لا أحد ينكر دور القضاء المصرى فى إعادة الحقوق للمواطنين، ونزاهته التى يشهد بها الجميع فى مصر خاصة الأحكام التى صدرت ضد رموز النظام السابق، والتى أشاد الجميع فيها بنزاهة القضاء المصرى بالقصاص ممن أفسدوا الحياة السياسية والاقتصادية فى مصر. ولكن البطء الشديد فى صدور الأحكام القضائية من بعض المحاكم والذى قد يصل إلى انتظار المواطن عدة سنوات انتظاراً للحكم، وعدم سرعة تنفيذ هذه الأحكام يصيب المواطنين بحالة من الإحباط فى الحصول على حقوقهم التى سلبت منهم من بعض الأشخاص أو من بعض المؤسسات سواء كانت حكومية أو خاصة. ولعل أهم القضايا التى يتم فيها تأخر صدور الأحكام القضائية للعديد من السنوات هى قضايا الميراث ومخالفات البناء وصحة التوقيع بالنسبة لبعض المبانى والعقارات وقضايا الفصل من العمل. وقد أكد العديد من القضاة أن ازدحام المحاكم بالقضايا وقلة عدد القضاة بالمقارنة بحجم القضايا يتسبب فى تأخر صدور الأحكام القضائية، بالإضافة إلى قيام العديد من المواطنين برفع العديد من القضايا لأقل الأسباب. وأشار القضاة إلى أنه يوجد بعض القضايا التى تحتاج إلى أدلة فنية وهندسية ولها فروع متعددة، مما يجعلها تحتاج للمزيد من الوقت لصدور الحكم القضائى فيها إلى جانب المناورات من بعض المحامين فى بعض القضايا، وأن آلية تنفيذ الأحكام القضائية هى مسئولية إدارة تنفيذ الأحكام بوزارة الداخلية والتى يعول عليها فى سرعة تنفيذ هذه الأحكام وأن ضعف جهاز الشرطة فى الفترة الأخيرة أدى إلى بطء تنفيذ الأحكام القضائية. وفى إطار ذلك استطلعت (المصريون) آراء العديد من القضاة والمستشارين للوقوف على أسباب تأخر صدور الأحكام القضائية فى العديد من القضايا التى تهم المواطن المصرى، وعدم سرعة تنفيذ هذه الأحكام القضائية وعلى مَن يقع عليه المسئولية فى ذلك. * المستشار محمود سامي: المحامون والخبراء من أهم أسباب تأخر صدور الأحكام والداخلية المسئولة عن عدم تنفيذ الأحكام فى البداية أكد المستشار محمود سامى، رئيس محكمة جنوبالقاهرة سابقاً، أن أسباب تأخر المحاكم فى إصدار الأحكام فى العديد من القضايا وخاصة المدنية يرجع إلى تأخر بعض الخبراء بالمحكمة فى بحث الجانب الفنى فى بعض القضايا التى تحتاج لأدلة فنية للحكم فيها. وأضاف سامى أن تلاعب المحامين فى بعض القضايا يؤدى إلى تأخر بعض القضاة فى إصدار الأحكام، بالإضافة إلى وجود خبرة محدودة لبعض القضاة فى إدارة بعض القضايا. مشيراً فى الوقت ذاته إلى أن القضاة يصدرون أحكاماً سريعة فى العديد من القضايا الجنائية بسبب أن القضية تكون مستوفية معظم الأدلة الجنائية. وعن الجهة المسئولة عن تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة من المحكمة أشار سامى إلى أن وزارة الداخلية هى التى يعول عليها تنفيذ الأحكام القضائية بما لديها من أجهزة تشمل قلم المحضرين والمخبرين وهم يعتمد عليهم بصفة أساسية فى ضبط وإحضار من صدر ضدهم الأحكام. وأوضح رئيس محكمة جنوبالقاهرة سابقاً أن الشرطة ضعفت كثيراً بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، والذى أثر بدوره على عدم سرعة تنفيذ العديد من الأحكام القضائية، وأكد أن عودة جهاز الشرطة بقوة مرة أخرى سيؤدى إلى سرعة تنفيذ الأحكام القضائية ضد المخالفين ومن صدرت ضدهم أحكام من القضاء المصرى. * المستشار محمد سالم: ضخامة حجم القضايا وقلة عدد القضاة يؤخران صدور الأحكام القضائية والعصبيات العائلية تعوق الشرطة فى تنفيذ أحكام القضاء على سياق آخر، أكد المستشار محمد عيد سالم، نائب رئيس محكمة النقض، أن سبب تأخر صدور الأحكام القضائية هو بعض المحاولات التى تتم من بعض المحامين للتحايل على القضاة. بالإضافة إلى أن هناك بعض القضايا التى تكون متشعبة مثل قضايا الميراث والتى تتشعب فيها الموضوعات والجزئيات ومليئة بالتفرعات العديدة مثل إعلان الوراثة وموت أحد الورثة، مما يتسبب فى تأخر صدور الأحكام القضائية فى مثل هذه القضايا. وأضاف سالم أن هناك بعض الدعاوى القضائية تحتاج إلى خبرات فنية وهندسية ويقوم فيها القاضى بانتداب بعض الخبراء للكشف عن هذه الأدلة مما يؤدى إلى تأخر صدور الأحكام أيضاً. وأشار سالم إلى أن هناك بعض الخصوم يطلبون التأجيل من المحكمة لدراسة القضية، مما يؤدى بدوره إلى تأخر صدور بعض الأحكام القضائية. وتابع سالم أن هناك بعض القضايا تكون جاهزة بالمستندات والأدلة الكافية يقوم القاضى فيها بالحكم مباشرة، نافياً فى الوقت ذاته أن يكون هناك أى تأخير من القاضى بالنسبة لسرعة إصدار أى حكم قضائى. وأوضح نائب رئيس محكمة النقض أن ضخامة العديد من القضايا التى تكون معروضة أمام القضاة، والتى تقدر حجمها بألف قضية تكون منظورة أمام القاضى الواحد وقيام بعض المواطنين برفع العديد من القضايا لأقل الأسباب، مما يؤدى بدوره إلى تأخر صدور الأحكام القضائية. ونوه سالم بأن تأخر آلية تنفيذ بعض الأحكام القضائية هى مسئولية وزارة الداخلية التى تقوم بعمل دراسة أمنية لتنفيذ الأحكام وأنه ليست كل المناطق التى تستخدم فيها الداخلية القوة لتنفيذ الأحكام تأتى بنتيجة، حيث يوجد بعض المناطق مثل العشوائيات وبعض الأحياء الشعبية والقرى والنجوع التى تحتوى على العائلات الضخمة والتى تعوق الشرطة عن تنفيذ الأحكام القضائية. ويضاف إلى ذلك أيضاً أنه لو استخدمت الشرطة لتنفيذ الأحكام القضائية فإنه من الممكن أن يلجأ من صدرت ضدهم بعض الأحكام القضائية إلى منظمات حقوق الإنسان ليقفوا بجانبهم ضد الشرطة، مما يضعف آلية الشرطة فى تنفيذ الأحكام. وحذر سالم من ضعف الشرطة فى الفترة الأخيرة، والذى ألقى بظلاله على عدم تنفيذ بعض الاحكام القضائية، لأن من صدر ضدهم أحكام قضائية يشعرون بأن الضابط المكلف بتنفيذ الأحكام يتبع جهازًا ضعيفًا ومن ثم يتم الاستهانة به من قبل المحكوم عليهم ومقاومته أو الهروب منه ومن ثم عدم نجاح الداخلية فى تنفيذ الحكم. وشدد نائب رئيس محكمة النقض على أن ما يقرب من 50% ممن يقومون برفع دعاوى قضائية فى المحاكم لا يرضون بالحكم ومن ثم يلجأون إلى النقض والاستئناف مما يلقى بظلاله على تأخر صدور الأحكام وتأخر تنفيذها أيضاً. * المستشار سمير جاويد: هناك 4 ملايين قضية صحة توقيع تعوق سرعة صدور الأحكام القضائية ومن زاوية أخرى، أكد المستشار سمير جاويد، رئيس محكمة جنايات السويس سابقاً، أن هناك بعض القضايا مثل قضايا صحة التوقيع على العقود لبعض المبانى والتى تقدر ب"4" ملايين قضية بالمحاكم وتشغل نسبة 30% من جملة القضايا المعروضة الآن أمام المحاكم ولو تمت إزالتها سيكون هناك سرعة كبيرة فى صدور الأحكام القضائية فى العديد من القضايا. وأضاف جاويد أنه لو تمت زيادة الرسوم القضائية الخاصة ببعض الدعاوى القضائية لرجال الأعمال، وتم إعطاء حافز للقضاة من هذه الرسوم من الممكن أن يؤدى ذلك إلى سرعة إصدار الأحكام القضائية فى هذه القضايا فى موعد أقصاه ثلاثة أشهر. وأشار رئيس محكمة جنايات السويس سابقاً إلى أن المسئول عن تنفيذ الأحكام القضائية هى وزارة الداخلية والتى يعول عليها فى تنفيذ هذه الأحكام وأن ضعف جهاز الشرطة فى الفترة الأخيرة قد أدى إلى البطء فى تنفيذ الأحكام القضائية. وأوضح جاويد أنه فى بعض الدول الغربية خاصة الولاياتالمتحدةالأمريكية هناك احترام شديد لآلية تنفيذ الأحكام ويتم تنفيذها على وجه السرعة وبمنتهى الدقة عن طريق الرقم القومى لمن صدر ضدهم أحكام قضائية، ويتم منع المحكوم عليهم فى حالة عدم تنفيذهم للأحكام من شغل الوظيفة ومن حقوقه السياسية وقد تصل إلى منعه من السير فى الشارع إذا لم يمتثل لتنفيذ الحكم القضائى مما يترتب عليه سرعة شديدة فى تنفيذ الأحكام القضائية هناك. * د. أحمد رفعت: إدارة تنفيذ الأحكام بوزارة الداخلية هى المسئولة عن تنفيذ الأحكام القضائية وازدحام المحاكم بالقضايا يعوق سرعة صدور الأحكام من منطلق آخر، أكد الدكتور أحمد رفعت، أستاذ القانون بجامعة القاهرة، أن القضاء فى مصر يمثل العدالة الناجزة وأن هناك بعض القضايا التى تحتاج إلى الوقت لسماع دفاع المتهمين وسماع الشهود حتى يتم إصدار أحكام دقيقة، وعلى الجانب الآخر، هناك بعض القضايا التى تكون مستوفاة للأدلة والمستندات. ومن ثم يتم الحكم فيها سريعاً وأن التأخير فى إصدار الأحكام القضائية من جانب بعض القضاة يرجع إلى ازدحام المحاكم بآلاف القضايا وهى كلها أمور خارجة عن إرادة القاضى ويجب تنظيمها. وأشار رفعت إلى أنه للأسف الشديد يقوم بعض المواطنين برفع قضايا لأقل الأسباب مما يحدث حالة من الإشغال الشديد داخل المحاكم ويؤثر بدوره على سرعة إصدار الأحكام القضائية. وأوضح رفعت أنه لابد من تغيير ثقافة التقاضى عند المواطنين لتكون بشكل أفضل ولا تتحول إلى ما يشبه الهواية عند بعض المواطنين، وأن هناك العديد من المحامين يشجعون العديد من المواطنين لرفع دعاوى قضائية وقد لا يستلزم الأمر ذلك. ونوه أستاذ القانون بجامعة القاهرة بأن وزارة الداخلية هى المسئولة عن سرعة تنفيذ الأحكام القضائية ويوجد إدارة مخصصة فى وزارة الداخلية فى تنفيذ الحكم القضائى ألا وهى إدارة تنفيذ الأحكام بوزارة الداخلية ولكى يتم تفعيل إدارة تنفيذ الأحكام لابد من تقوية جهاز الشرطة. وشدد رفعت على ضرورة تحذير المواطنين من عدم التعرض لرجال الشرطة فى تنفيذ الأحكام القضائية حتى يسهل عليهم ذلك فى سرعة تنفيذ الأحكام القضائية ضد من صدرت ضدهم الحكم القضائى.