«زي النهارده» في 10 أكتوبر 2009 .. وفاة الدكتور محمد السيد سعيد    انخفاض كبير في عيار 21 بالمصنعية.. مفاجأة ب أسعار الذهب والسبائك اليوم الجمعة بالصاغة    سعر الدولار أمام الجنيه المصري اليوم الجمعة 10 أكتوبر 2025    وزير العدل الفلسطيني: سنطلق اسم مصر على أكبر ميادين غزة.. والسلطة جاهزة لتسلم إدارة قطاع غزة    الحكومة الإسرائيلية تصدق على قرار وقف إطلاق النار في قطاع غزة    خليل الحية: غزة تصنع المعجزات وتؤكد أنها محرمة على أعدائها    إجراء عقابي محتمل من ترامب ضد النرويج حال عدم منحه نوبل للسلام وصحيفة تكشف ما يحدث    «أي هبد».. وليد صلاح الدين يهاجم نجمًا شهيرًا: «ناس عايزة تسترزق»    بمشاركة دغموم.. الجزائر المحلي ينتصر على فلسطين بثلاثية وديا    تفاصيل جلسة لبيب مع فيريرا وجون إدوارد    وليد صلاح: داري لا يعاني من إصابة مزمنة.. وهذا موقف عاشور وفؤاد وشكري    غرقت في ثوان، 13 صورة ترصد كسح مياه الأمطار من شوارع وميادين العجمي بالإسكندرية    بسبب محل.. التحقيق مع مسؤول بحي العمرانية لتلقيه رشوة من أحد الجزارين    طقس مائل للحرارة نهارًا ومعتدل ليلًا.. الأرصاد تكشف تفاصيل حالة الجو اليوم الجمعة 10 أكتوبر 2025 في مصر    تحويلات مرورية لتنفيذ أعمال إنشائية خاصة بمشروع المونوريل بالجيزة    ما بيحبوش الزحمة.. 4 أبراج بتكره الدوشة والصوت العالي    «كان نعم الزوج».. هناء الشوربجي تتحدث عن قصة حبها بالمخرج حسن عفيفي    ما تكتمش العطسة.. تحذير طبي من عادة خطيرة تسبب أضرار للدماغ والأذن    «هتكسبي منها دهب».. إزاي تعمل مشروع الشموع المعطرة في البيت؟    4 أعشاب سحرية تريح القولون وتعيد لجهازك الهضمي توازنه الطبيعي بشكل آمن    حبس ديلر المخدرات وزبائنه في المنيرة الغربية بتهمة حيازة مخدر البودر    اليوم، انطلاق انتخابات التجديد النصفي لنقابة الأطباء    استدعاء كريم العراقي لمعسكر منتخب مصر الثاني بالمغرب استعدادًا لكأس العرب    حماس: حصلنا على الضمانات.. والحرب انتهت بشكل كامل    التاريخ ويقترب من تحطيم رقم حسام حسن.. فيديو    تفاصيل جلسة حسين لبيب مع يانيك فيريرا فى الزمالك بحضور جون إدوارد    السيسي يُحمّل الشعب «العَوَر».. ومراقبون: إعادة الهيكلة مشروع التفافٍ جديد لتبرير الفشل    رسميًا.. موعد بداية فصل الشتاء 2025 في مصر وانخفاض درجات الحرارة (تفاصيل)    متى يتم تحديد سعر البنزين فى مصر؟.. القرار المنتظر    منتخب المغرب يهزم البحرين بصعوبة وديا (فيديو)    وزير الخارجية الإيطالى يشكر مصر والوسطاء على جهود التوصل لاتفاق سلام فى غزة    النيابة تصدر قرارًا ضد سائق وعامل بتهمة هتك عرض طالب وتصويره في الجيزة    الأرصاد الجوية تكشف تفاصيل طقس الجمعة 10 أكتوبر وأماكن سقوط الأمطار    تراجع حاد للذهب العالمي بسبب عمليات جني الأرباح    رئيس فولكس فاجن: حظر محركات الاحتراق في 2035 غير واقعي    أسامة السعيد ل إكسترا نيوز: اتفاق شرم الشيخ إنجاز تاريخي أجهض مخطط التهجير ومصر تتطلع لحل مستدام    اتحاد كتاب مصر ينعى الناقد والمؤرخ المسرحي عمرو دوارة    محافظ شمال سيناء: اتفاق وقف الحرب لحظة تاريخية ومستشفياتنا جاهزة منذ 7 أكتوبر    "كارمن" تعود إلى مسرح الطليعة بعد 103 ليلة من النجاح الجماهيري.. صور    كريم فهمي يكشف حقيقية اعتذاره عن مسلسل ياسمين عبد العزيز في رمضان 2026    كيف يحافظ المسلم على صلاته مع ضغط العمل؟.. أمين الفتوى يجيب    موعد أول أيام شهر رمضان 2026 فى مصر والدول العربية فلكيا    انخفاض جديد في البتلو والكندوز، أسعار اللحوم اليوم بالأسواق    وصول عدد مرشحى النظام الفردى لإنتخابات مجلس النواب الى 1733 شخصًا    أوقاف الفيوم تعقد 150 ندوة علمية في "مجالس الذاكرين" على مستوى المحافظة.. صور    عشان تحافظي عليها.. طريقة تنظيف المكواة من الرواسب    مباشر مباراة المغرب ضد كوريا الجنوبية الآن في كأس العالم للشباب 2025    روسيا ترحب باتفاق "حماس" وإسرائيل وتشيد بجهود الوسطاء: نأمل بوقف دائم لإطلاق النار    نقابة أطباء الأسنان بالدقهلية توضح ملابسات وفاة شاب داخل عيادة أسنان بالمنصورة    سعر الموز والتفاح والبطيخ والفاكهة في الأسواق اليوم الجمعة 10 أكتوبر 2025    داليا عبد الرحيم تهنيء الزميلة أميرة الرفاعي لحصولها على درجة الماجستير    أميرة أديب ترد على الانتقادات: «جالي اكتئاب وفكرت أسيب الفن وأتستت»    نصائح للأمهات، طرق المذاكرة بهدوء لابنك العنيد    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 9-10-2025 في محافظة الأقصر    بيت الزكاة والصدقات يثمّن جهود الوساطة المصرية لوقف إطلاق النار في غزة    الثلاثاء المقبل.. أولى جلسات اللجنة الرئيسية لتطوير الإعلام بمقر الأكاديمية الوطنية للتدريب    كوارث يومية فى زمن الانقلاب…حريق محل مراتب بالموسكي ومصرع أمين شرطة فى حادث بسوهاج    دينا أبو الخير: قذف المحصنات جريمة عظيمة يعاقب عليها الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



موقف الخارج من احتجاجات إيران.. رؤية تحليلية

في 28 ديسمبر الماضي اندلعت احتجاجات في إيران، بدأت في مدينة مشهد شمال شرقي البلاد، وذلك على وقع تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية(1). حيث عجزت البنوك والمؤسسات عن إعادة الأموال لمودعيها؛ نتيجةً لتأخر رفع العقوبات المرتبطة بالاتفاق النووي، وفرض الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" مزيد من العقوبات الأحادية، وتأثر القطاع المالي في إيران. ثم ما لبثت أن تمددت الاحتجاجات، حيث انتقلت لعدد من المحافظات والمدن الإيرانية، ككرمنشاه والأحواز وتبريز وكردستان وأصفهان. كما تحولت مطالب المتظاهرين من اقتصادية اجتماعية لسياسية، مطالبةً باسقاط النظام السياسي الراسخ منذ ثورة 1979. جدير بالذكر أن وتيره وحده الاحتجاجات هدأت لحد كبير مؤخراً وانحسرت موجاتها، فقد تمكن النظام الإيراني من استيعاب واحتواء هذه الاحتجاجات وكبح جماحها.
وليس من المتصور أن تتم هذه التطورات دون ردود فعل دولية وإقليمية، سواء مؤيدة أو معارضة، فما يحدث في إيران لن يؤثر فقط على الإقليم بل على العالم بأسره. ومن ثم تسعى هذه الورقة لقراءة تحليلية في مواقف وردود فعل القوى الإقليمية والدولية تجاه هذه الاحتجاجات: ماوراءها ودوافعها وأهدافها.
ردود الفعل الرسمية
تباينت ردود الفعل والمواقف الرسمية العلنية للقوى الدولية والإقليمية تجاه الاحتجاجات. فبالنسبة للولايات المتحدة، أعلن الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" عن دعمه الصريح للمحتجين، وصرح بأن زمن التغيير في إيران قد حان(2). الأمر لم يتوقف على دعم "ترامب"، بل حتى وزارة الخارجية الأمريكية أعلنت دعمها للشعب الإيراني في احتجاجاته، ودعت لعقد جلسة طارئة لمجلس الأمن بهذا الخصوص(3). أما عن الموقف الإسرائيلي، فقد أعلن رئيس وزراءها "بنيامين نتنياهو" دعمه للمحتجين، متمنياً للشعب الإيراني أن ينجح في سعيه لنيل الحرية(4). كما قال رئيس جهاز الاستخبارات الصهيوني "الموساد" "يوسي كوهين"، إن لإسرائيل عيوناً وآذاناً في إيران(5).
وعن الموقف التركي، فقد تريث في البداية ثم ما لبث أن أعلن عن موقفه، حيث صرح وزير خارجيتها "جاويش أوغلو"، أنه يعارض أي تدخل خارجي في شؤون إيران الداخلية إزاء ما تشهده الآن من احتجاجات، معرباً عن أمله في أن الاستقرار والسلام سيعودان قريباً إليها(6). كما أجرى الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان"، اتصالاً مع نظيره الإيراني "حسن روحاني"، أكد فيه إيلاء بلاده أهمية للمحافظة على السلم والاستقرار الاجتماعي لإيران(7). أما الحليف الروسي، فقد أكدت وزارة الخارجية الروسية أن أي تدخل في الشؤون الإيرانية بهدف إثارة زعزعة الاستقرار في البلاد مرفوض، منددةً بالموقف الأمريكي(8).
أما الموقف الأوروبي، فقد أعرب الاتحاد الأوروبي عن أمله في أن تضمن طهران حق التظاهر، واحترام حقوق الانسان(9). كما أعلن الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون" أنه من الأهمية إبقاء حوار مع طهران، مشيراً إلى أن نبرة الخطابات الأمريكية والإسرائيلية والسعودية بشأن إيران تميل إلى حرب(10). أيضا أعرب "ماكرون" عن قلقه لنظيره الإيراني، "حسن روحاني" إزاء ارتفاع عدد الضحايا، مطالباً بضبط النفس واحترام حقوق الانسان(11). كما صرحت المتحدثة باسم الحكومة الألمانية "أولريكه ديمر"، أن برلين تعبر عن قلقها من تطور الأوضاع في إيران، مشيرة إلى أنها تراقب الاحتجاجات، ومطالبة بضرورة احترام حقوق الناس في التعبير عن رأيهم(12). وأخيراً أعرب وزير الخارجية البريطاني "بوريس جونسون" عن قلقه من الأحداث في إيران، مؤكداً على ضرورة أن يحصل المواطنون على حق التظاهر السلمي(13).
ما وراء ردود الفعل الرسمية..دوافع وأهداف
بالنظر لردود الفعل الرسمية للقوى الإقليمية والدولية الفاعلة تجاه احتجاجات إيران، نجد أن هذه المواقف انقسمت لأربعة اتجاهات: دول دعمت بشكل علني وواضح الاحتجاجات كأمريكا وإسرائيل، ودول دعمت النظام وفضلت الاستقرار كتركيا وروسيا، ودول تبنت موقفاً حذراً محايداً نسبياً كدول أوروبا، ودول فاعلة التزمت الصمت كالسعودية. ويمكن تناول سياقات ودوافع وأهداف هذه الدول من الاحتجاجات كالتالي:
أولاً الموقف الأمريكي، يبدو من ردود الفعل الأمريكية الرسمية أنها دعمت الاحتجاجات، لكن هل ترغب الولايات المتحدة فعلاً في اسقاط النظام الإيراني؟

على الأرجح يميل الموقف الأمريكي من منظور استراتيجي للحفاظ على بقاء النظام الإيراني المترسخ منذ ثورة 1979. وذلك لسببين: الأول، يتعلق بصناعات السلاح الأمريكية، فالمركب العسكري الصناعي، وهو أحد جماعات الضغط الأمريكية المسيطر على الصناعات العسكرية، من مصلحته ومصلحة صناعاته والترويج لها وتحقيق مبيعات كبيرة أن تظل منطقة الشرق الأوسط بيئة صراعية، وهو ما يتحقق بوجود النظام الإيراني، الذي تضعه دول الخليج وعلى رأسهم السعودية على رأس أولوياتها كمهدد لأمنها القومي. الثاني، أن وجود إيران قوية ومتماسكة في المنطقة بإمكانه دفع دول الخليج باستمرار للتحالف مع الحليف الأمريكي، والحاجة إليه دائماً كضامن وحامي لها في مواجهة المهدد الإيراني، وهو ما يفسر وجود القواعد العسكرية الأمريكية في منطقة الخليج.
ومن ثم، يبدو أن الحد الأقصى للأهداف الأمريكية من هذه الاحتجاجات كانت تتمثل في الضغط على النظام الإيراني وإلهائه بمشاكل الداخل وتطويقه؛ من أجل تقليم أظافره بتقليل تدخلاته في المنطقة، والتي بامكانها تهديد أمن حلفائها، وإحداث خلل في موازين القوى التي تحرص الولايات المتحدة على استقرارها في المنطقة. وبالتالي فهي غالباً وإن لم تكن تؤيد نجاح الاحتجاجات في اسقاط النظام، فهي لم تكن أيضا تؤيد فشلها المطلق، بل نجاحها جزئياً في هز أركان النظام، بما قد يدفعه لإعادة حساباته في الداخل والخارج، ومن ثم تحجيم دوره في الإقليم، خاصةً بعد تناميه مؤخراً.
وأما عن التصريحات الرسمية، فإن إعلان أمريكا دعمها العلني للمتحجين في إيران قوض من فاعلية هذه الاحتجاجات؛ حيث قدمت فرصة للحكومة الإيرانية لكي تروج بأن الاحتجاجات مؤامرة أمريكية، مما أعطاها شرعية قمعها من ناحية، ودفع بعض المحتجين للعدول عن موقفه من ناحية أخرى. وإذا كان تفسير موقف "ترامب" بأنه غير مقصود وناتج عن حداثته في السياسة، وافتقادة لأبجديات السياسة الخارجية الأمريكية، ولتعقيدات المنطقة ولكيفية التعاطي مع إيران، ومن ثم اندفع نحو دعم الاحتجاجات علناً، فكيف يمكن تفسير موقف وزارة الخارجية تجاه الاحتجاجات، وهي التي عبرت من خلال وزيرها "ريكس تيلرسون" في كثير من المواقف عن رؤية مغايرة عن رؤية "ترامب"، وممثلة لرؤية المؤسسات الأمريكية التقليدية، في ظل احتدام الصراع بين هذه المؤسسات والبيت الأبيض، وهي مؤسسات راسخة تدرك تعقيدات المنطقة وكيفية التعامل مع إيران.
فكان يمكن لوزارة الخارجية أن تصمت تجاه هذه التطورات، إذا كانت فعلاً تهدف لاسقاط النظام، ومع ذلك فإن وزارة الخارجية أيضا دعمت الاحتجاجات علناً، ودعت لعقد جلسة طارئة لمجلس الأمن لمناقشة التطورات في إيران. ومن ثم فإن الرأى القائل بأن الموقف الأمريكي يفتقد للحكمة والذكاء السياسي غير صحيح؛ استناداً إلى أن هكذا موقف متعمد ومقصود؛ من أجل تقليل فاعلية الاحتجاجات، لأنه ليس هناك رغبة أمريكية حالياً في إسقاط النظام الإيراني.
ثانياً الموقف الإسرائيلي، وبتطابق مع الموقف الأمريكي، جاء الموقف الإسرائيلي داعماً بشكل واضح وعلني للاحتجاجات، فهل ترغب إسرائيل فعلاً في إسقاط النظام الإيراني؟
على الأرجح تميل إسرائيل ومن منظور استراتيجي للحفاظ على بقاء النظام الإيراني. وذلك لعدة أسباب: الأول، أن بقاء النظام الإيراني الحالي يعد وسيلة لإبقاء منطقة الشرق الأوسط في صراع محتدم واستنزاف مستمر للكثير من الأطراف، كما هو الحاصل في الأزمة السورية، بما يضمن التفوق الاسرائيلي العسكري في المنطقة. الثاني أن استمرار وبقاء النظام الإيراني الحالي يدحض لدى البعض فكرة العدو الإسرائلي الأوحد في المنطقة، بل دفع ذلك بعض الدول العربية لتقديم إيران كعدو على إسرائيل، ومؤخراً سعت ولا زالت تسعى بعض الدول العربية للتمهيد لعملية تطبيع مع إسرائيل، في ظل تنامي تصعيدها وصراعها مع إيران. الثالث، أن بقاء النظام الإيراني فرصة لإسرائيل لاستجداء الدعم العسكري الأمريكي، خاصة في ظل تصريحات إيرانية رسمية تدعو لإنهاء الوجود الإسرائيلي وتدميرها. الرابع، أن إيران في حقيقة الأمر لا تمثلل تهديداً وجودياً لإسرائيل، أو خطراً يهدد بقائها أو حتى اسقرارها، هي فقط مجرد منافس إقليمي، وخبرة التجارب الماضية ترجح ذلك.
ومن ثم، يبدو أن الحد الأقصى للأهداف الإسرائيلية أيضا من هذه الاحتجاجات كانت تتمثل في الضغط على إيران وإلهائها بمشاكل الداخل وتطويقها؛ من أجل استنزافها وتقليم أظافرها في الخارج، وبالأخص في الجنوب السوري، حيث تقترب الميلشيات المدعومة إيرانياً من الحدود الإسرائيلية. ومن ثم فإنها غالباً أيضا كانت تؤيد نجاح الاحتجاجات بشكل جزئي وليس كلي، بحيث لا تؤدي لانهيار النظام.
وكذلك فإن التصريحات الإسرائيلية العلنية الداعمة للاحتجاجات كما الأمريكية كانت في الحقيقة ليس دعماً لها، بل مقوضاً لها ولفاعليتها ولشرعيتها واستمرارها. وتدرك الحكومة الإسرائيلية ورئيس وزرائها هذه الحقيقة، ولعل هذا ما يرجح فكرة تفضيلها بقاء النظام، خاصة مع خبرة الحكومات الإسرائيلية وكذلك "نتيناهو" بتعقيدات المنطقة وكيفية التعامل مع إيران، وما الذي يفيد أو يضر بقاءه واستمراره.
ثالثاً الموقف السعودي، التزمت السعودية الصمت على المستوى الرسمي تجاه الاحتجاجات، وفي هذا الإطار برز اتجاهان داخل المملكة:
الأول، دعم الاحتجاجات ورغب في نجاحها في إسقاط النظام الإيراني، ولعل ذلك نابع من أن إيران هي خصم حقيقي للسعودية، ومهدد فاعل لوجودها ولأمنها القومي، في ظل تمددها من خلال ميلشياتها على حدودها الجنوبية مع اليمن، فضلاً عن تواجدها في سوريا والعراق ولبنان. ومن ثم ووفقًا لهذا الاتجاه، فإن السعودية تريد للاحتجاجات أن تصل لأبعد مدى في مواجهة النظام بما قد يؤدي لاسقاطه. وما يرجح هذا الاتجاه، الصمت السعودي الرسمي تجاه الاحتجاجات؛ لادراكها أن دعمها العلني للاحتجاج يقوضه ويجهضه، في ظل تسويق النظام الإيراني على أن ما يحدث في الداخل مؤامرة خارجية. لكن وفي ظل الصمت السعودي على المستوى الرسمي، فإنها تركت العنان لوسائل إعلامها العامة والخاصة في دعم الاحتجاجات لحد كبير، وهو دليل كاف للسلطات الإيرانية للترويج لهذه الاحتجاجات على أنها مؤامرة خارجية مدعومة من السعودية.
الثاني، دعم نجاح الاحتجاجات بشكل جزئي، في اشغال النظام الإيراني بالداخل الغير مستقر، وتحجيم دوره الإقليمي وتقليل تدخلاته في المنطقة، دون أن يؤدي ذلك لاسقاط النظام؛ وذلك للتخوف السعودي من فكرة انتقال عدوى هذه الاحتجاجات للداخل. ويؤيد الكاتب السعودي والمقرب من دوائر السلطة في المملكة "عبد الرحمن الراشد"، في مقالته بصحيفة الشرق الأوسط، هذا الاتجاه، إذ ذكر بأن الأفضل لدول المنطقة خاصة العربي منها، بل والوضع المثالي ألا ينهار النظام تماماً، بل أن يغير من سياساته الخارجية ويتوقف عن مشروعه العدواني، وذلك في ظل ما تمر به المنطقة الآن من حالة تدمير لا تحتمل فوضى جديدة، وحروب أهلية إضافية، ولاجئين بالملايين(14). وهو بالتأكيد يطرح هذه الرؤية بشكل لا يمكن فصله عن توجهات بعض الدوائر داخل المملكة.
رابعاً الموقف الأوروبي
اتسم الموقف الأوروبي سواء على مستوى الاتحاد، أو على مستوى دوله الفاعله "فرنسا وألمانيا وبريطانيا" بالحذر والحياد النسبي، الذي ركز على الحوار والتهدئة وضمان حق التظاهر واحترام حقوق الانسان، فلم يسلك مسلك الأمريكي في الدعم المباشر والعلني للاحتجاجات. ويعد هذا الموقف برجماتي بامتياز، يميل أكثر للجانب الإيراني، خاصة وأن المتوقع هو دعم دول أوروبا لحركات الثورات والتغيير. وهو ما فع "ترامب" لوصف الموقف الأوروبي من الاحتجاجات بالمحبط(15).
ويمكن قراءة الموقف الأوروبي في سياق التهديدات والمصالح المشتركة. وتتعلق المصالح أولاً بحرص دول أوروبا على استمرار الاتفاق النووي وعدم إلغائه، ثانياً بالشراكات الاقتصادية التي عقدتها دول أوروبا، بالأخص فرنسا وألمانيا وبريطانيا مع الجانب الإيراني، للاستثمار في القطاع النفطي والبنية التحتية الإيرانية، فضلاً عن حجم التبادلات التجارية البينية، بعد ابرام الاتفاق النووي الإيراني.
بالنسبة لألمانيا، أعلن سفيرها لدي إيران "ميخائيل كلور برشتولد"، أن علاقات إيران وألمانيا بعد إبرام الإتفاق النووي شهدت تطوراً ملحوظاً، فقد نمى حجم التبادلات التجارية بنسبة 20% بين البلدين، لتبلغ ثلاثة مليارات دولار(16). أما فرنسا، فقد أعلنت سفيرتها للإستثمار الدولي "موريل بينكو"، عن دخول 300 شركة فرنسية لإيران، مشيرةً إلي أن أكثر من 2000 شركة أبدت رغبتها في دخول الأسواق الإيرانية(17). كما بلغ حجم التبادل التجاري بين إيران وفرنسا مليارين و400 مليون دولار سنويا(18). أما بريطانيا، فيشير التقرير السنوي الأخير، الصادر عن غرفة التجارة البريطانية-الايرانية، إلى أن العلاقات الاقتصادية بين الجانبين في فترة ما بعد إبرام الإتفاق النووي زادت بنسبة 50%، فحجم التبادل التجاري بين البلدين قد ارتفع ليصل من 112.9 مليون يورو في 2015 إلي 171.5 مليون يورو في 2016(19).
أما عن التهديدات فتتعلق أكثر بمشكلة اللاجئين، وهي معضلة تؤرق دول أوروبا، وسببت لهم أزمات أمنية واقتصادية وسياسية عميقة. ومن ثم لم تعد دول أوروبا بذات الحماس السابق في دعم الثورات وحركات التغيير في المنطقة؛ في ظل خشيتها من أن تؤدي الاحتجاجات في إيران في المحصلة النهائية لحرب أهلية، تجعل من إيران منبع آخر لتدفق اللاجئين نحو أوروبا.
خامساً الموقف التركي
انحازت تركيا في موقفها للنظام الإيراني، ودعمت الاستقرار الداخلي ورفضت التدخلات الخارجية، ومن ثم لم تدعم تركيا الاحتجاجات. ويمكن قراءة الموقف التركي كما الأوروبي في إطار التهديدات والمصالح المشتركة. وتتعلق المصالح أولاً، بقيمة التبادلات التجارية بين تركيا وإيران التي وصلت العام الماضي، وذلك على لسان "أردوغان" ل10 مليار دولار، والذي أكد على أنه تم الاتفاق على التعامل بالعملة المحلية للدولتين في التبادلات التجارية، للابتعاد عن ضغوط العملة الأجنبية، والاتفاق على إنشاء فروع للبنوك الإيرانية في تركيا وفروع للبنوك التركية في إيران(20). ثانياً التقارب السياسي الكبير بين البلدين، على وقع الأزمة الكردية العراقية والخليجية والسورية في ظل محادثات أستانا واتفاقات خفض التصعيد. ثالثاً، كما دعمت إيران تركيا إبان انقلابها الفاشل في يوليو 2016، فإن تركيا أرادت أن تعاملها بنفس المعاملة، خاصة في ظل تشابك العامل الخارجي في كلا الحدثين من وجهة نظر البلدين، وهو ما يفسر تركيز تركيا في تصريحاتها على رفض التدخلات الخارجية في الداخل الإيراني.
أما التهديدات، فتتعلق أولاً بالعامل الكردي، سواء لخشيتها من أن يدفع دعمها للاحتجاجات إيران للعب في الداخل التركي وبالأخص في الملف الكردي من ناحية، أو تؤدي الاحتجاجات لزعزعة استقرار النظام الإيراني أو حرب أهلية، بما تؤدي في المحصلة النهائية لاضعاف سيطرة النظام المركزية على كامل البلاد، بما يعطي الفرصة لأكراد إيران للسعي نحو الاستقلال، والذي يؤثر في النهاية على الأمن القومي التركي من ناحية أخرى. ثانياً، التهديد المتعلق باللاجئين، خاصة وأنها ترتبط مع إيران بحدود تصل ل534كم، فإذا لم تستطع الحكومة السيطرة على الاحتجاجات من البداية، وتفلتت الأمور من يدها، قد تؤدي لتدفق موجات لاجئين جديدة للداخل التركي، وهي مازالت تعاني من هذه المشكلة جراء الأزمة السورية. جدير بالذكر أنه قد يكون هناك ثمة اتجاهاً داخل تركيا، وبرغم الدعم العلني الواضح للنظام الإيراني، كان يفضل نجاح هذه الاحتجاجات بشكل جزئي يدفعها للعدول عن سياستها الإقليمية، مع الحفاظ في نفس الوقت على استقرار النظام وبقائه، خاصة في ظل التنافس الإقليمي بين البلدين، بالأخص في سوريا.

سادسا الموقف الروسي
وقفت روسيا بجانب النظام الإيراني، وننددت بالتدخلات الخارجية، وأيدت استقرار الداخل الإيراني. ولعل الدوافع هنا واضحة:
الأول، سقوط النظام في إيران يعني خسارة روسيا للحليف الأكبر لها في المنطقة، بعد خسارتها ل"صدام حسين" و"معمر القذافي"، وهو ما دفعها للاستماتة في الدفاع عن بقاء "بشار الأسد". الثاني، روسيا وإيران حليفان رئيسيان في الملف السوري، وكلاهما يحتاجان لبعضهما البعض من أجل تثبيت مواقعهما على الأرض في الوقت الحالي، خاصة في ظل اتفاقات التسوية الجارية حالياً وتقاسم النفوذ، ومن ثم انشغال إيران بالداخل ومن ثم خسارة روسيا لها كحليف لها في سوريا، يؤدي لخلل في موازين القوى على الأرض في غير صالح روسيا. الثالث، تمثل إيران سوق واعدة للسلاح الروسي، حيث تعتمد بشكل رئيسي في مشتريات السلاح على روسيا. الرابع، العلاقات الاقتصادية الجيدة وحجم التبادلات التجارية بين البلدين، ففي عام 2016 وبفضل رفع العقوبات المفروضة على إيران، ارتفع حجم التبادل التجاري بين إيران وروسيا مقارنة مع العام السابق بنسبة 70%، حيث تم تسجيل رقم مليارين و 200 مليون دولار (21). الخامس، تدهور الأوضاع الداخلية في إيران يؤثر تلقائياً على الأمن في منطقة آسيا الوسطى والقوقاز، بما قد ينعكس ذلك على الداخل الروسي، والملفات الأمنية تمثل أولوية للنظام الروسي الحاكم، وهاجس في ذات الوقت.
خلاصة
بعد استعراض ردود الفعل الرسمية للقوى الإقليمية والدولية الفاعلة تجاه احتجاجات إيران، وكذلك التطرق لما وراء هذه الردود وتبيان دوافعها وأهدافها. فإننا نخلص إلى:
1) أنه وبرغم التباين في مستوى ردود الفعل هذه، إلا أن هذه المواقف على أرض الواقع لا تختلف كثيراً فيما يتعلق بخيار إسقاط النظام الإيراني، فالقوى الإقليمية والدولية الفاعلة غالباً يفضلون بقاء النظام الإيراني الحالي لا انهياره أو سقوطه، سواء حلفائها أو حتى خصومها.
2) أن الإختلاف بين هذه القوى تتمثل في دوافعهم وأهدافهم، وحول المدى الذي ترغب فيه هذه القوى أن تصل إليه الاحتجاجات فيما دون إسقاط النظام، بين من يرغب في نجاحها بشكل جزئي، بحيث تحافظ على بقاء النظام مع دفعه لمراجعة سياساته في الخارج، ومن ثم العدول عن سياسته الإقليمية وتراجع نفوذه الإقليمي، ومن يرغب في عدم نجاحها بالأساس في ظل التقارب أو التحالف الذي يجمعهم مع إيران.
المصادر:
(1): احتجاجات إيران تتوسع.. واعتقالات في قلب طهران، العربية نت، 29/12/2017،
(تاريخ الدخول:11/1/2018)، الرابط:
www.alarabiya.net/ar/iran/2017/12/29/احتجاجات-إيران-تتوسع-الأمن-يعتقل-52-ورجل-دين-يحرض .html
(2): ترامب يعتبر أن "زمن التغيير" قد حان في إيران، فرانس 24، 1/1/2018،
(تاريخ الدخول:11/1/2018)، الرابط:
www.france24.com/ar/20180101-ترامب-تغيير-إيران-مظاهرات-روحاني-أمريكا
(3): الخارجية الأمريكية تجدد دعمها للشعب الإيراني في احتجاجاته، يني شفيق، 3/1/2018، (تاريخ الدخول:11/1/2018)، الرابط:
https://www.yenisafak.com/ar/world/2949525
(4): نافيا تدخل إسرائيل.. نتنياهو يعلن دعمه لاحتجاجات إيران، الخليج الجديد، 2/1/2018،
(تاريخ الدخول:11/1/2018)، الرابط:
thenewkhalij.org/سياسة/نافيا-تدخل-إسرائيل-«نتنياهو»-يعلن-دعمه-لاحتجاجات-إيران
(5): رئيس الموساد: لدينا أعين وآذان وأكثر من ذلك في إيران، ار تي عربي، 9/1/2018،
(تاريخ الدخول:11/1/2018)، الرابط:
arabic.rt.com/world/920087-رئيس-الموساد-لدينا-أعين-وآذان-وأكثر-من-ذلك-في-إيران
(6): أنقرة: نتنياهو وترامب يدعمان الاحتجاجات في إيران، ار تي عربي، 3/1/2018، (تاريخ الدخول:11/1/2018)، الرابط:
arabic.rt.com/world/919200-الخارجية-التركية-نتنياهو-وترامب-يدعمان-الاحتجاجات-في-إيران
(7): تركيا تكشف عن موقفها الرسمي من احتجاجات إيران، الخليج الجديد، 3/1/2018،
(تاريخ الدخول:11/1/2018)، الرابط:
alkhaleejonline.net/articles/1514971568256038600/تركيا-تكشف-عن-موقفها-الرسمي-من-احتجاجات-إيران
(8): روسيا حول احتجاجات إيران: أي تدخل خارجي مزعزع غير مقبول، ار تي عربي، 1/1/2018، (تاريخ الدخول:11/1/2018)، الرابط:
arabic.rt.com/world/918949-روسيا-احتجاجات-إيران-أي-تدخل-خارجي-مزعزع-غير-مقبول
(9): الاتحاد الأوروبي يبدي أمله بأن تضمن إيران حق التظاهر، سكاي نيوز عربية، 2/1/2018، (تاريخ الدخول:11/1/2018)، الرابط:
www.skynewsarabia.com/web/article/1009324/الاتحاد-الا?وروبي-يبدي-ا?مله-با?ن-تضمن-ا?يران-حق-التظاهر

(10): ماكرون: تصريحات أمريكا والسعودية وإسرائيل حول إيران قد تقودنا إلى حرب،
آر تي عربي، 3/1/2018، (تاريخ الدخول:11/1/2018)، الرابط:
arabic.rt.com/world/919252-ماكرون-الولايات-المتحدة-والسعودية-وإسرائيل-إيران-حرب
(11): ماكرون أول زعيم غربي يتصل بروحاني عقب الاحتجاجات، الخليج الجديد، 3/1/2018، (تاريخ الدخول:11/1/2018)، الرابط:
alkhaleejonline.net/articles/1514959408375927000/ماكرون-أول-زعيم-غربي-يتصل-بروحاني-عقب-الاحتجاجات
(12): ألمانيا تحث طهران على الرد بشكل ملائم على الاحتجاجات، سبوتنك عربي، 3/1/2018، (تاريخ الدخول:11/1/2018)، الرابط:
arabic.sputniknews.com/world/201801031028938692-ألمانيا-تحث-طهران-الاحتجاجات
(13): بريطانيا تعلق على أحداث إيران، سبوتنك عربي، 31/12/2017، (تاريخ الدخول: 11/1/2018)، الرابط: arabic.sputniknews.com/world/201712311028887067-بريطانيا-تعلق-على-أحداث-إيران
(14): عبدالرحمن الراشد، هل الأفضل لنا سقوط نظام إيران؟، الشرق الأوسط، 2/1/2018،
(تاريخ الدخول: 11/1/2018)، الرابط:
aawsat.com/home/article/1130281/عبد-الرحمن-الراشد/هل-الأفضل-لنا-سقوط-نظام-إيران؟
(15): أمريكا: موقف الاتحاد الأوروبي من احتجاجات إيران محبط، التحرير، 7/1/2018،
(تاريخ الدخول: 11/1/2018)، الرابط:
www.tahrirnews.com/posts/861700/أخبار+العالم++الاتحاد+الأوروبي++ريكس+تيلرسون+مظاهرة +


(16):إرتفاع التبادل التجاري بين ايران وألمانيا 20 بالمئة بعد الاتفاق النووي، i 24news ،
14/11/2017، (تاريخ الدخول:11/1/2018)، الرابط:
www.i24news.tv/ar/أخبار /middle-east/160229-171114-إرتفاع-التبادل-التجاري-بين-ايران-وألمانيا-20-بالمئة-بعد-الاتفاق-النووي

(17):سفيرة فرنسا للإستثمار الدولي: 300 شركة فرنسية دخلت إيران، وكالة ارنا، 8/3/2017،
(تاريخ الدخول:11/1/2018)، الرابط:
http://www.irna.ir/ar/News/82457446
(18):40 شركة فرنسية تجري مفاوضات اقتصادية في ايران، المنار، 20/9/20127،
(تاريخ الدخول:11/1/2018)، الرابط:
http://www.almanar.com.lb/2632386
(19):زيادة ملحوظة في التبادل التجاري بين إيران وبريطانيا بعد الإتفاق النووي، وكالة ارنا، 30/12/2017، (تاريخ الدخول:11/1/2018)، الرابط: http://www.irna.ir/ar/News/82780304
(20): أردوغان: اتفقنا على رفع قيمة التبادل التجاري مع إيران إلى 30 مليار دولار، سبوتنك عربي، 4/10/2017، (تاريخ الدخول:11/1/2018)، الرابط:
arabic.sputniknews.com/world/201710041026561127-أردوغان-قيمة-تبادل-إيران
(21):ارتفاع حجم التبادل التجاري بين إيران وروسيا إلى 70?، مهر للأنباء، 18/4/2017،
(تاريخ الدخول:11/1/2018)، الرابط:
ar.mehrnews.com/news/1871866/ارتفاع-حجم-التبادل-التجاري-بين-إيران-وروسيا-إلى-70


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.