مثلت الشكوى التي تقدم بها السودان ضد مصر في مجلس الأمن، بشأن إجراء الانتخابات الرئاسية الشهر الماضي، في مثلث "حلايب وشلاتين وأبو رماد"، مفاجأة غير متوقعة للمتابعين لتطورات العلاقة بين البلدين، لا سيما أنها تأتي في الوقت الذي يعلنان فيه عن أن العلاقات بينهما في طريقها إلى التحسن، وإنهاء كافة الخلافات قريبًا، وذلك بعد زيارات متبادلة بين الجانبين خلال الفترة الأخيرة. وأعلن وزير الخارجية السوداني، إبراهيم غندور، أن بلاده تقدمت بشكوى لمجلس الأمن الدولي ضد مصر، على خلفية ما وصفها ب "إجراءات تصعيديه غير مبررة لا تصب في مصلحة تلك العلاقات، في الفترة من ديسمبر 2017 وحتى مارس 2018". ومن الإجراءات المصرية، حسب غندور، "توقيع برتوكولين لإنشاء ميناءين للصيد في شلاتين وأبو رماد، وتكريس وضع الاحتلال (حسب وصفه) القائم بإقامة خطط ومشروعات تهدف لطمس الهوية السودانية، وتغيير أسماء المعالم والمرافق العامة". فضلاً عن "فرض سياسة الأمر الواقع وإجراء الانتخابات الرئاسية، والشروع في إنشاء محطات تحليه مياه البحر الأحمر بحلايب وأبورماد، ودعوة شركات أجنبية للاستثمار في الثروات المعدنية والبحرية في المنطقة، وممارسة الصيد الجائر للثروة السمكية". الدكتورة نهى بكر، أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الأمريكية، وصفت تصريحات وزير الخارجية السوداني ب "الغريبة"، متسائلة: "كيف يتم الإعلان عن أن هناك تهدئة بين الجانبين، في حين تقوم السودان بهذا الإجراء ضد مصر". وفي تصريح إلى "المصريون"، قالت بكر، إن "مصر أعلنت مرارًا وتكرارًا عن أنها لن تتنازل عن حبة واحدة من تراب حلايب وشلاتين، وعلى الرغم من ذلك تتخذ الخرطوم مثل هذه الخطوات، ما يؤكد أنها من تصعد وتأزم القضية وليست القاهرة". وتابعت: "السودان كان عليه أن يتمسك بجنوب السودان وأن لا يسمح بما حدث، غير أنه لم يفعل، ويسعى الآن إلى اقتطاع جزء من الأراضي المصرية، وستظل الأزمة بين الدولتين قائمة على الرغم من العلاقات التاريخية بينهما". أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الأمريكية، لفتت إلى أن "هناك أطراف دولية وإقليمية مستفيدة من استمرار تلك الخلافات بين القاهرةوالخرطوم، ومن ثم تُحاول استغلال الأزمة بين الدولتين، عن طريق دفع السودان إلى اتخاذ مثل هذه الإجراءات، ما يؤدي إلى تعقيد العلاقات، وعدم التوصل لحلول بشأنها". بكر تعجبت من مطالبة الغندور، بالتفاوض حول مثلث "حلايب وشلاتين"، قائلة: "هل من المعقول أن أتفاوض على جزء من أرضي، هنا لا مجال للحديث أو التفاوض، ولتقم السودان بما تشاء، وفي نفس الوقت، ستقوم مصر بالرد عليها، وإثبات ملكيتها التاريخية لذلك المثلث". الدكتور سعيد اللاوندي، الخبير في العلاقات الدولية، قال إنه من الطبيعي أن تُجرى الانتخابات الرئاسية المصرية على "حلايب وشلاتين»، لا سيما أنهما جزء من الأراضي المصرية"، مشيرًا إلى أن "وجود خلافات بين القاهرةوالخرطوم لا يعني إيقاف النشاط المصري عليهما". وأضاف اللاوندي ل "المصريون": "تصريحات وزير الخارجية تعكس وجهة نظر الرئيس السوداني عمر البشير بشأن تلك المسألة، وأنه لا يقبل تمسك مصر بهما". وأوضح أن "السودان ليس له موقف ثابت، إذ أنه في الوقت الذي يُعلن فيه عن توطيد العلاقات بين الجانبين، يقوم بتقديم شكوى ضد مصر في مجلس الأمن". الخبير في العلاقات الدولية، قال إن "الخلافات المصرية السودانية لا تخطئها العين، وستظل قائمة"، مشيرًا إلى أنه "على الرغم من وجود خلافات كثيرة بين الدولتين وأبرزها أزمة "سد النهضة"، إلا أن قضية المثلث تُعد من أعقد القضايا بين الجانبين". وأوضح أن "مصر عليها حل تلك الأزمة اليوم وليس غد؛ حتى لا تظل قائمة وتزداد تعقيدًا، من الممكن أن يترتب عليه تفاقم الأزمات بين الدولتين التي تربطهما علاقات تاريخية قوية". اللاوندي مضى قائلًا: "مصر تمتلك كافة الوثائق التي تثبت أحقيتها وملكيتها لذلك المثلث وعليها الجلوس والتفاوض وإنهاء تلك الأزمة، والأكيد على أن السودان ليس لديها ما يثبت حديثها".