أكد الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، أن القضية الفلسطينية هي القضية التي تحتل الأهمية العظمي بين دول الشرق الأوسط، لافتًا إلى أن أغلب الدول تحررت من قبضة الدول التي قامت باحتلالها ماعدا فلسطين. وأوضح "الطيب"، في حديثه الأسبوعي على الفضائية المصرية، أن القضية الفلسطينية هي أساس السلام في الشرق الأوسط وأن لم تحل حلًا عادلًا فلن يهنأ العالم ولن يرى السلام لأنها قضية حق وعدل. وأضاف شيخ الأزهر، أن تاريخ العرب سابق علي ظهور الإسلام بآلاف السنين، فتاريخ العرب في هذه الأرض يعود إلى 5 آلاف سنة، فالكنعانيون واليبوسيون وهم فرع كنعاني هاجروا من اليمن إلى شمال الجزيرة العربية، وحكموا هذه المدينة أكثر من ألف سنة. وأشار شيخ الأزهر إلى كتاب اسمه "القدس في الضمير" لخص تلخيصًا دقيقًا تاريخ الأمم التي حكمت القدس، وقد سجل التاريخ أن اليبوسيين هم أول من حكمها من 3000 ق.م، إلى 1750ق.م يعني أنهم حكموا لمدة 1250 سنة، ثم جاء الهكسوس حكموا 150 سنة، ثم الفراعنة المصريين حكموا 200 سنة، ثم جاء بنو إسرائيل مع سيدنا داود وسيدنا سليمان وحكموا 463سنة فقط، حتى جاء الآشوريون فحكموها 8 سنين وبعدهم البابليون حكموا 49 سنة، ثم حكمها الفرس 206 سنوات، ومضي للقول: بعدهم حكمها اليونان 166 سنة، ثم المكابيون 103 سنوات، وبعدهم الرومان حكموها 298 سنة، ثم عاود الفرس احتلالها 14 سنة، ثم البيزنطيون 300 سنة، حتى فتحها المسلمون ثم احتلها الصليبيون فترة، قبل أن يحررها المسلمون، وبذلك يكون المسلمون قد حكموها 1383 سنة، فكيف يدعي البعض أن المسلمين والعرب أغراب؟ هم الأغراب والشعب المقدسي كان دائمًا شعبًا عربيًّا، فالتركيبة الأساسية للمجتمع المقدسي عربية منذ 5 آلاف سنة لم تتغير، ما كان يتغير فقط هو المستعمر، لكن المستعمرين لم يغيروا التركيبة السكانية العربية. وتابع الإمام الأكبر: هذا بالنسبة للوجود العربي والأصل العربي للقدس، أما بالنسبة للوجود الإسلامي فقد حكمها الرومان قبل المسلمين، وكان الحكم الروماني قاسيًا فقد دمروا المدينة وغيروا اسمها إلى إيليا وهو اسم مشتق من اسم الحاكم الروماني وقتها إليانوس، وحرم دخول اليهود إليها بعد أن طردهم منها واستمر ذلك من سنة 135 حتى سنة 635 أي 500 سنة، وكانت في بداية حكم الرومان وثنية حتى عادت إليها المسيحية عن طريق هرقل الذي أرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم كتابه المشهور، وبعد ذلك دخل المسلمون المدينة، وخلال 500 سنة من وقت حكم هادريان حتى الفتح الإسلامي لم يدخل اليهود المدينة، واستمر الشعب العربي في المدينة. وأوضح أنه في 635 تم فتح الشام ومن ضمنها فلسطين ماعدا مدينة القدس تحصن أهلها وراء الأسوار فترة طويلة، حيث حاصرها عمرو بن العاص، ثم بعد أن طال الحصار عليهم انتهزوا زيارة أبي عبيدة لأنه كان من كبار القادة، فأخبروه أنهم مستعدون للمصالحة، فذهب سيدنا عمر لبيت المقدس بعد أن استشار الصحابة واستقبله البطريرك الكبير وأهداه المفتاح ودخل وأراد أن يصلي وهو في كنيسة القيامة فصلى خارجها، فقال له البطريرك أنه كان بإمكانه الصلاة داخل الكنيسة، فقال أخشى أن يأتي جهال من المسلمين من بعدي ويتخذونها سنة. وتابع: وكتب لهم كتاب العهدة العمرية الذي لا يزال موجودًا في بطريركية الروم الأرثوذكس (كنيسة القيامة)، والمشهور أنها هي التي كتبها عمر، والبعض يرى أنها كتبت بعده، وسواء كتبت في عهد سيدنا عمر أم بعده فهي تعبر عن موقف الإسلام وعهد عمر. وتنص العهده على التالي بحسب شيخ الأزهر : "بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أعطى عبد الله، عمر، أمير المؤمنين، أهل إيلياء من الأمان، أعطاهم أمانًا لأنفسهم وأموالهم ولكنائسهم وصلبانهم وسقمها وبريئها وسائر ملتها. أنه لا تسكن كنائسهم ولا تهدم، ولا ينقص منها ولا من حيزها ولا من صليبهم ولا من شيء من أموالهم، ولا يُكرهون على دينهم، ولا يضارّ أحد منهم، ولا يسكن بإيلياء معهم أحد من اليهود، وعلى أهل إيلياء أن يُعطوا الجزية كما يُعطي أهل المدائن. وعليهم أن يُخرِجوا منها الروم واللصوص. فمن خرج منهم فإنه آمن على نفسه وماله حتى يبلغوا أمنهم. ومن أقام منهم فهو آمن، وعليه مثل ما على أهل إيلياء من الجزية. وبين "الطيب"، أن إيلياء هو اسم القدس بعد أن غيره هادريان الذي أخرج منها اليهود ومنع دخولهم إليها، لكن عندما دخل المسلمون لم يقتلوا واحدًا، وعمر أخذ هذه الأحكام من النبي صلى الله عليه وسلم حينما أرسل كتابًا إلى اليمن قال فيه: "من كره الإسلام من يهودي أو نصراني فلا يحول عن دينه" وهذا ما طبقه النبي صلى الله عليه وسلم في اليمن، وفي كل مكان، وهذا ما قاله عمر للمقدسيين، كما اشترط صفرونيوس ألا يسكن يهود مع أهل القدس حتى يسلم مفاتيحها لسيدنا عمر، حيث كانوا يعتبرون اليهود أعداءً. كما أوضح أن الجزية الواردة في العهدة العمرية هي ضريبة، على غير ما يدعيه بعض المغالطين من أن الجزية هي لفرض الطاعة والخضوع، والحقيقة أنها على العكس من ذلك فهي شهادة مواطنة لغير المسلم، حيث سيدافع عنه المسلمون وتسيل دماؤهم من أجل حمايته، وكان يترتب على المسلمين أعباء مالية أكبر بكثير من الجزية وهي زكاة المال، فالمسلم كان يدفع أكثر ويحارب، ولكن قد يقال لماذا لم يدخل غير المسلمين الجيش؟ والإجابة: أن من كان يقاتل في الإسلام كان يقاتل دفاعًا عن عقيدة، فكيف تكلف شخصًا غير مؤمن بهذه العقيدة أن يحارب ويقتل دفاعًا عن عقيدة لا يؤمن بها؟ هذا ظلم، ولكن الوضع الآن قد تغير وأصبحنا جميعًا مسلمين ومسيحيين مكلفين بالدفاع عن الوطن. وختم شيخ الأزهر، حديثه: أن ما جاء في العهدة العمرية، يؤكد أنه قد حدث تسليم ولم يقتل رومي واحد ولم يقتل يهودي واحد، ولا أحد من أهل إيلياء، واستمر التواجد الإسلامي منذ ذلك الوقت حتى 1967، حيث احتلت القدس وما زالت ترزح تحت الاحتلال حتى يوم الناس هذا.