يوم الأربعاء الماضي أعلنت سلطات الجمارك الكويتية ضبط تابوت فرعوني ضخم ، يصل إلى قرابة مترين طولا وحوالي نصف متر عرضا ، يشتبه في أنه أثر فرعوني ، قادما من مطار القاهرة في كنبة خشبية للتمويه ، وأن الجمارك أحالته إلى المجلس الوطني للثقافة المختص بشؤون الآثار لإجراء الكشف الأولي عليه ، وكانت اللجنة الأثرية التي شكلت لمعاينة التمثال برئاسة الدكتور سلطان الدويش مدير إدارة الآثار والمتاحف بالمجلس الوطني الكويتي، قد ضمت في عضويتها كل من: الدكتور السيد محفوظ، أستاذ التاريخ القديم والآثار بكلية الآداب بجامعة أسيوط والدكتور أحمد سعيد، أستاذ التاريخ القديم والآثار بكلية الآثار جامعة القاهرة والمعارين بدولة الكويت.حيث تبين بعد فحصهم العلمي الظاهري للتابوت ترجيح أن يكون أثرا فرعونيا بالفعل يعود إلى بداية العصر البطلمي ، ولكن حسم التأكيد يحتاج إلى أجهزة مخصصة لذلك ليست متوفرة . على مدار يومين ظل الخبر الصدمة يدور في الصحف والمواقع الإخبارية العربية والعالمية وسط حالة من الذهول ، في حين لم يصدر أي توضيح أو بيان رسمي من الجهات المصرية ، التي يفترض أنها مالكة لهذا الأثر وأن موضوعه يخصها باعتباره كارثة حقيقية ، لأن الذي تم تهريبه ليس قطعة في حجم الكف يمكن تصور احتمالية تهريبها ، وإنما تمثال ضخم يسد عين الشمس ، فكيف خرج من مطار القاهرة ، ومن الذي سمح بخروجه ، ومن الذي صدره بالأساس في الشحن ، كل هذا لم نسمع عنه شيئا طوال يومين ، ثم بدأت الأصوات الخجلى والباردة تخرج من القاهرة تتحدث عن مخاطبة الخارجية المصرية من أجل التواصل مع الخارجية الكويتية للبحث في مسألة التحقق من الأثر وإمكانية استعادته في مصر ، وكان البديهي إرسال وفد مصري عاجل من الخبراء للتحقق ، تشعر من التصريحات الرسمية الباردة أن الأمر ليس مفاجئا ، أو أن في المسألة لغزا يجعل المتحدثين يتحفظون في الكلام حتى يتبين لهم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من المصيبة ، غير أن الدكتور هاني أبو العزم رئيس الإدارة المركزية لمصر الوسطى بوزارة الآثار اعترف أن المعاينة أكدت أثرية الأثر المهرب للخارج وأنه يعود إلى العصر المتأخر “نهاية العصر الفرعوني وبداية البطلمي . سلطات مطار القاهرة الجوي قالت أن هناك تحقيقات موسعة تجري الآن، وذلك للوصول إلى كيفية خروج التابوت، وأنه بفحص الطرود المصدرة للكويت، تبين أن هناك طردا شخصيا فعلا تم تصديره من المطار بمعرفة شركة معتمدة ومسجلة، وخرج بشكل عادي دون أى مشاكل ، لكننا لا نعرف من هي هذه الشركة ، ومن أصحابها ، وكيف خرج الطرد بشكل عادي وفيه هذا التابوت . الواقعة تأتي في أجواء الضغوط الروسية وغيرها على مستويات الأمن والسيطرة في المطارات المصرية والتي كانت شرطا لعودة رحلات الطيران ثم عودة السياحة ، وهو ما يعني حرجا مضاعفا للحكومة المصرية في هذا الملف . التعليقات التي تواترت على الواقعة كانت كلها مترعة بالدهشة ، لأن إجراءات التفتيش في المطار وعموم المنافذ أصبحت أكثر تشددا ، وبشكل يمثل مبالغة وإزعاجا أحيانا للمسافرين وأمتعتهم ، فكيف غفلت أجهزة الأمن عن رؤية تابوت بهذا الحجم ومغلف في ألواح خشبية ، كنبة ، تجعل من البديهي أن تطرح فيها الظنون ، فمن هذا الذي قرر أن يصدر كنبة من الخشب إلى الكويت ، كما أن التحقيقات بطبيعة الحال لا بد وأن تشمل الإجابة عن سؤال : هل الكويت كانت الوجهة النهائية لهذا التابوت أم أنه كان مرورا إلى جهة أخرى نهائية . الحدث مخيف بالفعل ، ويعطي انطباعا بأن آثار مصر أصبحت نهبا مشاعا ، وأننا أمام شبكات دولية تمثل النفوذ والقدرة إلى حد أن تجرؤ على تهريب أثر بهذه الضخامة ، ومن الطبيعي أن تتساءل الناس بعد ذلك عما يتم تهريبه مما هو من الأحجام الأصغر ، ووفق المعايير الأمنية فإن ما يتم ضبطه من جرائم لا يمثل سوى نسبة محدودة من "صنف" الجرائم ، وبالتالي فلنا أن نقلق بل نفزع أن يحدث هذا التسيب في ملف الآثار . أعتقد أنه من الضروري أن يتابع الرئيس عبد الفتاح السيسي بنفسه ملف التحقيق في تلك الواقعة ، ليس فقط من منطلق مسئوليته كرئيس للجمهورية ، وإنما أيضا من منطلق مسئوليته الأدبية كرئيس لمجلس أمناء المتحف المصري الكبير ، وأتمنى أن تكون القرارات التي تصدر في النهاية رادعة لكل من تسول له نفسه التلاعب بميراث مصر وثروة أجيالها ، كما أن الشفافية في ملف هذا التابوت تحديدا ، وإعلان النتائج على الرأي العام ، ستكون مهمة وضرورية ، ليس فقط للداخل المصري ، وأنما أيضا لسمعة مصر ومنافذها دوليا . [email protected] https://www.facebook.com/gamalsoultan1/ twitter: @GamalSultan1