ذات مرة وبينما كان الرئيس جمال عبدالناصر فى زيارة لدولة المغرب، وقد حَظِى باستقبال حافل من الجمهور المغربى، وإذا بأحد المغاربة يستأذن ويطلب أن يُسلم على زعيم القومية العربية، وعندما اقترب المغربى من الرئيس المصرى، ألحَ عليه بألا ينسي"توصيل السلام للفنان إسماعيل ياسين"، فضحك عبدالناصر، واندهش كثيراً من مطلب الرجل المغربي، ولكن الرئيس المصرى أدرك - وقتها - أهمية الفن كأداة مهمة ذات قوة خارقة وتأثير عظيم بشأن مخاطبة وإقناع عقول الشعوب.. خاصةً البسطاء وأصحاب الطبقات الشعبية، الذين يعشقون فنانيهم ويقتدون بهم أحياناً كثيرة ويقلدونهم فى البيوت والطرقات والحوارى. وربما أن مطلب المواطن المغربى، قد أثار غضب أو ضيق عبدالناصر وقتها، ولعلَ الزعيم قد أسرَ ذلك فى نفسه ولم يبدِه لأحد، فكيف لمواطن بسيط من عامة الشعب المغربى، أن يطلب من الزعيم عبدالناصر، أن يكون مرسالاً له، أو حاملاً سلامُهْ إلى "مشخصاتي"، إلا أن عبقرية المونولوجست إسماعيل ياسين جعلت شعبيته تتسع عالمياً حتى أنها أدهشت جيل زمنُه والأجيال التى تعاقبت على الأزمان والعصور حتى وقتنا هذا. وبسبب ذكاء عبدالناصر وفطنتُه، فإنه أصدر توجيهاته لإسماعيل ياسين، - حسبما صرَح سالفاً المخرج الراحل ياسين نجل إسماعيل ياسين - لأن يُجسِدْ الكوميديان، دور العسكرى المصرى المجنَدْ، من خلال أفلامه التى يغلُبْ عليها الطابع الكوميدي، خفيف الظل، كى لا تنفر الناس أو تضجر من العسكرية المصرية، فلا يتوهم البعض بأن الخدمة العسكرية بالجيش المصرى، استعباد أو مهانة . استمر الكوميديان الراحل فى تقديم سلسلة من الأفلام التى تخص العسكرية مثل "إسماعيل ياسين فى البوليس" و"إسماعيل ياسين فى الطيران" و"إسماعيل ياسين فى البحرية" و"إسماعيل ياسين بوليس سري" وغيرها، وهذا الدور الذى تقبَله الجمهور وكان سبباً فى إضحاك وإسعاد مُحبِيه عبر العقود، حتى تربَع بطل أفلام العسكرية على عرش الكوميديا. ويبدو أن عبدالناصر، كان مُلهَماً مُرحِباً راضياً عن إعلام عصرِهْ، الذى سانده بقوة وخاصة أهل الغناء والطرب، الذين توالت أغانيهم مدحاً فى شخص عبدالناصر، فتغنى له عبدالحليم بأسمى كلمات المدح وكذلك تغنت أم كلثوم، وبسبب حب الناس للعندليب وكوكب الشرق فإنهم أحبوا ما تغنَى به المطربين لعبدالناصر، فكانت حفلات الغناء تُقام فترى الجماهير الحاشدة تصرخ عِشقاً فى حب عبدالناصر!!. ورغم ذلك فإن شهود العصر وكَتَبِةْ التاريخ، لمَحوا بأن المطرب الراحل محمد فوزى قد مسَهُ الضُرْ فى العهد الناصري، لتجاهله الغناء لأجل شخص الرئيس وامتناعه عن تناوله بالمدح فى أغانيه، وقيل أن فوزى لم يكن من مؤيدى عبدالناصر، فانقلب عليه النظام الحاكم وقتها، فخسر ممتلكاته وأصابه الفقر ثم المرض ثم الموت قهراً!!. ولذا فقد اُتُبِعَتْ فكرة مسايرة الأمواج طوعاً أو كرهاً فى الحقبات الزمنية المتوالية، بعدما اتجهت أنظمة السلاطين وحاشية الحكَام بدورهم المكين، بتوجيه الإعلام نحو تمجيد أصحاب المُلك والملكوت، بل وبدأت حالة تدخُل صارمة من جانب رجال كل نظام يجيء لأجل اختيار ما يُبتغى عرضهْ إعلامياً للجماهير!!. حتى كثرت الأقاويل وتاهت الحقيقة وسط الأكاذيب والشائعات بأن رجال السلاطين وأولى الأمر يبعثون بتعليمات معينة لفنانيهم ومُقربيهم من أهل الفن والإعلام والصحافة، ويأمرونهم بكتابة أو صناعة أعمال سينمائية أو مسرحية أو تليفزيونية أو إذاعية، يكون من شأنها تجميل صور الحكومات وتمجيد القيادات السياسية، وإبراز محاسنها والتغاضى عن مساوئها وإنكارها سقطات الحاكم وتكذيب أخطائه أو تبريرها، لكسب وُد سعادة السلطان وحاشيته وخاصته، إن كل ذلك يتم باهتمام كبير من الخوانين لرسالتهم الإعلامية، طمعاً فى كسب وُدْ الملوك والأمراء والرؤساء والتمتع فى نعمائهم وابتغاء لمرضاتهم والتعوُذْ من سخطهم!!. وهذا يبرهن على حِرصْ الأنظمة الحاكمة عبر العصور والعقود، على التحكم فى إعلامها كيفما تشاء، لتُجبر الرعية ومساكين العقول وضيقى الأُفق والمُعدَمين فكرياً على اتباع سياستها وتقبلها والارتضاء بها، وللأسف فإن أى إعلامى يتصف بصفات الكذاب الأشر، تجده ذو ملكة لإقناع البُسطاء الجُهلاء والمنعزلين عن السياسة بحُسنْ تمثيله الزائف، إذا ما ظهر باكياً أو ضاحكاً على شاشة التلفاز، وربما يظهر ذلك الإعلامى منفعلاً أو غاضباً أو مسترخياً أو تقياً وَرِعَاً وكأن لسانه من حلاوته، فى شفاءُ للناس من همومها وتفريج لكروبها، وهو ربما يدَعى ما ليس بحق ولا حقيقة!!. ومِنْ هؤلاء الإعلاميين، مَنْ يغضب أمام الكاميرات فقط، ثم يُظهر غير ما يُبطِنْ من حقائق لتزيين مواصفات وصفات وطِباع السلطان، أما كاميرات التصوير فهى بالطبع، لا تُصور نوايا أهل الإعلام ولا تلتقط خبايا قلوبهم وما تحويها ولا تُظهر ما تُكِن صدورهم!. نعم.. إن لوجوه الإعلام لقوة ساحرة، ساندت سالفاً ولا تزال تُساند الأنظمة السياسية وتُبارك ما فيها وما ليس فيها من كرامات وفتوحات وانتصارات، وليعلم منَ لا يعلم بأن هذا الإعلام ليس له سلطان إلا على الفارغين من الحقيقة ومعدومى الثقافات ومحدودى المعارف، وكذلك الذين قتلتهم السلبية وآثروا أن يتولوا إلى الظل!!. ولعلى أُصيب أو أُخطئ القول باعتقادى أن حِفنهْ من رجال الإعلام الموجَهْ وكذلك شيوخ الإعلام ونساؤه وصبيانه ودخلاؤه ومرتزقوه، جميعهم ذوى قوى خارقة وألسنة تارةً مُحلاة بالمدائح وتارةً أخرى مُلطَخة بالنفاق والرياء، تراقبهم يظهرون مُتجملين بعبارات معينة يخشون التهلكة إذا ما زلَتْ ألسنتهم بما يُغضب السلطان أو يُفزعُهْ أو يمنعه من النوم أو يفضح سياسته وقلة درايته!!. إنهم يثنون بالشكر على السلطان وأتباعه ومن والاه، ويسبُون خصوم السلطان ومعارضيه ولو كان أهل المعارضة على بينةٍ وبيان.. إنَ منهم ذوى همزاتْ ولمزاتْ، وقد يُلبسون الحق بالباطل، ربما طواعية لعِليةْ القوم واتقاءً لبطشهم، وإلا هَلَكُوا وحُرِمُوا من حدائق وأعناب حضرة السلطان!!. [email protected]