(1) "أنا كنت أتمنى أن يكون موجود معنا واحد، أو اثنين، أو ثلاثة، أو عشرة من أفاضل الناس، وأنتم تختارون كما تشاؤون". هذه فقرة من حديث الرئيس في المقابلة التلفزيونية الثلاثاء الماضي موجهة للشعب المصري بشأن أن هناك مرشحاً وحيداً أمامه، ونقلتها من خبر وكالة الأنباء الفرنسية. (2) لكن، هل عقمت مصر الكبيرة العتيدة العظيمة صاحبة التاريخ الطويل والعريض والثري وأم الجغرافيا والدنيا أن تنجب عشرة أشخاص فقط للمنافسة في انتخابات الرئاسة 2018؟. كيف أنجبت 13 منهم في انتخابات 2013، بخلاف ال 10 الذين استبعدتهم اللجنة القضائية؟. لم يمر وقت طويل بعد على هذا الطابور من المرشحين حتى يمكن الاستنتاج مثلاً أن الرحم الخصب الولاًد تعرض لانتكاسة مفاجئة، وبات غير قادر على الإنجاب إلا بشق النفس. أن يكون هناك مرشحان فقط - السيسي، ومنافس وحيد أمامه، ويستكثر على نفسه أن يكون في هذا المكان - لا يعني مطلقاً أن مصر دولةً ونخباً سياسيةً وحزبيةً وفكريةً، وشعباً كبيراً خلاقاً، رائعاً، لم يكن في حالة جاهزية للدفع بعدد معقول من المرشحين لمنح الانتخابات الجدية والتنافسية التي يجب أن تكون عليها، ولجعل الشكل والجوهر متطابقين. هذه مسألة مهمة لا بد من التأكيد عليها حتى لا يظن أحد أن المصريين أصيبوا بالعقم سريعاً بعد أن كان في كل شبر من أرضها فتاة وفتى، شابة وشاب، امرأة ورجل، عجوز أو شيخ هرم، أمي أو متعلم، قليل الثقافة والسياسة أو غزيرهما، ريفي أو حضري، صعيدي أو بحري، بعد أن كان كل هؤلاء ينفجرون حديثاً في شؤون بلدهم وأحواله السياسية وغير السياسية ويفكرون ويناقشون ويحاورون ويجادلون ويتفقون ويختلفون ويدهشون ويجعلون العالم الحر الديمقراطي يزداد إعجاباً بهم وهم يقفون كما النخيل لساعات ولعدة كيلومترات طوابير أمام لجان التصويت وكل واحد منهم اختزن في عقله ووجدانه قراره في الاختيار مع أو ضد في الاستفتاءات، أو الانتخابات، ولم تكن ثقتهم في قرارهم التصويتي عشوائية بل نتاج متابعة جيدة وإحاطة واسعة. واحدة من شقيقاتي جعلتني أنتبه لحجم التغيير الذي يجرى في مصر عندما أخبرتني أنها تنوي التصويت ل حمدين صباحي في 2012، وكان عهدها بالحياة العامة أقل من عام ونصف العام بعد الثورة، وأحد الأنسباء كان متحمساً ل أحمد شفيق، وآخر كان يرى عمرو موسى الأفضل لقيادة المرحلة، وكنا زملاء وأصدقاء نتناقش حول برامج المرشحين وهي التي تحسم الاختيار وتوجهات التصويت ونسأل بعضاً: لمن ستصوت، لمن صوت؟، ولم يتفق خمسة مع بعضهم بعضاً على اختيار مرشح واحد. هذا هو دليل الوعي، معنى الحرية، فهم الديمقراطية، مسار الطريق الصحيح، حق الاختيار، تحرر الإرادة، تمكين الناس من الرسم الحقيقي لخطوط حاضرهم ومستقبلهم عبر أوراق الصناديق التي تتوزع بين مدارس ومذاهب سياسية وفكرية وأيدلوجية مختلفة. هكذا الديمقراطية نشأت ونمت وترعرت في بلدانها ومنابتها هناك في الغرب، وهكذا هي وصفتها الوحيدة لتنمو وتكبر إذا أُريد لها أن تكون نهج حكم وصلب نظام وعقيدة سياسية لدولة وشعب. كيف لا نكون جاهزين بالمرشحين، والإعلانات كانت تتوالى من "أفاضل" بخوض السباق لخدمة الوطن، أين هم الآن؟، وماذا جعلهم يتراجعون؟، وهناك من كانوا يرغبون، لكنهم يرون الساحة والبيئة والأجواء تتوجه وجهة معينة لا تجعل لهم مكاناً ولا وجوداً فيها، كأنهم فئة منبوذين بلا حقوق دستورية وقانونية؟. ليبيريا في غرب إفريقيا التي لا تُقارن بمصر في مختلف المؤشرات السياسية والبشرية والتنموية والتاريخية والديمجرافية - الكفة المصرية أرجح بكثير - تشهد انتخابات رئاسية نهاية العام الماضي أثارت إعجاب وترحيب القارة الإفريقية والعالم، توفرت فيها معايير الديمقراطية للانتخابات الحرة، جرت بين مرشحين ثقيلين، كانا يخوضان معركة سياسية بكل معنى الكلمة. لا يهم من كسب الجولة المهم أن الديمقراطية فازت في هذا البلد والنتائج الإيجابية ستتوالى عليه. هناك من يمكن أن يقول إنهما مرشحان فقط، ليسوا 13. نعم، هذا صحيح، فليكن مرشحان فقط، وليكن أحدهما غير مستدعى، غير مطلوب على عجل لأداء دور، والقيام بمهمة أثقل كثيراً منه، وأنا شخصياً مشفق عليه لأنه وجد نفسه يرتدي رداء ليس ردائه، ويقول كلاماً لم يعتد عليه لهذا وكما قلت في بداية المقال يستكثر على نفسه ما هو فيه، فينسى الحديث عن نفسه وعن أفكاره وبرامجه التي لم يجهوها ولم يكن يفكر فيها لأن الترشح لم يرد على خاطره، رجل يعمل للرئيس، وفي ظل الرئيس، كيف يرى نفسه منافساً للرئيس؟. كان يمكن أن يترشح من يحوز اقتناع عام بأنه جاد في المنافسة، وهؤلاء كانوا موجودين وجاهزين تماماً، أين الفريق أحمد شفيق مثلاً، تراجع عن الترشح، كم هم الذين ابتلعوا مبرره ولو على مضض؟، من زاوية أخرى ألا يلفت الانتباه أن التنافس الإعلامي عليه كان محموماً قبل ذلك، فهل يُعقل ألا يفكر أحد في استضافته ليتحدث ولو في أمور أخرى، كان سابقاً يتكلم كما يشاء في أي فضائية يشاء وبشروطه هو، حالة التعتيم الحالية تثير التساؤلات. مصر مستعدة أمس واليوم وغداً ليس بمرشحين اثنين فقط، إنما بعشرة، ومائة، وأكثر من ذلك لو تطلب الأمر. رحم مصر، سليم، ونظيف، وعفي، وقوي، وينجب أصحاء لديهم نمو مبكر يملأون الأرض إبداعاً، ويدهشون العالم عظمةً. [email protected]