أظهرت النتائج الأولية للانتخابات البلدية التونسية تقدمًا لافتًا لحركة النهضة على منافسها الأول حزب نداء تونس، وأعطت عمليات الفرز الأولية نسبة 27.5% لصالح حركة النهضة مقابل 22.5في المائة لصالح نداء تونس و14 في المائة لباقي الأحزاب السياسية و8 في المائة للقوائم الائتلافية، وتوزعت النسبة الباقية على القوائم المستقلة . الفوز الأخير لحركة النهضة ذراع جماعة الإخوان المسلمين في تونس، جعل الكثيرين ينظرون إلي التجربة بأنها ليس كغيرها من التجارب الإسلامية في البلدان العربية، والتي أثبتت فشلها، وعلي رأسهم تجربة جماعة الإخوان المسلمين في مصر، وأن التركيز علي التجربة التونسية وخاصة للإسلاميين أصبح ضرورة لغيرها من الحركات الإسلامية، والتي لم تستطع القيام بنفس الأمور التي أدت إلي نجاح حركة النهضة في السيطرة على مقاليد الحكم في تونس بشكل ديمقراطي علي الرغم من تعرضها للعديد من الأزمات. وتبقي النجاحات التي تحققها حركة النهضة بقيادة، الشيخ راشد الغنوشي، لم تكن لتتحقق لولا مرور الحركة واتخاذها عدة قرارات كانت سببا رئيسيا في ثقة الشعب التونسي بها، علي الرغم من الانفتاحية الكبرى التي تتميز بها تونس، والتي تتصادم أحيانا مع صحيح الدين والشريعة الإسلامية، والتي تعتبر المنهج الأساسي الذي تقوم عليه حركة النهضة في مواجهة، علمانية منافسها الرئيسي حزب نداء تونس بقيادة الرئيس باجي قايد السبسي. أول هذه القرارات لحركة النهضة، كانت عقب ثورة الياسمين في 2011 مباشرة، ومع تحصل حركة النهضة وحزبها السياسي علي النسبة الغالبة في المجلس النيابي، رفضت الاستئثار بشئون الحكم، علي الرغم من تمكنها من ذلك، وقررت الدخول في تحالف ثلاثي، تحصل من خلاله علي رئاسة مجلس الوزراء والحكومة التنفيذية، فيما يحصل "التكتل" علي رئاسة البرلمان في الوقت الذي تحصل فيه حزب "المؤتمر من أجل الجمهورية" اليساري علي منصب رئاسة الجمهورية والتي تقلدها الدكتور منصف المرزوقي المناضل التونسي المعروف. وعلي الرغم من الانفتاح الشديد الذي يشير إليه هذا التحالف، ما بين التيار المدني بشقيه الليبرالي واليساري، واليميني المتمثل في حركة النهضة، إلا أن اتهامات الاستئثار بالسلطة، لاحقت حركة النهضة، وزعيمها راشد الغنوشي، بسبب انتمائه إلي جماعة الإخوان المسلمين الدولية، الأمر الذي جعله يقدم علي قرار الاستقالة من المجلس الدولي لإدارة الجماعة، ويعلن انفصال الحركة بشكل كامل عن التنظيم الدولي لجماعة الإخوان. في عام 2014، كانت أبرز مراحل انحدار منحني الحركة الإسلامية التونسية، متأثرة بالأحداث في مصر، وعزل جماعة الإخوان المسلمين عن الحكم، وخسرت الحركة انتخابات الجمعية التأسيسية، لصالح حزب "نداء تونس" الناشئ، والذي أسسه أخر رئيس حكومة في عهد الرئيس المخلوع "بن علي" باجي قايد السبسي، والذي قرر الاستئثار بالحكومة، وعدم إشراك النهضة في أي تحالف حكومي. إلا أن النهضة استقبل الأمر بصدر واسع، وقرر عدم الدخول في صدام مع الديمقراطية التي أقرها الشارع، ورفض ترشيح احد كوادره في انتخابات رئاسة الجمهورية، حتى لا تطوله اتهامات الاستئثار في بلد تحكمه العلمانية منذ سنوات، بينما فاز الباجي قايد السبسى بالانتخابات الرئاسية في مواجهة المنصف المرزوقي. تحركات النهضة الهادئة، ومحاولات السبسي بالسيطرة انقلبت عليه، وأعلن أكثر من 28 عضو من نداء تونس الاستقالة من الحزب، الأمر الذي أدي إلي عودة حركة النهضة إلي الصدارة، والحصول علي أغلبية الجمعية التأسيسية بما يسمح له بالدخول بشكل مؤكد في تحالف مع نداء تونس لتشكيل حكومة جديدة، وهو ما حصل عليه بعد التفاوض بين راشد الغنوشي، رئيس الحركة والباجي قايد السبسى، رئيس تونس وحركة النداء. وعلي الرغم من التمسك الشديد من الحركة بقواعد الشريعة الإسلامية، والمناداة بتطبيقها، إلا إنها رضخت لقرار الرئيس التونسي، بالمساواة في توزيع الإرث بين الرجال والنساء، بالإضافة إلي منع الزواج الثاني والسماح للمرأة المسلمة بالزواج من غير المسلم، وهي نصوص متعارضة بشكل قاطع مع الشريعة الإسلامية، حسبما خرج الأزهر الشريف ليرفض هذه القرارات، في الوقت الذي أيدت حركة النهضة من خلال القيادي الدعوي داخلها "عبد العزيز مورو" بيان الأزهر، فيما قبلها الحزب في النهاية دون اللجوء إلي عنف أو الدخول في صدام يهز أركان الدولة. ولا يزال النهضة في تونس يضرب العديد من الأمثال، برفضه التحالف مع الحركات الإسلامية المشابهة له داخل تونس، والإصرار علي التحالف مع الحركات المدنية المنفتحة، سواء المنصف المرزوقي مرة، والذي كان من اكبر معارضيهم وتحول الي أكبر داعم لهم، أو مع السبسي ابرز منافسيه الحاليين والذي سيضطر إلي التحالف معهم بعد فوزهم بالانتخابات البلدية، وسيطرتهم علي البرلمان.