البعض يرى أن "المهدية" حركة محدودة الآثار، والبعض يراها ثورة أحدثت تغييرات كبرى، فهى حركة ذات مضمون دينى سياسى، ظهرت فى أواخر القرن التاسع عشر، قام بها محمد أحمد المهدى (1845 1885) حيث أصدر فتواه فى عام 1881، بإعلان الجهاد ضد "الكفار" والمستعمرين الإنجليز، حيث اتخذت الحركة شكلا دينيا، وقد يكون هذا لقوة الوازع الدينى لدى أهل السودان. اعتكف المهدى أربعين يومًا فى مغارة بجزيرة "آبا" فى النيل الأبيض، ثم خرج يوم 29 يونيه 1881، وبعدها أعلن أمام الفقهاء وعلماء الدين والمشايخ والأعيان أنه "المهدى المنتظر"، الذى سيملأ الدنيا عدلا كما ملئت جورا. دعا المهدى إلى ضرورة العودة المباشرة إلى الكتاب والسنة دون غيرهما من الكتب والمناهج، وإيقاف العمل بالمذاهب الفقهية المختلفة، وإلغاء جميع الفرق الصوفية، ودعوة الجميع إلى نبذ الخلافات والالتفاف حول المهدية كطريق وحيد، وشدد كثيرا على مسألة الجهاد بالقوة ضد "الكفار"، وأطلق المهدى على الزمن الذى سبق ظهوره "زمن الجاهلية". فى أغسطس سنة 1881 بدأ محمد أحمد حركته بإعلان أنه "المهدى المنتظر"، الذى ينتظر المسلمون ظهوره، وأعقب ذلك قيامه برحلة إلى كردفان، حيث طاف بأنحائها لنشر دعوته، واستجاب الكثير لدعوته، فشجعه ذلك على الجهر بها على أوسع نطاق ممكن، فكان رجاله يعتلون المنابر فى الجمعات ويدعون المصلين إلى الإيمان به. فى 25 يناير 1885 عقد المهدى مجلسًا ضم خلفاءه وكبار أمرائه وأتباعه، وقرر فيه شن هجوم على الخرطوم، وفى اليوم التالى (26 يناير) كان يزحف نحو الخرطوم جيش من 50 ألف مقاتل من "الدراويش" بقيادة عبد الله النجومى نحو الخرطوم، وكان الحاكم الإنجليزى فيها يومئذ هو "جودون باشا"، أعطى المهدى أوامره بألا يقتلوه ويأتوا به حيا، ليكون رهينة عنده يفتدى بها الزعيم المصرى أحمد عرابى، الذى كان منفيًا وقتها فى سريلانكا، لكن أتباعه ما إن وصلوا إلى جوردون باش وتمكنوا منه، أخذتهم روح الانتقام، وقتلوا جودون باشا، وفصلوا رأسه عن جسده، وأرسلوا برأسه للمهدى فى مقره بأم درمان، ولما وصلت أنباء مقتل جودون باشا إلى إنجلترا بهذه الطريقة عم الحزن فى أنحائها، وارتدت الملكة فيكتوريا الملابس السوداء حزنا عليه. استقر المهدى فى أم درمان، وبنى فيها مسجدًا من الحجر والطين والقش، وبجواره معسكرات الدراويش على امتداد البصر، لكنه لم يعش كثيرا، فقد توفى فى مثل هذا اليوم عام 1882 متأثرًا بحمى التيفوس، وتولى من بعده خليفته عبدالله التعايشى.