شهدت الأيام الأخيرة توتر شديد بين السلطات المصرية وشبكة " بي بي سي" البريطانية، بعد نشر الأخيرة تقريرًا وثائقيًا يزعم تعرض فتاة تدعى "زبيدة" للتعذيب والاغتصاب والاختفاء القسري، وهو ما نفته الفتاة بظهورها مع الإعلامي عمرو أديب وطلب الجهات المختصة بمصر اعتذار الشبكة. وهنا يعود للأذهان قصة الفنان الراحل محمود مرسي وموقفه الذي لاينسى، فقد كان يعمل في إذاعة ال «بي بي سي» وبمجرد قيام اعتداء قوات العدوان الثلاثي انجلتراوفرنسا واسرائيل على مصر أعلن استقالته على الهواء وأعلى وطنيته على مصالحه الشخصية. وولد محمود مرسي بالإسكندرية في يوم 7 يونيو عام 1923. التحق بالمدرسة الثانوية الإيطالية بالإسكندرية القسم الداخلي، وبعد تخرجه في المدرسة الثانوية التحق بكلية الآداب بجامعة الإسكندرية قسم الفلسفة. وبعد تخرجه من الجامعة عمل مدرساً إلى أن استقال وقرر السفر إلى فرنسا ليدرس الإخراج السينمائي بمعهد الدراسات العليا السينمائية -ايديك- بباريس. وأمضي محمود مرسى خمسة أعوام في فرنسا حتى انتهت أمواله فغادرها إلى لندن وعمل في القسم العربي باذاعة بي بي سي البريطانية و فور وقوع العدوان الثلاثي علي مصر عام 56 خرج المذيع محمود مرسي عن النص و قال في بداية برنامجه أن هذه هي آخر حلقة اقدمها في هذه الإذاعة حيث أنه لا يمكنني أن اعمل أو اقيم في دولة تشن حاليا عدوانا علي بلادي و تلقي بقنابلها علي أهلي في مصر و لتلك الأسباب فانني اقدم استقالتي علي الهواء و سوف أعود الي بلادي اقاتل بجانب أهلي اعيش معهم أو أموت معهم واعلن انه سوف يعود الي مصر للاشتراك في المقاومة الشعبية . وعاد محمود مرسي إلى مصر والتحق بالبرنامج الثاني بالإذاعة المصرية، وبعدها عمل مخرجاً بالتلفزيون المصري ومدرساً للتمثيل بالمعهد العالي للفنون المسرحية بالقاهرة وفي عام 1962 بدأ بالعمل السينمائي في فيلم أنا الهارب للمخرج نيازي مصطفى كما أخرج عددا من المسرحيات والأفلام منها مسرحية الخاطبة. كان الفنان محمود مرسى خجولاً جداً ومثقفاً وقارئاً جيداً. له أصدقاء قليلون، ومن الجدير بالذكر أنه كتب نعيه بنفسه ذاكراً فيه أسماء أقرب الناس إليه وهم أصدقاء العمر. وبرع في أدوار الشر وخاصة في دور (ضابط السجن فتحي عبد الهادي) في فيلم ليل وقضبان مع سميرة أحمد ومحمود ياسين، وفي دور (بدران) في فيلم أمير الدهاء مع فريد شوقي، وكذالك دور “عتريس” في فيلم شيء من الخوف.. وأثناء قيامه بالتدريس فى المعهد العالى للمسرح التقى الفنانة سميحة أيوب، وكان وقتها فنانا مشهورا، وكانت لديها كثير من الأعمال، وأعجب كلاهما بالآخر، وانتهى الأمر بأن طلب يدها فعبرت عن موافقتها على الفور، وكانت الزيجة الأولى والأخيرة فى حياة محمود مرسى والتى أثمرت عن ابنه الوحيد علاء.. لكن بمرور الوقت بدأت الخلافات الزوجية تعرف طريقها لحياته مع سميحة أيوب، وبدأت فجوة اختلافهما فكريا وفنيا تتسع، فكان الطلاق هو الحل الأنسب لكليهما وفى هدوء تام كعادته تم الطلاق. كان محمود مرسي صاحب موهبة فذة كممثل لكنه كان مقلاً في اعماله خاصةً في الأعمال السينمائية لانه كان يحرص دائماً على الجودة، فضلا عن انه لم يعمل في التمثيل الا في مرحلة متاخرة لانه قضى وقتاً طويلاً في الدراسة بفرنسا وبريطانيا وقبلهما في التعليم لمادة الفلسفة وحتى بعد عودته إلى بلده ظل خمس سنوات يعمل في التعليم للفن المسرحي وفي الإخراج التلفزيوني. فموهبته كممثل لم تستغل بكاملها. وتوفي الفنان القدير محمود مرسي بالإسكندرية (مسقط رأسه) في يوم السبت 24 أبريل عام 2004 إثر أزمة قلبية حادة عن عمرٍ يناهز 80 عاماً أثناء تصوير مسلسل وهج الصيف.