منذ قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب باعتبار القدس عاصمة لإسرائيل, تحركت مصر بصفتها العضو العربي بمجلس الأمن، تنفيذًا لقرار الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب في القاهرة يوم 9 ديسمبر الجاري. وقادت بعثة مصر الدائمة لدى الأممالمتحدة، عملية تفاوض مطوّلة وهادئة مع جميع أعضاء المجلس، بالتنسيق الكامل مع بعثة فلسطين والتشاور مع المجموعة العربية بنيويورك، مستهدفةً الوصول إلى صياغة متوازنة لمشروع القرار تستهدف الحفاظ على الوضعية القانونية للقدس، ومطالبة جميع الدول بالالتزام بقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، ولإعادة التأكيد على المرجعيات الخاصة بعملية السلام. غير أن مشروع القرار الذي تقدمت به مصر نيابةً عن المجموعة العربية، وحظي بتأييد 14 عضوًا بمجلس الأمن، لكنه أجهض بسبب استخدام الولاياتالمتحدة حق النقض "الفيتو". وقال المستشار أحمد أبو زيد, المتحدث باسم الخارجية، إنه "من المقلق للغاية أن يعجز مجلس الأمن عن اعتماد قرار يؤكد قراراته ومواقفه السابقة بشأن الوضعية القانونية لمدينة القدس باعتبارها مدينة محتلة تخضع لمفاوضات الحل النهائي للقضية الفلسطينية وفقًا لكل مرجعيات عملية السلام المتوافق عليها دوليًا", مشيرًا إلى أن "المجموعة العربية سوف تجتمع لتقييم الموقف وتحديد الخطوات القادمة للدفاع عن وضعية مدينة القدس". وأوضح السفير جمال بيومي مساعد وزير الخارجية الأسبق, أنه "بغض النظر عن استخدام الفيتو الأمريكي فإن القرار المصري العربي جعل العالم بأكمله يتضامن مع القدس ويقف ضد الولاياتالمتحدة, وهو ما يعد انتصارًا كبيرًا للدبلوماسية المصرية". وأضاف ل"المصريون": "هناك طرق عدة يمكن من خلالها مواصلة الضغط على واشنطن, والتوجه إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة, والتي تمتلك نفس صلاحيات مجلس الأمن لكن ليس هناك شيء يسمى الفيتو ضد قراراتها". وتابع: "على صعيد العلاقات الخارجية, فإن قطع العلاقات لم يحل القضية الفلسطينية, لكن يكمن في رفض لقاءات ممثلي الولاياتالمتحدة, كما فعلت المؤسسات الدينية في مصر مع نائب الرئيس الأمريكي, ويتجدد الرفض أيضًا من قبل الخارجية المصرية, حتى تشعر بأن هناك ردة فعل غاضبة من قبل الشعوب على قرار بلاده بسبب القدس. وقال الدكتور عبدالله الأشعل، مساعد وزير الخارجية الأسبق, إن "تراجع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن قراره لا يحتاج سوى إجراءات وخطوات ملموسة على أرض الواقع من قبل الدول العربية والإسلامية, وعدم الاكتفاء ببيانات الشجب والإدانة. وأضاف في تصريحات إلى "المصريون": "الولاياتالمتحدة باتت تهمين على القانون الدولي, وتنتهكه بشكل واضح, وأن القرار بحاجة إلى مواقف قوية وليس القانون". وأشار إلى أن "مجلس الأمن لديه قرارات سابقة بشأن القدس, وما قامت به مصر هو تأكيد على القرارات السابقة", لافتًا إلى أن "مصر قامت بدورها بمجلس الأمن كعضو غير دائم, لكن الولاياتالمتحدة استخدما حق النقض "الفيتو" ضد 14 دولة أيدت القرار، ما يؤكد عدم احترام القانون الدولي". وشدد على أنه "لن يكون هناك حل في مسألة القدس سوى اتخاذ موقف موحد من الدول العربية والإسلامية ضد إسرائيل والولاياتالمتحدة". بدوره، ندد أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية، بإجهاض الولاياتالمتحدة مشروع القرار المقدم من مصر إلى مجلس الأمن لحماية وضع القدسالمحتلة، معربًا عن بالغ استيائه إزاء استخدام أمريكا للفيتو للحيلولة دون صدور القرار. وأوضح الأمين العام أن "النهج الأمريكي يتسبب في مزيد من العزلة للولايات المتحدة وأن استخدام الفيتو في مواجهة 14 صوتًا يكشف عن تحد أمريكي صارخ لحالة واضحة وربما نادرة من الإجماع الدولي". وقال أبو الغيط إن "الدول العربية ستتوجه إلى الجمعية العامة من أجل تمرير القرار تحت بند الاتحاد من أجل السلم، ليصبح قرارًا ملزمًا لكل مؤسسات الأممالمتحدة"، مشيرًا في الوقت ذاته إلى أن هناك سبلاً متعددة يجري دراستها على الصعيدين الفلسطيني والعربي من أجل التعامل مع أي تبعات سلبية للقرار الأمريكي. ووصفت لجنة الشئون العربية بمجلس النواب، برئاسة النائب سعد الجمال، تقديم مصر مشروع قرار برفض أي قرار أحادي بشأن القدس وعدم ترتب أي آثار قانونية عليه ب "الزلزال السياسي والدبلوماسي الذي هز ضمير العالم الحر»، مضيفة أن "ذلك أكد العزلة السياسية التي تخطو أمريكا نحوها يومًا بعد يوم، بدءًا من إغلاق مكتب لمنظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، ثم قطع المساعدات عن الشعب الفلسطيني، إلى الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل". وقال الجمال، في بيان صحفي، الثلاثاء: "أصبحت أمريكا وإسرائيل في خندق واحد في مواجهة القوى والشرعية الدولية كلها، وأصبح الحق الفلسطيني أكثر سطوعًا ووضوحًا في مواجهة الباطل الصهيوني". وتابع: "أي حديث أمريكي مشبوه وكاذب بعد اليوم عن حقوق الإنسان لا محل له، حيث سمحت بانتهاك حقوق شعب بأكمله ثم سرقة وطنه واغتيال أحلامه ومستقبله، وكذلك أي حديث خادع عن مكافحة وحرب الإرهاب، في ظل تأييد إرهاب الدولة الصهيونية وتطرف حكومتها ومستوطنيها".