اختلفت الأراء حول أداء مجلس الشعب خلال فترة إنعقاده بين مؤيد ومعارض ومستحسن ومستهجن لما قام به وما صدر من تصرفات عن عدد قليل من أعضائه حتى صدر حكم المحكمة الدستورية العليا بتاريخ 14/6/2012 بعدم دستورية بعض نصوص قانون مجلس الشعب وما تبع ذلك من صدور قرار بحل المجلس وقد صادف هذا القرار قبول البعض ورفض الآخر وفقا لمدى رضاهم عن هذا المجلس وتكوينه من الناحية السياسية وحاول كثيرون تسيس القانون لخدمة أهدافهم السياسية غير عابئين بما قد يترتب على ذلك من آثار تؤثر في بناء دولة القانون التي تقوم في أهم أركانها على احترام القانون وأحكام القضاء . لذا سنحاول في السطور التالية إلقاء الضوء ببساطة وفي وضوح على بعض المفاهيم القانونية المرتبطة بهذا الموضوع والتي أصبحت موضوعا للمناقشة بين المواطنين في كل مكان الأمر الذي يحتم على القانونين أداء واجبهم بأمانة وتجرد بالمساهمة في إيضاح ما غاب عن المواطن العادي من مفاهيم. بداءة دعونا نسلم بحقيقة قانونية وهى أن الحكم الصادر من المحكمة الدستورية العليا حكم نهائي غير قابل للطعن فيه لذا ينبغي أن نضع أمام القارئ الكريم منطوق هذا الحكم بتصرف بسيط حتى يكون الحكم واضحا للقارئ . حكمت المحكمة الدستورية العليا أولا : بعدم دستورية نص الفقرة الأولى من المادة الثالثة من القانون رقم 38 لسنة 1972 في شأن مجلس الشعب المستبدلة بالمرسوم بقانون رقم 120 لسنة 2011 والتي تنص على أنه " يكون انتخاب ثلثي أعضاء مجلس الشعب بنظام القوائم الحزبية المغلقة ، والثلث الآخر بالنظام الفردي .......". ثانيا : عدم دستورية ما تضمنه نص الفقرة الأولى من المادة السادسة من هذا القانون المستبدلة بالمرسوم بقانون رقم 108 لسنة 2011 من اطلاق حق التقدم بطلب الترشيح لعضوية مجلس الشعب في الدوائر المخصصة للانتخاب الفردي للمنتمين للأحزاب السياسية إلى جانب المستقلين غير المنتمين لتلك الأحزاب . ثالثا : عدم دستورية المادة التاسعة مكرر أ من القانون المشار إليه المضافة بالمرسوم بقانون رقم 108 لسنة 2011 فيما نصت عليه من تضمين الكشف النهائي لأسماء المرشحين بالنظام الفردي بيان الحزب الذي ينتمي إليه المرشح. رابعا : عدم دستورية نص المادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 123 لسنة 2011 والتي ألغت المادة الخامسة من المرسوم بقانون رقم 120 لسنة 2011 والتي كانت تقصر حق الترشيح بالنظام الفردي على المرشحين المستقلين غير المنتمين للأحزاب السياسية وبسقوط نص المادة الثانية . وقد ختمت المحكمة أسباب الحكم بقولها " متى كان ذلك ، وكانت انتخابات مجلس الشعب قد أجريت بناء على نصوص ثبت عدم دستوريتها ، فإن مؤدى ذلك ولازمه -على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن تكوين المجلس بكامله يكون باطلا منذ انتخابه ، بما يترتب عليه زوال وجوده بقوة القانون كأثر للحكم بعدم دستورية النصوص المتقدمة..." فهل منطوق هذا الحكم وما ورد به من أسباب يؤدى إلى ما انتهت إليه المحكمة الدستورية العليا في الأسباب - وليس في المنطوق- من بطلان تكوين المجلس بكامله. قبل أن نجيب على هذا التساؤل أضع بين أيديكم في ايجاز وجهة نظر متواضعة وهى أن كل ما صدر عن المجلس الأعلى للقوات المسلحة من قواعد قانونية سواء كانت دستورية أم تشريعات عادية قوانين لا تخضع للرقابة الدستورية قبل وضع دستور للدولة وذلك لسببين: الأول أن اصدار المجلس الأعلى للقوات المسلحة لهذه القواعد القانونية يستند إلى الشرعية الثورية وليس الشرعية الدستورية التي تعطلت بقيام ثورة 25 يناير وبالتالي كل ما صدر عن المجلس الأعلى للقوات المسلحة قبل انتخاب مجلس الشعب لا يخضع للرقابة الدستورية. السبب الثاني أن الرقابة على دستورية القوانين واللوائح تستند إلى قاعدة قانونية هامة هى قاعدة تدرج التشريعات ومضمونها أن القواعد القانونية متدرجة من حيث القوة بحسب السلطة المختصة بها وأهمية الموضوعات التي تنظمها وتنقسم إلى ثلاثة أنواع أقواها التشريع الدستوري ثم يلية التشريع العادي " القانون" ثم يليه التشريع الفرعي اللوائح وبناء على ذلك لا يجوز للتشريع الأدنى مرتبة مخالفة التشريع الأعلى مرتبة ومن هنا وجدت الرقابة الدستورية التي نضمن من خلالها عدم مخالفة القوانين أو اللوائح للتشريع الدستوري وهذه الرقابة تجد أساسها في السمو الموضوعي والشكلي للتشريع الدستوري على سائر القواعد القانونية وهذا السمو الشكلي يرجع إلى وجود سلطة مختصة بوضعه تختلف عن السلطة التشريعية العادية ووجود قواعد واجراءات خاصة يلزم اتباعها في تعديل أحكامه تختلف عن تلك المتبعة بشأن القوانين العادية . أما إذا كان الدستور يمكن تعديله من ذات الجهة التي تضع التشريع العادي وبذات اجراءات وضع التشريع العادي ففي هذه الحالة يكون الدستور في ذات مرتبة التشريع العادي وبالتالي فإن رقابة الدستورية تكون غير متصورة في هذه الحالة. لذا ولما كان المجلس الأعلى للقوات المسلحة هو الجهة التي قامت بإصدار الاعلان الدستوري وكذلك هو الجهة التي قامت بإصدار القوانين المطعون بعدم دستوريتها وبنفس الاجراءات فيترتب على ذلك امتناع الرقابة الدستورية على تلك القوانين لانتفاء قاعدة التدرج في التشريعات لأن مجرد استخدام مصطلح دستور أو قانون لا يعني وجود اختلاف بينهما من حيث القوة لصدورهما من ذات الجهة وبذات الاجراءات. أما وقد أصدرت المحكمة الدستورية العليا العريقة – التي نقدر دورها العظيم في حماية الدستور وضمان والحقوق والحريات عبر تاريخها الطويل- حكمها المتقدم فإنه يقينا لا يترتب على عدم دستورية هذه المواد بطلان تكوين مجلس الشعب بكامله للأسباب الآتية: أولا:أنه وإن كان يترتب على الحكم بعدم دستورية هذه المواد زوالها واعتبارها كأن لم تكن فإن ذلك لا يؤثر على ثلثي أعضاء مجلس الشعب المنتخبين بالقائمة لأن المحاكم تكون في هذه الحالة مقيدة بتطبيق النص الأعلى وهو نص المادة 38 من الاعلان الدستوري -التي لا زالت سارية- والتي تنص على أن" ينظم القانون حق الترشيح لمجلسي الشعب والشورى وفقا لنظام انتخابي يجمع بين القوائم الحزبية والنظام الفردي بنسبة الثلثين للأولى والثلث الثاني للباقي .." فهذا النص يعد سندا قانونيا كافيا لاستمرار مجلس الشعب بثلثي أعضائه المنتخبين بالقائمة والقول بغير ذلك يعد إهدارا للنص الدستوري القائم والواجب التطبيق. ثانيا:إن قياس المحكمة الدستورية العليا بطلان مجلس الشعب الحالي على حالات بطلان المجلس سنة 1987 ، 1990 هو قياس مع الفارق حيث أن دستور 1971 لم يكن يتضمن نصا مماثلا لنص المادة 38 من الاعلان الدستوري وبالتالي كان يترتب على الحكم بعدم دستورية بعض مواد قانون مجلس الشعب بطلانه لعدم وجود أى سند قانوني لاستمراره وهو ما لايتوافر في هذه الحالة لوجود نص دستوري يلزم تطبيقه وهو نص المادة 38 المشار إليه. ثالثا :إن مفهوم الرقابة القضائية الدستورية في ضوء مبدأ الفصل بين السلطات أن السلطة القضائية عندما تقوم بممارسة الرقابة الدستورية على القوانين الصادرة من السلطة التشريعية فإن هذا لا يعد تدخلا أو رقابة منحها القانون للسلطة القضائية على أعمال السلطة التشريعية وإنما يدخل ذلك في صميم اختصاص السلطة القضائية باعتبارها صاحبة الاختصاص بتطبيق القانون فإذا ما عرض على القاضي قانونان متعارضان كان من صميم اختصاصه ترجيح أحدهما على الآخر في التطبيق وهو في ذلك ملتزم بأعمال مبدأ التدرج بمعني تطبيق القانون الأعلى مرتبة على غيره الأدنى مرتبة وهو مايؤدي في هذه الحالة إلى وجوب تطبيق نص المادة 38 من الإعلان الدستوري . ومن جماع ما تقدم ننتهي إلى عدم قانونية حل مجلس الشعب وأن كل ما يترتب من آثار قانونية على حكم المحكمة الدستورية العليا يقتصر فقط على الثلث المتعلق بالنظام الفردي دون القائمة . وأخيرا قولنا هذا رأى من جاءنا بأحسن منه قبلناه د. خالد عبد التواب أستاذ القانون المساعد [email protected]