لو تخيلنا أن مصر لم تكن فى حاجة إلى رئيس جمهورية أصلاً وأنه كان من الممكن أن كل واحد يخلى باله من نفسه ومن أسرته وخلاص بدل ما نوجع دماغنا ونحرق أعصابنا ونحارب عشان الانتخابات ما تتزورش، وعشان نجيب للرئيس صلاحياته، وعشان نرجع مجلس الشعب إللى إحنا انتخبناه وعشان نلغى الإعلان غير الدستورى المكبل ونطهر الإعلام والقضاء . ويا سلام لو اكتفينا بهذا القدر من الثورة وإننا مش محتاجين نضيع وقتنا فى صياغة دستور جديد يوهمونا فيه أن الشعب مصدر السلطات لأن ده مش حقيقى ومش هيكون حقيقى والحقيقة أن المحكمة الدستورية العليا رضى الله عنها فوق الشعب وهى وحدها مصدر السلطات وبمزاجها توزع الصلاحيات وتلغى أى قرارات وسر الطبخة فى الحيثيات. ويا سلام لو كان مبارك فكر شوية كان رفع قضية أمام المحكمة الدستورية العليا ضد ثورة 25 يناير، وكانت المحكمة هتحكم لصالحه بين صلاتى المغرب والعشاء بعدم دستورية الثورة وينشر الحكم بالمطابع الأميرية فورًا، وفى الحيثيات أن الشعب المصرى تعرض لخديعة كبرى من خلال فيرس انتشر على فيس بوك وبعض الشائعات بثها أحد البرامج الإذاعية ليثور ضد مبارك الأب والزعيم الذى أرسى قواعد الشرعية وعين هو وزوجته أعضاء المحكمة الدستورية وخلال ربع ساعة كانت كل الفضائيات ستشكر تلك المحكمة على قضائها العادل وسيخرج الفقهاء الدستوريون التابعون لمبارك ليشكروا المحكمة التى تصدت ببسالة لبلطجية 25 يناير وللشباب الذى انتحر فى الميدان وأنها حمت الشرعية الدستورية، ويؤكدوا أن الحكم واجب النفاذ بمنطوقه ويجب القبض على من يخالف حكم المحكمة حتى لو كان الشعب كله. وربما كنا سنخرج مما نحن فيه من الآن من حيرة فكيف ننتخب مجلس شعب ورئيس جمهورية لنفاجأ بأن من يحكمنا ويتحكم فى رقابنا مجلس عسكرى ومحكمة دستورية؟ وتلك المحكمة تبدو فى ظاهرها قضائية وفى باطنها سياسية ووجودها فى حد ذاته يشكك بشدة فى استقلال القضاء وكيلها بمكيالين أصبح أمرًا منتقدًا بشدة بمقارنة بين حل برلمان 1990 وحل برلمان الثورة، فالأول مزور واستغرق حله عدة سنوات والثانى شرعى يحل فى أيام فى سابقة لم تحدث منذ نشأتها وعندما رفض من عينهم تنفيذ القرار رأت تلك المحكمة أنه قرار سيادى ليس من اختصاصها وعندما أصدر الرئيس المنتخب قرارًا إداريًا بسحب قرار أحد مرءوسيه لينفذ الحكم خلال فترة محددة اجتمعت جمعيتها العمومية لتلغى القرار خلال 24 ساعة ولم تر أنه قرار سيادى؟ ولن أتعرض لرئيس نادى خدمى يدين بالولاء للمخلوع ولا تزيد مهامه عن توفير الشاى والقهوة والمصايف والعلاج لأعضاء النادى يتطاول على رئيس مصر المنتخب وفى نفس اليوم يمتدح أفشل إعلامى فى مصر فالطيور على أشكالها تقع والمستقبل لن يكون للأراجوزات. وإذا أردنا أن نستكمل ثورتنا وأن يكون لأبنائنا مستقبل فى دولة حرة فلنبدأ بتطهير الإعلام والقضاء وإلغاء الدستورية العليا، التى أصبحت أداة لذبح الثورة المصرية وإلغاء الإعلان غير الدستورى المكبل فورًا وتسليم ما لم يتم تسليمه من السلطة والوقوف خلف رئيسنا المنتخب حتى يسترد صلاحياته كاملةً ولا يجوز أخلاقيًا محاسبته قبل استرداد صلاحياته. [email protected]