بثت فضائية مصرية أمس ما أسمته انفرادا بالحوار الذي قدمه الإعلامي عماد الدين أديب مع أحد الإرهابيين الأجانب الذين ألقي القبض عليهم ممن شاركوا في جريمة الواحات التي راح ضحيتها عدد كبير نسبيا من ضباط الشرطة ، وهو ليبي الجنسية ، وقد أثار هذا الحوار الجدل الواسع في أوساط عديدة ولاعتبارات عديدة أيضا ، سياسية وأمنية وإعلامية . في مثل تلك الوقائع لا يصح أن يطلق على ما تم إعلاميا وصف "الحوار" ، والمعتاد أن تقوم الجهة الأمنية التي قامت بضبطه وتوقيفه ومن ثم التحقيق معه أن تسجل له اعترافات على الجرائم التي قام بها ، وينشر هذا الكلام باعتباره اعترافات تقدمها الجهة الأمنية للرأي العام لإطلاعه على حجم الخطر وأيضا مدى الجهد الذي تبذله الجهات الأمنية للتصدي له ، وأنا لا أعرف مدى قانونية تلك الخطوة في الحقيقة قبل العرض على جهات التحقيق الرسمية الممثلة في النيابة العامة أو نيابة أمن الدولة ، ولكن في المعتاد أن هذا ما يحدث ، وذلك أن هذا الشخص هو مقيد الحركة ومقيد الحرية ولا يملك في تلك اللحظة من أمر نفسه شيئا ، فكيف تقيم معه حوارا ، الحوار يعني أن تطلق آراءه وتقديراته ورؤيته للأمور والحق في الاختلاف ونحو ذلك ، فهل هذا الموقوف يملك كل هذا ، وبدون شك فإن نسبة هذا العمل إلى الإعلام محرجة للإعلام بل مهينة ، هو عمل أمني كامل بداهة . أيضا بعض المعلومات التي قدمها هذا الإرهابي الموقوف تتعارض مع روايات رسمية سبق نشرها عن عدد المشاركين وعن الضحايا وعن تحركات ، غير أن المشكلة الأكبر هنا أن المصادر الليبية تزعم أن المواطن الليبي عبد الرحيم محمد مسماري تم إلقاء القبض عليه في ضواحي بنغازي في العام الماضي 2016 من قبل قوات ما يعرف بالكرامة ، التي يقودها الجنرال خليفة حفتر ، ومن ثم تم نقله إلى طبرق من وقتها ، وأنهم فوجئوا به يظهر في القناة الفضائية المصرية ، وهذا الكلام ينتشر الآن على نطاق واسع في ليبيا ، وعبر صفحات التواصل الاجتماعي ، وهو ما يستدعي تفنيده وتكذيبه من قبل الجهات الرسمية المصرية ، وإزالة أي التباس عن هذه المفارقة التي تطعن في الرواية الرسمية في مصر . الحوار بشكل عام لم يحقق المردود الإعلامي المناسب ، وقد لاحظت أن بعضا من مؤيدي الرئيس عبد الفتاح السيسي أنفسهم أبدوا استياءهم من هذا الكلام ، والنائبة البرلمانية المعروفة الدكتورة أنيسة حسونة غردت على حسابها في تويتر وقالت ما نصه : (المقابلة التليفزيونية مع الإرهابي لم تحقق أغراضها المتوقعة) ، وهو ما يعني أن الترتيب لهذا الأمر لم يكن احترافيا ، وبالتالي لم يحقق الهدف منه . الإرهاب خطر حقيقي يتهددنا ، ولا بد من تضافر الجهود للتصدي له ، والجهد الأكبر والأكثر أهمية هو جهد رجال الأمن والمؤسسات ، وأخشى أن نغرق في مثل هذه "الاستعراضات" الإعلامية بدلا من بذل المزيد من الجهد والتخطيط العملي الجاد لرصد بؤر الإرهاب وتفعيل المواجهة الشاملة لها بشكل علمي وعملي مدروس وناجع . [email protected] https://www.facebook.com/gamalsoultan1/ twitter: @GamalSultan1