منذ قديم الأزل وحتى الآن مازال لدينا قدرة على اختلاق الشائعات وتصديقها وتحريفها ثم التعامل معها على أنها حقائق.. وسواء كانت هذه الشائعات سلبية أو إيجابية فإنها تنتشر بسرعة كبيرة بين الناس التى فى الأصل لديها الاستعداد الفطرى لاستقبالها وتصديقها والتصرف على أساسها.. ولو أننا فكرنا قليلا لوجدنا أن هذه الشائعات لا يمكن أن يتقبلها العقل البشرى الطبيعى (بعض الشائعات لا تحتاج إلى عباقرة لنعرف أنها شائعات كاذبة) فقط لو وضعنا "فلتر" نستطيع به أن ننقى الكلام ونزنه بميزان العقل وألا تكون عقولنا مفتوحة دائمًا على مصراعيها لتقبل أى كلام يمر عليها دون أى مراجعة أو تحليل. ولعل الانتخابات الرئاسية الأخيرة أفرزت مجموعة من الشائعات التى وجدتها تمر إلى عقول بعض الأشخاص من حولى دون حاجز هكذا مثل الهواء، فعلى سبيل المثال عندما ردد المرشح الخاسر أن الإخوان المسلمين كانوا أعلى أسطح العمارات فى ميدان التحرير وقاموا بتوجيه بنادقهم إلى المتظاهرين.. الغريب أننى وجدت أشخاصًا حولى يصدقون هذا وينشرون الشائعة.. أى منطق فى هذا الكلام لتقبله أو تصدقه.. مرة أخرى جاءت شائعة تمس صحة الدكتور مرسى وكأن هذا السر الذى يروجه هذا المرشح لم يظهر إلا فى جولة الإعادة وإن كان الرجل مريضًا بالفعل لكان من باب أولى أن يظهر هذا فى الجولة الأولى وليس الثانية. وكثيرًا ما تكون الشائعات متعلقة بأن فلانًا عميل أو أنه يعمل لحساب مؤسسة معينة. ويصدق الناس الشائعات على اختلاف ثقافاتهم وتعليمهم أى أنه لا فرق بين جاهل ومتعلم فى هذا الموضوع، فكثيرًا ما أجد أشخاصًا فى أماكن مرموقة يصدقون شائعات غريبة وكلامًا أغرب، ويرددونها بدون وعى أو تفكير. قبل إعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية انتشرت شائعة أخرى وهى أننا يجب أن نقوم بتخزين مواد غذائية لتكفى استهلاكنا تحسبًا لنتيجة الانتخابات (استعدادنا ممتاز لاختلاق الأزمات) وطبعًا شائعة فرض حظر التجوال كانت ملازمة لنا طوال الفترة السابقة وحتى إعلان النتيجة. انتشار أى شائعة أسرع بكثير من انتشار الحقيقة وإزالة آثار أى شائعة تحتاج إلى مجهود رهيب وقد لا تنجح فى معظم الأحيان؛ لأن الناس ليس لديهم الاستعداد لتقبل العكس أو أنهم يرفضون مبدأ مواجهة أنفسهم بالحقيقة.. وأحيانًا نتقبل الشائعة ونضيف إليها بعض البهارات "لزوم القعدة". بعض مؤسسات الدولة تسعى أحيانًا إلى تسريب أخبار معينة لمعرفة رد فعل الشارع على قرار أو اتجاه معين وهذا يعرف ببالونة الاختبار، ولكن هذه البالونات تختلف تمامًا عن الشائعات، فما يتم تسريبه يمكن أن يتحقق لو أن الشارع تقبله ولكن الشائعة لا يمكن أن نعقلها أو نتقبلها. متى نستطيع أن نفكر فى كل كلمة نسمعها ونزن كل كلمة قبل أن ننطق بها؟ هل تعودنا على مرور الزمان أن نتلقى الأخبار دون التفكير فيها. وإن كنا كذلك فيجب أن نعلم أننا يجب أن نفكر فى كل شىء، وأن يقوم كل شخص منا بعمل ثورة دماغية لغربلة الأفكار الموجودة واستقبال الأفكار بعد فلترتها.. وقبل أن تصدق شخصًا فى شىء يجب أن تسأل عن مصدر الأخبار، هل شخص مسئول أم أن فلانًا سمع فلانًا يقول كذا وكذا وكذا؟، حاول ألا تكون عنصرًا من عناصر انتشار أى شائعة.