"ماسك الولد فى إيديه قمراية.. وف قلبه راكز إيمانه وأصحابه ضلاية.. جوة الميدان واقفين.. روحهم على كفوفهم.. زغرد ويا دى الميدان للى وهب نفسه.. للى وقف ثابت فى صراخه وف همسه.. وشاف فى قلب النشيد أحلامه تتهجى.. كل اللى جوم بعد منه.. اتعلموا درسه!! ها هى شرارة البدء تعلن مولد روح مصر الجديدة.. الروح التى لم يكن أحد ليتصور وجودها فى المصريين.. أولئك الذين على عزة أنفسهم، لم يكونوا يستطيعون رفع رءوسهم من الضغط الذى زاد عن حده حتى ولِّد الانفجار. "كريم بنونة".. ها هو اسمك الذى اشتهرت به بين خلانك.. كريم عبد السلام بنونة، وقد صرت علماً يشار إليه بالبنان! ما الذى جعلك تخرج للشارع معلنا تضامنك مع الواقفين فى ميادين مصر؟ ولماذا كنت تحاول دائما أن تسيرالمظاهرات بشكل سلمى، بعيدا عن أى اشتباكات بين الثوار والنظام. ترى فكرة من كانت التى دعتك لطباعة بعض المنشورات التى دعوت فيها لتهدئة الأوضاع بين أتباع النظام الظالم والثوار.. ها أنت تقف تهدئ الثائرين.. وألا يقع بين مؤيدى النظام ومعارضيه أى اشتباكات، ولكن رصاصة كانت عمياء القلب والضمير.. رصاصة طائشة تلك التى خرجت من إحدى الفوهات المصوبة باتجاه زملائك، قامت بمهمتها وانتهكت حرمة جسدك الطاهر لتقتل أحلامك. فلاش باك.. ليتنا نستطيع أن نستقل آلة الزمن لنعيش معك ذلك اليوم ثانية بكل مفرداته يوم الثلاثاء 25 من يناير، ها أنت تسير بين مجموعة من الناس، شبابا وفتيانا وعجائز.. تصلون ميدان التحرير.. أسمعك تهتف: سلمية سلمية.. وعيش حرية وعدالة اجتماعية.. لم تستطع مراودات النظام التقليل من عزمك وزملائك الذين افترشوا معك أسفلت ميدان التحرير، أقسمتم معا على ألا تتركوا ذلك الميدان؛ ميدان الجهاد حتى تتحقق مطالب مطالبكم.. مطالب الشعب! كل ليلة تبيت فيها خارج بيتك بعيدا عن طفليك، كبيرهم فى الثالثة من عمره كنت تشعر أنك تجاهد فى سبيل الله يزاينك أن الله تعالى لن يترككم ولن يضيع تعبكم سدى! فلاش باك.. هذه الليلة التى صار القمر فيها محاقا، لا نور إلا نور القلوب يطغى على نور لمبات الكهرباء التى بدا عليها الفرح وهى تراقب كل شىء من فوق! هل تحدثت عن مصر وحبك لها وعشقك لترابها؟ هل أخذتك لذة الحكى وأنت تسرد تاريخ العظماء الذين أثروا فى حياة شعوبهم وناضلوا من أجل بقاء وطنهم حرا وسعيدا؟ بت أنت يا كريم ليلتك الأخيرة فى الميدان.. نمت فى العراء مع كثيرين مثلك وبداخلك تتوالد الأمنيات: "آه لو يسقط نظام مبارك؟ آه لو يعيش الشعب حرا فى رخاء، آه لو تصبح لدينا ديمقراطية حقيقية.. آه.. وآه.. آه لو يسقط النظام كله؟ لا بد أن ذلك اليوم كان سيصبح عندك يوم سعدك يا كريم.. ها أنت تدعو الله ألا تتجدد اشتباكات.. ليلة الخميس، ظللت يقظا لم يذق جفنك طعم النوم حتى قمت وصاحبك ياسر لتصليا صلاة الفجر معا، وتناولتما إفطاركما ثم بدأتما رحلتكما اليومية المكوكية للتجول فى الميدان توزعان التمر على الثوار قبل أن تتجدد الاشتباكات ثانية. هل تستطيع أن تقول لى.. لماذا كنت مصرا على أن تقف ضمن الصفوف الأمامية للدفاع عن الميدان وبجانبك صديق عمرك ياسر؟! أكنت تعلم أنها ليتك الأخيرة وأنك تؤدى واجبك كما أمرك الله. "فلاش باك" ها هى زوجتك تضع الهاتف المحمول فوق خدها محاولة أن تنقى صوتك الداخل باتجاه قلبها من صوت من بالميدان، إنها تعلم جيدا أنك لست محتاجا لثورة من أجل أن تعيش، ولكن أولادكما هما اللذان سيحتاجان فلم تمنعك وكانت تنتظر مكالمتك مساء كل يوم تحكى لها فيها عن تفاصيل المظاهرات وكيف قضيت ليلتك، كانت تتمنى أن تنزل إلى الميدان معك، ولكنك كنت رافضا، إلا أنك أكدت لها فى مكالمة أخرى تالية سأسمح لكِ بالنزول فى الاحتفالات بعد رحيل الرئيس المستبد. ها هى زوجتك يا كريم تقسم بمن أجرى دماءك الطاهرة على أرض الميدان بعد أن فاضت روحك إلى بارئها على يد قناصة النظام الظالم المجرم وتقسم بكل غال ألا تترك دماءك الطاهرة التى صنعت النصر.. لن تروح سدى.. فبدمائك ودماء زملائك شيدت لمصر صروح مجدها.