لطالما تغنى الشيوعيون والماركسيون المصريون في أبحاثهم النظرية بالإبداعات الميدانية للشعب القائد والمعلم في مقاومته للتبعية والفساد والاستبداد والتطرف على كافة الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، دون بحث مواز من جانبهم عن ماهية التجليات الميدانية لهذه الإبداعات الشعبية في أشكالها العملية المباشرة ضمن حياة المصريين اليومية وبالتالي دون سعي مواز لتنظيم هذه الأشكال ودعمها ودفعها نحو التقدم إلى الأمام الثوري، مع التزامهم بضرورة تحاشي الشعبوية عبر التصحيح والتصويب والتعديل الرفاقي لأية تجليات تنحرف بعيداً عن الاعتبارات العقائدية أو العملية للمسارات الوطنية الديمقراطية ذات الأعماق الاجتماعية والآفاق القومية، الأمر الذي أسهم في خلق فجوة معرفية لدى هؤلاء الشيوعيين والماركسيين عما يدور داخل أوساطهم الجماهيرية المجتمعية الافتراضية وبالتالي في خلق فجوة تواصل بين الطرفين استغلتها جيداً قوى الثورة المضادة، ولنأخذ فيما يلي على سبيل المثال لا الحصر ظاهرة إعلاء عوام المصريين للبعض منهم إلى درجة اعتبارهم أبطال بسبب مقاومتهم الإيجابية العشوائية المتمثلة في سرقة المال العام المسمى لدى عوام المصريين بمال الحكومة، حيث حصل المصريون خلال الأعوام العشرة الأخيرة من عدة مشايخ أزهريين ورجال قانون شعبويين على فتاوى كانوا يبحثون عنها بإلحاح ولعل أهمها الآتي:- 1- فتوى عدم إقامة حد السرقة على سارق مال الحكومة لشبهة مشاركة السارق في ملكية المال المسروق باعتباره مال عام. 2- فتوى إباحة كل أشكال التحايل كالواسطة والرشوة والكذب والتزوير من أجل حصول صاحب الحق على حقه لدى الحكومة. لتتجلى ترجمة هذه الفتاوى على أرض الواقع العملي في عدة أشكال سلوكية منها على سبيل الأمثلة لا الحصر التحايل بهدف الحصول من الحكومة على المستحقات الطبيعية كالسكن والطعام والشراب والعلاج والتعليم والتوظيف وغيرها، والتحايل بهدف الحصول على جميع الخدمات التي تحتكرها الحكومة كالمياه والكهرباء والغاز الطبيعي والبث التليفزيوني الأرضي والفضائي والاتصالات التليفونية والإلكترونية والمواصلات العامة وغيرها، سواء دون مقابل مالي أو بمقابل يقل عما تطلبه الحكومة كفواتير استهلاك نظير تقديمها لهذه الخدمات أو عبر عدم سداد الرسوم الحكومية المطلوبة للحصول عليها في البداية، والتحايل بهدف الحصول على الحدود القصوى لمختلف أنواع الاستحقاقات المالية لدى الحكومة من أجور ومرتبات ومعاشات وحوافز وبدلات ومكافآت وتأمينات وغيرها، ويعجز نظام الحكم القائم في مصر الآن رغم تعدد أدواته عن قمع هذه السلوكيات الشعبية بسبب انتشارها واتساع نطاقاتها البشرية والمكانية على نحو أكبر من طاقات السيطرة لتلك الأدوات كما يعجز عن الإشارة إليها في مؤسساته الإعلامية والثقافية والدينية تحاشياً لانتشارها، فيكتفي نظام الحكم بتعويض قيمة تلك الأموال المأخوذة منه عبر ابتكاره لعدة أساليب جديدة من أجل الحصول على المزيد من أموال الجماهير المصرية مما يحفز المزيد من المصريين على مقاومته عبر ابتكارهم لعدة أساليب جديدة في التحايل عليه وهلم جراً، حتى أن جماهير الشعب المصري قد اتفقت فيما بينها على وضع منظومة كاملة تشمل القواعد المشتركة لتنفيذ هذا التحايل وآلية حماية القائمين به، أولئك السارقين الذين أصبحت هذه الجماهير تراهم أبطالاً لكونهم يسرقون الحكومة التي تسرقهم!!. طارق المهدوي