لاشك أن قضاة مصر الذين اختصهم الله تعالى بالفصل فى المنازعات بين الناس هم شريحة من الشعب المصرى بكافة طوائفه وفئاته، ويشعرون بآماله وآلامه، ومن هنا نشأت حركة "قضاة من أجل مصر"، التى يرأسها المستشار زكريا عبد العزيز، ونائبه المستشار وليد شرابى، المتحدث باسم الحركة التى التف الشعب حولها بكل الحب والتقدير والاحترام. وفى هذا الإطار ينبغى أن يُفهم نقدنا لحكم المحكمة الدستورية العليا الصادر يوم 14 يونيه الماضى، والذى قضى بعدم دستورية قانون الانتخابات البرلمانية، مما ترتب عليه حل البرلمان.. ونرى أن المحكمة قد أخطأت فى تطبيق القانون وأن هذا الحكم قد غلب عليه الطابع السياسى.. نستند فى ذلك إلى ما ذكره كبار رجال القضاء أنفسهم تعليقًا على الحكم. فقد أكد المستشار طارق البشرى، رئيس مجلس الدولة الأسبق، ورئيس لجنة التعديلات الدستورية، التى تم إقرارها فى العام الماضى أن البرلمان قائم دستوريا وقرار حله باطل، وأن قرار الحل يعد اجتهادًا من جانب المحكمة الدستورية العليا، وأنه ليس تأثيرًا دستوريًا على عمل البرلمان المنتخب. أما المستشار محمود الخضيرى، نائب رئيس محكمة النقض السابق، فقد رفع دعوى مخاصمة ضد هيئة المحكمة الدستورية العليا، التى أصدرت الحكم ببطلان قانون انتخابات المجلس، وقال الخضيرى، إنه كان يجب على هيئة المحكمة أن تتنحى عن نظر قضية بطلان انتخابات قانون مجلس الشعب، بسبب الخصومة بين مجلس الشعب والمستشار فاروق سلطان، رئيس المحكمة الدستورية العليا، وفى نفس الوقت رئيس الهيئة، التى أصدرت الحكم، حيث كان مجلس الشعب قد حاول إصدار قانون من شأنه تعديل تشكيل المحكمة الدستورية، كما ألحق تعديلا بقانون انتخابات الرئاسة يحظر على أعضاء لجنة الانتخابات الرئاسية- التى تضم رئيس المحكمة الدستورية العليا ونائبه- تولى مناصب حكومية لمدة عشر سنوات من انتخاب الرئيس، ولكن المحكمة الدستورية رفضت هذا التعديل، الذى أحيل إليها بموجب الإعلان الدستورى. وأضاف الخضيرى أنه سيقوم أيضاً بإقامة دعوى قضائية أخرى لوقف تنفيذ وإلغاء قرار رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة بشأن حل المجلس، وأكد أن مجلس الشعب سيتحمل مسئولياته كاملة، فيما يتعلق بمجموعة الإجراءات، التى اتخذها المجلس الأعلى للقوات المسلحة، خلال الأيام الماضية، والتى بدأت بقرار وزير العدل منح الضبطية القضائية لرجال القوات المسلحة، وصدور حكم الدستورية العليا بحل المجلس، ثم قرار غلق مجلس الشعب أمام النواب، وأخيرًا إصدار العسكرى إعلانًا دستوريًا يسلب جميع الاختصاصات التشريعية والتنفيذية لصالحه. كما قال نائب رئيس محكمة النقض السابق، المستشار أحمد مكى، إنه لا يملك أحد حل مجلس الشعب لأنه إحدى مؤسسات الدولة المنتخبة انتخابات شرعيًا من خلال الشعب ولا يحله إلى الشعب. والآن فقد أُقيمت دعوى المخاصمة أمام القضاء ثقة فى القضاء، كما أن قرار المجلس الأعلى للقوات المسلحة بحل مجلس الشعب، وقرار وزير العدل بمنح صفة الضبطية القضائية لضباط وأفراد الشرطة العسكرية، قد تم الطعن عليهما أمام القضاء. مما يؤكد أن القضاء العادل هو الملجأ والملاذ الأخير للشعب لاستعادة حقوقه المسلوبة. ولاشك فى أن الأحداث الجارية فى مصر، وخاصة حل مجلس الشعب محل اهتمام العالم بأسره، الذى يتابعها ويحللها، ونقدم نموذجًا لذلك ما كتبه الكاتب البريطانى روبرت فيسك فى مقاله بصحيفة الإندبندنت: "إن *قضاة مبارك* وليس كل قضاة مصر بكل تأكيد هم الذين سمحوا لأحمد شفيق بدخول جولة الإعادة فى انتخابات الرئاسة، وهم من يريدون أن يجعلوه رئيسًا لمصر من خلال تزييف الإرادة الشعبية، التى اختارت مرشح الإخوان المسلمين بكل وضوح وإصرار على عزل شفيق، وهم من أخرجوا رئيس أمن الدولة المنحل من السجن بالبراءة، على الرغم من أنه عند اقتحام مبانى أمن الدولة فى مارس 2011، وجدت غرف ووسائل تعذيب فى كل مبنى تقريبًا، كما حكموا بالبراءة لمعاونى العادلى، الذين تحكموا فى كل مؤسسات مبارك، فوزارة الداخلية ليست وحدها، التى تحتاج لتطهير، وإنما القضاء أيضًا يحتاج إلى تطهير نفسه ذاتيًا". وقالت السيدة هيلارى كلينتون، وزيرة الخارجية الأمريكية: "المصريون قالوا كلمتهم فى صناديق الاقتراع وعلى جميع مؤسسات الدولة المصرية احترام هذه الإرادة وعدم محاولة تغييرها بأى شكل.. وحل البرلمان التشريعى خطوة فى تزييف هذه الإرادة بالقوة، ومن الواضح أن هذا التصرف غير مقبول من قبل الشعب المصرى، الذى اختار مرشح الإخوان المسلمين، كما أعلن القضاة على شاشات الفضائيات وأمام مندوبى منظمة كارتر ومنظمات دولية أخرى ." *وقالت السيدة كاثرين أشتون المفوضة العليا للاتحاد الأوروبى: "لماذا كل هذا التهرب من إعلان النتيجة والعالم كله بات يعرف من المنتصر فى الانتخابات المصرية؟ هذا التهرب مؤشر خطير على نية تزييف إرادة المصريين الحقيقية من قبل المجلس العسكرى فى مصر". وأخيرًا، سيقول المتفيقهون: لا تعلق على أحكام القضاء يا سيد.. حكم القضاء عنوان على الحقيقة يا مواطن!! أقول لهم: لا.. مش دايمًا.. بلاش كِبر وفذلكة وعنطزة كذّابة!! اسمعوا حديث النبى صلى الله عليه وسلم: "قاض فى الجنة وقاضيان فى النار".. وهو حديث صحيح أخرجه غير واحد من الأئمة. فهمتم؟؟