وفد محلية النواب يتفقد أحد مواقف الغردقة، وتوصية برلمانية بشأن الإيرادات    لتعزيز التعاون الأمني.. وزير الداخلية يستقبل نظيره الفلسطيني    الحكومة تكشف سبب أزمة انقطاع الكهرباء في مصر    موجز اقتصاد اليوم الاثنين.. آخر موعد للتقديم بمسابقة تعيين 18886 معلما مساعدا    حملة توعية بضرورة ترشيد استخدام المياه في الشرقية    استطلاع: 70% من الإسرائيليين يرغبون في إزاحة نتنياهو عن الحكم    بعد إعلان القائمة.. منتخب مصر يستدعي لاعب جديد    نجم الأهلي السابق: موسيماني أفضل من كولر    تقارير: موتا يهدد وجود كييزا في يوفنتوس    نتيجة الشهادة الإعدادية 2024.. تعرف على موعد إعلانها رسميًا في القاهرة والجيزة    موعد إجازة عيد الأضحى المبارك.. وفقًا للأجندة الرسمية والبحوث الفلكية    أجواء رائعة بمطروح وتواجد أعداد كبيرة من المواطنين على الشواطئ.. فيديو    ننشر أسماء الفائزين في مسابقة تحدي القراءة العربي من ذوي الهمم (صور)    بالعلم وصورة مانديلا.. محمد رمضان يدعم الفلسطينيين بعد مجزرة مدينة رفح    مهرجان روتردام للفيلم العربي يعلن لجان تحكيم دورته ال24    سميرة عبد العزيز: أعجبت بأعمال فاتن حمامة من صغري وهذا الموقف سبب صداقتنا    هل يجوز تعجيل الولادة من أجل السفر؟.. أمينة الفتوى تجيب    أحكام العمرة وفضلها وشروطها.. 5 معلومات مهمة يوضحها علي جمعة    بعد حبسه.. القصة الكاملة في محاكمة أحمد الطنطاوي في قضية تزوير توكيلات    محافظ أسوان يفتتح مشروع تطوير قاعة الفريق كمال عامر بمركز عروس النيل    فاران يلمح إلى وجهته المقبلة بعد رحيله عن مانشستر يونايتد    المدعية العامة العسكرية الإسرائيلية: الغارة الجوية الأخيرة على رفح خطيرة للغاية    تجديد حبس المتهمين بالاعتداء على سائق وسرقته فى الجيزة 15 يوما    الحبس 3 سنوات وكفالة 50 ألف جنيه لمدير أعمال الموسيقار الراحل حلمي بكر    في عامه ال 19.. المدير التنفيذي لبنك الطعام: صك الأضحية باب فرحة الملايين    رئيس "أميدا": نعتزم تدشين مركز استراتيجي في مصر لحفظ بيانات الدول الأعضاء    المراكز التكنولوجية بالشرقية تستقبل 11 ألف طلب تصالح في مخالفات البناء    منظمة الأغذية والزراعة: مصر العاشر عالميا في إنتاج زيت الزيتون    المجلس القومى للمرأة يهنئ الدكتورة جيهان زكي لتعيينها رئيسا تنفيذيا للمتحف الكبير    هيئة الرقابة المالية: اعتماد صندوق تأمين العاملين بشركة مصر للأسواق الحرة    42 حزبا سياسيا: مناقشة الحوار الوطنى العدوان الإسرائيلي على رفح يؤكد اصطفاف الجميع خلف القيادة السياسية    قص الأظافر ووضع المعطرات.. دار الإفتاء تحذر الحجاج من ارتكاب هذه الأفعال    حياة كريمة.. تقديم خدمات طبية مجانية لأهالى بيلا فى كفر الشيخ    حياة كريمة.. قافلة طبية شاملة لأهالى قرية "الشهيد الخيري" بالقنطرة غرب    لأصحاب الرجيم.. طريقة تحضير بيتزا توست بالفلفل الرومي    بدء الفعاليات التمهيدية للترويج لافتتاح النسخة الرابعة لحملة «مانحي أمل» في مصر    "متنورش العالي".. صبري فواز يكشف عن نصيحة لطفي لبيب له    إسكان البرلمان توصي بتشكيل لجنة لمعاينة مشروع الصرف الصحي في الجيزة    إعصار مدمر يضرب الهند وبنجلاديش.. مشاهد صادمة (فيديو)    «الشيوخ» يناقش سياسة الحكومة بشأن حفظ مال الوقف وتنميته    يغسل الذنوب.. تعرف على فوائد أداء مناسك الحج    قرارات جديدة بكلية الحقوق جامعة عين شمس 2024    سموحة يغلق ملف الدوري «مؤقتاً» ويستعد لمواجهة لافيينا فى كأس مصر غدًا    وزير الإعلام البحرينى: العلاقات بين مصر والبحرين تتميز بخصوصية فريدة    «الداخلية»: تنظيم حملة للتبرع بالدم بقطاع الأمن المركزي    أكثر من ألفي شخص دفنوا أحياء جراء الانهيار الأرضي في بابوا غينيا الجديدة    رئيس لجنة الشئون الخارجية بالكونجرس الأمريكي: ملتزمون بدعم تايوان على جميع المستويات    وزير الإسكان يتابع مشروعات تجديد أحياء القاهرة الإسلامية والفاطمية بالقاهرة    بينهم مصر.. زعماء 4 دول عربية يزورون الصين هذا الأسبوع    ضبط لصوص سرقوا دولارات من تجار بالسوق السوداء    وزير الصحة يدعو دول إقليم شرق المتوسط إلى دراسة أكثر تعمقا بشأن مفاوضات معاهدة الأوبئة    تحرير 1365 مخالفة للممتنعين عن تركيب الملصق الإلكتروني    لليوم الثاني.. تجهيز 200 شاحنة تمهيدا لإدخالها إلى قطاع غزة عبر معبر كرم أبو سالم    مباريات قوية تنتظر الأهلي بعد التتويج بالبطولة الإفريقية    محمد عبد الجليل: خط الوسط كلمة السر في قوة الأهلي أمام الترجي    جامعة القاهرة تحصد 22 جائزة فى المجالات الأدبية والعلمية بمهرجان إبداع    كولر: لم أستطع الفوز على صنداونز.. لا أحب لقب "جدي".. والجماهير تطالبني بال13    متى عيد الأضحى 2024 العد التنازلي| أفضل الأعمال    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مدرسة فرعون!!!

في ظل إرادة صادقة، وعزيمة قوية، وإخلاص لله رب العالمين، من التيار الإسلامي ومؤيديه، لأجل إصلاح بلدنا (مصر) المحروسة، ثم (أمة الإسلام) المنصورة، من خلال (مشروع النهضة)..
في ظل هذا كله يحرص (أرباب) الفساد و(أبناؤه)، و(منافقو العصر الحديث)، على هدم كل بناء، وقطع كل طريق، وإعاقة كل نهضة، من خلال نشر الأكاذيب والإشاعات، وتخويف الناس من المصلحين الصادقين، والتشويش عليهم، وصرف الناس عن معاونتهم!!!
وحتى يكتسب الكذابون مصداقية عند الناس، لا مانع عندهم من الحلف بالإيمان المغلظة أنهم صادقون!! والله يشهد إنهم لكاذبون!!
{اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [المنافقون: 2].
أي: اتخذوا أيمانهم الفاجرة ذريعة أمام المؤمنين لكى يصدقوهم، فتمكنوا عن طريق هذه الأيمان الكاذبة، من صد بعض الناس عن الصراط المستقيم، ومن تشكيكهم فى صحة ما جاء به النبى - صلى الله عليه وسلم -.
فهم قد جمعوا بين رذيلتين كبيرتين:
إحداهما: تَعمُّد الأيمان الكاذبة.
والثانية: إعراضهم عن الحق ، ومحاولتهم صرف غيرهم عنه.
منهج المدرسة الفرعونية:
ويزعم هؤلاء المبطلون أن (مشروع الإصلاح والنهضة) مشروع احتلال وإفساد لمصر من (أبنائها)!!
وهذه الدعوى الكاذبة إحدى مقررات المنهج الذي نقل لنا خبره القرآن الكريم عن (مدرسة فرعون)!
إن (فرعون) و(ملأه) يصفون المصلحين ويرمونهم زورا بأنهم (مفسدون)!!
دعوى رئيس المدرسة الفرعونية:
{وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ} [غافر: 26].
نرى فرعون يتظاهر أمام حاشيته، أنه ما حمله على إرادة قتل موسى، إلا الحرص على منفعتهم؛ فيقول: {إني أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الأرض الفساد} .
أي: اتركونى لأقتل موسى، وليدع ربه لكى يخلصه منى، إن كان فى إمكانه ذلك، فإنى أخاف إن لم أقتله أن يبدل دينكم الذى أنتم عليه بدين آخر، أو أن يظهر فى الأرض التى تعيشون عليها الفساد، عن طريق بث الفتن بينكم، وإيقاد نار العداوة فى صفوفكم، والعمل على اضطراب أمر دنياكم ومعاشكم.
وهكذا الطغاة الماكرون فى كل زمان ومكان: يضربون الحق بكل سلاح من أسلحتهم الباطلة؛ ثم يزعمون بعد ذلك أمام العامة والبسطاء والمغلوبين على أمرهم.. أنهم ما فعلوا ذلك إلا من أجل الحرص على مصالحهم الدينية والدنيوية!!
قال الإمام الرازى: والمقصود من هذا الكلام، بيان السبب لقتل موسى، وهو أن وجوده يوجب إما فساد الدين، أو فساد الدنيا.
أما فساد الدين: فلأن القوم اعتقدوا أن الدين الصحيح هو الذى كانوا عليه؛ فلما كان موسى ساعيا فى إفساده، كان فى اعتقادهم أنه ساع فى إفساد الدين الحق.
وأما فساد الدنيا: فهو أنه لا بد وأن يجتمع عليه قومٌ، ويصير ذلك سببا لوقوع الخصومات وإثارة الفتن.
ولما كان حب الناس لأديانهم فوق حبهم لأموالهم، لا جرم بدأ فرعون يذكر الدين فقال: {إني أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ}، ثم أتبعه بِذِكْرِ فساد الدنيا، فقال: {أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الأرض الفساد}.
دعوى تلامذة المدرسة الفرعونية:
{وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ} [الأعراف: 127].
أي: قال الزعماء والوجهاء من قوم فرعون له، بعد أن أصابتهم الهزيمة والخذلان فى معركة الطغيان والإيمان، قالوا له على سبيل التهييج والإثارة: أتترك موسى وقومه أحراراً آمنين فى أرضك، ليفسدوا فيها بإدخال الناس فى دينهم، أو جعلهم تحت سلطانهم ورياستهم.
والمتأمل فى هذا الكلام الذى حكاه القرآن عن الملأ من قوم فرعون، يراه يطفح بأشد ألوان التآمر والتحريض.
فهم يُخَوِّفُونه فقدانَ الهيبة والسلطان بتحطيم الأوهام التى يستخدمها السلطان، لذا نراه يرد عليهم بمنطق الطغاة المستكبرين فيقول: {سَنُقَتِّلُ أَبْنَآءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَآءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ}.
أي: لا تخافوا ولا ترتاعوا أيها الملأ فإن قوم موسى أهون من ذلك، وسننزل بهم ما كنا نفعله معهم من قبل وهو تقتيل الأبناء، وترك النساء أحياء، وإنا فوقهم غالبون كما كنا ما تغير شيء من حالنا، فهم الضعفاء ونحن الأقوياء ، وهم الأذلة ونحن الأعزة.
فأنت ترى أن ما قاله الملأ من قوم فرعون هو منطق حاشية السوء فى كل عهود الطغيان فهم يرون أن الدعوة إلى وحدانية الله إفساد فى الأرض!!
لأنها ستأتى على بنيانهم من القواعد.
ولأنها هي التى ستحرر الناس من ظلمهم وجبرتهم، وتفتح العيون على النور الذى يخشاه أولئك الفاسقون.
وترى أن ما قاله فرعون هو منطق الطغاة المستكبرين دائماً؛ فهم يلجأون إلى قوتهم المادية ليحموا بها آثامهم، وشهواتهم، وسلطانهم القائم على الظلم، والبطش، والمنافع الشخصية.
هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ:
وهؤلاء المفسدون والمنافقون تربية (فرعون) و(خريجوا مدرسته)!!!
يجري الفساد والنفاق في عروقهم مجرى الدم.
فالفساد والنفاق سر حياتهم، بهما يعيشون، ولهما يعملون.
عَلِمَ الله سوء نياتهم، وخبث نفوسهم، فطبع على قلوبهم، فهم لا يفقهون، ولا يبصرون، ولا يرجعون، ولا يتوبون.
{هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [المنافقون: 4].
أي: لعن الله - تعالى - هؤلاء المنافقين، وطردهم من رحمته، لأنهم بسبب مساكلهم الخبيثة، وأفعالهم القبيحة ، وصفاتهم السيئة.. صاروا محل مقت العقلاء وعجبهم، إذ كيف ينصرفون عن الحق الواضح إلى الباطل الفاضح، وكيف يتركون النور الساطع، ويدخلون فى الظلام الدامس؟!
خريجوا مدرسة فرعون: يبيع أحدهم دينه وعرضه لاستبقاء الفساد والنفاق حاكما ومسيطرًا!!
بل إنهم يستحلون سفك الدماء، وهتك الأعراض، والتضييق على الناس في معايشهم، وشراء الأخلاق والذمم بالمال الحرام، واستخدام كل وسيلة رخيصة دنيئة للوصول إلى مآربهم!!!
وهذا ما أخبرنا عنه النبي صلى الله عليه وسلم محذرا، كما ورد:
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «تَكُونُ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ فِتَنٌ كَقِطَعِ اللَّيْلِ المُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ فِيهَا مُؤْمِنًا، وَيُمْسِي كَافِرًا، وَيُمْسِي مُؤْمِنًا، وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ أَقْوَامٌ دِينَهُمْ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا قَلِيلٍ».
عَنْ الحَسَنِ قَالَ: كَانَ يَقُولُ فِي هَذَا الحَدِيثِ: «يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، وَيُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا» قَالَ: يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُحَرِّمًا لِدَمِ أَخِيهِ وَعِرْضِهِ وَمَالِهِ وَيُمْسِي مُسْتَحِلًّا لَهُ، وَيُمْسِي مُحَرِّمًا لِدَمِ أَخِيهِ وَعِرْضِهِ وَمَالِهِ وَيُصْبِحُ مُسْتَحِلًّا لَهُ.
منافقو العصر الحديث:
{إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النور: 11].
والإفك: أشنع الكذب وأفحشه، يقال أفِكَ فلان أَفْكاً، أي: كذب كذبا قبيحا.
والعصبة: الجماعة من العشرة إلى الأربعين.
أي: إن الذين قالوا ما قالوا من كذب قبيح، وبهتان شنيع، هم جماعة ينتسبون إليكم - أيها المسلمون -:
بعضهم قد استزلهم الشيطان.
وبعضهم يظهرون الإسلام، ويبطنون الكفر والنفاق.
وفى التعبير بقوله - تعالى -: {عُصْبَةٌ}: إشعار بأنهم جماعة لها أهدافها الخبيثة، التى تواطئوا على نشرها، وتكاتفوا على إشاعتها، بمكر وسوء نية.
وقوله - سبحانه -: {لاَ تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ} تسلية للنبى صلى الله عليه وسلم ولأصحابه المؤمنين الصادقين، عما أصابهم من هم وغم بسبب هذا الحديث البالغ نهاية دركات الكذب والقبح.
أي: لا تظنوا - أيها المؤمنون - أن حديث الإفك هذا هو شر لكم، بل هو خير لكم:
لأنه كشف عن قوى الإيمان من ضعيفه.
كما فضح حقيقة المنافقين، وأظهر ما يضمرونه من سوء للنبى صلى الله عليه وسلم ولأهل بيته، وللمؤمنين.
كما أنكم قد نلتم بصبركم عليه وتكذيبكم له أرفع الدرجات عند الله تعالى.
ثم بَيَّنَ - سبحانه - ما أعده لهؤلاء الخائضين فى حديث الإفك من عقاب فقال: {لِكُلِّ امرىء مِّنْهُمْ مَّا اكتسب مِنَ الإثم}، أي: لكل واحد من هؤلاء الذين اشتركوا فى إشاعة حديثِ الإفكِ العقابَ الذى يستحقه بسبب ما وقع فيه من آثام، وما اقترفه من سيئات.
وقوله - تعالى -: {والذي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} بيانٌ لسوء عاقبة من تولى معظم إشاعة هذا الحديث الكاذب.
والكُِبْر - بكسر الكاف وضمها - مَصْدَرُ لمُعْظَمِ الشيءِ وأكثرِه .
أي: والذى تولى مُعْظَمَ الخوض فى هذا الحديث الكاذب، وحَرَّضَ على إشاعته، له عذاب عظيم لا يُقَادَرُ قَدْرُه مِنَ الله - تعالى -.
والمقصود بهذا الذى تَوَلَّى كِبْرَهُ: رأسُ المنافقين وزعيمهم، فهو الذى قاد حَمْلَتَهُ، واضطلع بالنصيب الأكبر لإشاعته.
إن المنسوبين إلى (حقل الإعلام المصري) هم (منافقو العصر الحديث) الذين يشيعون الإفك والكذب على التيار الإسلامي ومؤيديه، وينشرون الأراجيف بين الناس، مستخدمين ألسنتهم (الشيطانية) التي تتلاعب بالألفاظ والكلمات ليغرروا بها البسطاء ويخدعوا بها العوام، معتمدين على (السحر المعاصر) وهو الإبهار الإعلامي بأدواته وآلاته النفاقية الجبارة.
وهؤلاء المنافقين من الإعلاميين هم الموصوفون ب: (عليم اللسان) أي الذي يحرف الكلم عن مواضعه، ويتلاعب بالألفاظ.
وهذا ما أخبرنا عنه النبي صلى الله عليه وسلم محذرا، كما ورد:
عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إِنَّ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي: كُلُّ مُنَافِقٍ عَلِيمِ اللِّسَانِ".
والطامة الكبرى، والرزية العظمى، أن هؤلاء المنافقين المعاصرين لا يستخفون كأسلافهم من منافقي المدينة المنورة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، بل إنهم يعلنون ويجهرون ويتبجحون بنفاقهم عيانا بيانا، ليلا ونهارا، علانية وجهارا!!!
وهم على هذه الصفة أشد ضررا وأخطر من المنافقين القدامى، كما ورد:
عن حذيفة، قال: المنافقون الذين فيكم اليوم شر من المنافقين الذين كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم!!!
قالوا: يا أبا عبد الله وكيف ذاك؟
قال: إن أولئك كانوا يسرون نفاقهم، وإن هؤلاء يعلنون!!
أبناء مدرسة محمد صلى الله عليه وسلم:
ولذا وجب علينا نحن أبناء (مدرسة محمد صلى الله عليه وسلم) أن نطهر البلد منهم، وأن نقف لهم بالمرصاد، ونجاهدهم جهادا كبيرا.
كما قال الله تعالى:
{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: 69].
أي: الذين بذلوا جهدهم فى سبيل إعلاء ديننا، وقدموا أنفسهم وأموالهم فى سبيل رضائنا وطاعتنا، وأخلصوا لنا العبادة والطاعة، فإننا لن نتخلى عنهم، بل سنهديهم إلى الطريق المستقيم، ونجعل العاقبة الطيبة لهم، فقد اقتضت رحمتنا وحكمتنا أن نكون مع المحسنين فى أقوالهم وفى أفعالهم، وتلك سنتنا التى لا تتخلف ولا تتبدل.
تذكروا يا أهل مصر:
وتذكروا يا أهل مصر ما في هاتين الآيتين، واعملوا بهما، وأنزلوهما على واقعنا المعاصر:
{قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ. قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} [الأعراف: 128، 129].
أي: قال موسى لقومه على سبيل التشجيع والتسلية حين ضجوا وارتعبوا من تهديدات فرعون وملئه: يا قوم استعينوا بالله فى كل أموركم. واصبروا على البلاء، فهذه الأرض ليست ملكا لفرعون وملئه، وإنما هى ملك لله رب للعالمين، وهو - سبحانه - يورثها لمن يشاء من عباده، وقد جرت سُنَّتُه - سبحانه - أن يجعل العاقبة الطيبة لمن يخشاه ولا يخشى أحداً سواه.
بهذا الأسلوب المؤثر البليغ، وبهذه الوصايا الحكيمة، وصى موسى قومه بنى إسرائيل فماذا كان ردهم عليه؟
لقد كان ردهم يدل على سفاهتهم، فقد قالوا له: {أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِينَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا} أي: قال بنو إسرائيل لموسى رداً على نصيحته لهم: لقد أصابنا الأذى من فرعون قبل أن تأتينا يا موسى بالرسالة، فقد قَتَل منا ذلك الجبارُ الكثيرَ من أبنائنا، وأنزل بنا ألواناً من الظلم والاضطهاد، وأصابنا الأذى بعد أن جئتنا بالرسالة كما ترى من سوء أحوالنا، واشتغالنا بالأشغال الحقيرة المهينة، فنحن لم نستفد من رسالتك شيئاً، فإلى متى نسمع منك تلك النصائح التى لا جدوى من ورائها؟
ومع هذا الرد السفيه من قوم موسى عليه، نراه يرد عليهم بما يليق به فيقول: {عسى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ} فرعون الذى فعل بكم ما فعل من أنواع الظلم، وتوعدكم بما توعد من صنوف الاضطهاد.
{وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأرض} أى يجعلكم خلفاء فيها من بعد هلاكه هو وشيعته. {فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} أي: فيرى - سبحانه - الكائن منكم من العمل، حَسَنَهُ وقَبِيحَهُ، ليجازيكم على حسب أعمالكم، فإن استخلافكم فى الأرض مِن بعد هلاك أعدائكم ليس محاباة لكم، وإنما هو استخلاف للاختبار والامتحان، فإن أحسنتم زادكم الله من فضله، وإن أسأتم كان مصيركم كمصير أعدائكم.
وفى التعبير ب:"عسى" الذى يدل على الرجاء:
أَدَبٌ عظيم من موسى مع ربه - عز وجل -.
وتعليم للناس مِن بعده أن يلتزموا هذا الأدب السامى مع خالقهم.
وفيه كذلك: منع لهم من الاتكال وترك العمل، لأنه لو جزم لهم فى الوعد فقد يتركون السعى والجهاد اعتماداً على ذلك.
وقيل: إن موسى ساق لهم ما وعدهم به فى صيغة الرجاء لئلا يكذبوه؛ لضعف نفوسهم بسبب ما طال عليهم من الذل والاستخذاء لفرعون وقومه، واستعظامهم لمُلْكِه وقُوَّته، فكأنهم يرون أن ما قاله موسى مستبعد الحصول، لذا ساقه لهم فى صورة الرجاء.
فاللهم وَلِّ علينا الأخيار الأبرار، ولا تُسلط علينا الظلمة الأشرار، واجعلنا من جندك الغالبين، وحزبك المفلحين، واستعملنا فيما يرضيك عنا، آمين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.