الذين تعج بهم الساحة الإعلامية والسياسية الآن ممن يسمون بالتيار المدنى برعاية فلول مبارك، ينتمون فى أغلبهم إلى مدرسة عبد الناصر فى الصوت العالى والشعارات الرنانة الزائفة وادعاء البطولات الوهمية, ما نشاهده فى مصر الآن هو تحالف فلول النظام المخلوع مع فلول الناصرية، ضد الدولة الجديدة، برئيسها المنتخب بإيعاز من المجلس العسكرى، الذى يراقب من بعيد عن كثب نتيجة صراع يتحكم فيه عبر أخطر مؤسستين القضاء المسيس والإعلام الذى فضّل نار العسكرى حقداً وكرهاً فى جنة الدولة الدينية، التى فى خاطرهم فقط. يتباكى الناصريون ومعهم الليبراليون بطبيعة الحال على إهدار أحكام القضاء وعدم الانصياع لدولة القانون, وتناسوا أن زعيمهم الملهم عبد الناصر كان أول من داس على القانون بحذائه حينما حل الأحزاب السياسية واختصر الوطن كله فى شخصه, وعندما اختار الرئيس محمد نجيب الديمقراطية فيما يسمى بأزمة مارس1954 عزله وأهانه, بل قام بتجييش عمال النقل للقيام بإضراب يشل حركة البلاد والخروج فى مظاهرات تطالب بسقوط الديمقراطية والحرية، الذى وعد الشعب بالالتزام بهما فى أول بيان لانقلاب يوليو, وحينما طالبه الفقيه القانونى والدستورى عبد الرازق السنهورى باشا، رئيس مجلس الدولة بإرساء الديمقراطية وضرورة عودة الجيش إلى ثكناته منحازاً إلى الرئيس محمد نجيب وإلى المبدأ السادس الذى وضعه وهو إقامة حياة ديمقراطية سليمة فكان جزاؤه الضرب بالأحذية فى مقره بمجلس الدولة، وفرض عليه الإقامة الجبرية حتى وفاته 1971, وعزل أول رئيس للجمهورية بعد الملكية اللواء محمد نجيب فى سجن مهين بالمرج- ثم كانت مذبحة القضاة الشهيرة فى31 أغسطس1969 بعزل عبد الناصر أكثر من مائتى قاض بالمخالفة للقانون, نتيجة لتقارير كاذبة من أعضاء التنظيم الطليعى ذراع الاتحاد الاشتراكى(الحزب الأوحد للسلطة) تتهم القضاة بالعداء لنظام23يوليو, أين القضاء والقانون أيها الكذابون من فلول عبد الناصر، وأنتم أول من يحتقر القانون بحكم نزعاتكم الاستبدادية؟! يبدو أن السيد حمدين صباحى الصحفى، الذى يتكلم أكثر مما يكتب المرشح الخاسر والذى جاء ثالثاً فى السباق الرئاسى لم يكن يحلم أن يحل فى هذا المركز فأصابه الغرور وسط حشد من أنصاره من الناصريين والعلمانيين واليساريين رافعاً لنفس شعارات سيده عبد الناصر، والتى عفا عليها الزمن, وداعياً إلى تشكيل تياراً ثالثاً (يتوافق بالطبع مع المركزالثالث، الذى حصل عليه فى انتخابات الرئاسة) بين العسكرى والدينى، كما يزعمون, ويتبارون للظهور فى وسائل الإعلام المرئية طبعاً فى تظاهرة صحفية للمطالبة باستقلال مؤسساتهم الصحفية معلنين بداية رحلة الدفاع المقدس عن ملكيتها للشعب ضد أخونة مهنة الصحافة, وهل كانت الصحافة فى مصر مستقِلة بكسر القاف أم مستقَلة بفتح القاف؟! وهى التى قام عبدالناصر بتأميمها فى عام 1960؟ ولم يستطع كاتب أن يخرج خارج السرب وإلا فمعتقلات حمزة البسيونى فى السجن الحربى جاهزة لاستقبال أصحاب الرأى فى عصر قصف الأقلام وتكميم الأفواه وقطع الأرزاق – ألا يخجل هؤلاء من ماضيهم الذى جرّبته البلاد فى الخمسينيات والستينيات، والذى ندفع ثمنه غالياً حتى الآن, فعبد الناصر هو من أضاع السودان القريبة بفصلها عن مصر1956 بدعوى حق تقرير المصير بعد أن كانت مصر والسودان وطناً واحداً ثم أقام وحدة فاشلة مع سوريا الشقيقة البعيدة جغرافياً دون دراسة متأنية من1958حتى1961, ثم دخل اليمن 1962فى مغامرة غير محسوبة خرج منها مهزوماً, ثم النكسة الكبرى 5 يونيه1967، والذى أضاع فيها سيناء والقدس وغزة والضفة والجولان– هذا هو جمال عبد الناصر، الذى لم يمت، كما قال الرئيس الراحل السادات، والذى مازال يحكم على يد تلاميذه من العسكر الذين يتحكمون فى الجيش والشرطة والقضاء وتلاميذه من الليبراليين والقوميين الذين يديرون الإعلام- لقد سئمناكم وجرّبناكم بالفعل فدعونا نحيا كراماً أعزاء فى بلدٍ اختطفت عشرات السنين لصالح العسكر ومن دار فى فلكهم. [email protected].