المسلمين والعالم ضدّها، كلٌّ بطريقته ". فقد اختزلت تلك العبارة في طياتها الكثير والكثير تجاه الموقف الإيراني من المَملكة السُّعودية، ممَّا يجعلنا نقف ونفرض عِدَّة تساؤلات تجول في ألباب القاصي والدَّاني، وتمخضت في التَّالي: لِمَا كلّ هذه الكراهية؟ ولماذا نرى بعض الحكومات تتعاون مع إيران وتصفها بالصَّديق؟ فهل مَن يريد تدمير الكعبة وهدمها أو تدويل قضية الحج والرَّغبة في تسيسها يمكن أن يكون من الأصدقاء الأوفياء؟! ومَن يدريك أنه لن يجير عليك مستقبلًا بعد معاونتك له على ظلم أخيك والنَّيل منه؟ وكيف تأمن الدِّول الإسلامية من شرِّ دولة عضو معها في منظمة التَّعاون الإسلامي، وهي تراها تحتل قطعة من أرض دولة إسلامية وعربية شقيقة...؟ أي عقل ومنطق يقبل هذا العَته السِّياسي في سكوت العرب عن أخطاء دولة استعمارية لا يقل خطرها عن بريطانيا وفرنسا؟ وما الفرق إذن بين إيران وإسرائيل؟!